Tuesday  04/10/2011/2011 Issue 14250

الثلاثاء 06 ذو القعدة 1432  العدد  14250

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

لو سألتك «أي دولة هي رائدة الديموقراطية في العالم؟» فأعتقد أنك ستجيبني «أمريكا»، وستكون محقاً، فهي الدولة الأهم في العالم حالياً ولا تنفك تحاضر دائماً عن الديموقراطية وأهميتها وأن على العالم كله تطبيقها (حسب النهج الأمريكي طبعاً) ولا تدخر جهداً في الضغط على الكثير من الدول لتطبيقها طالما كان في ذلك مصلحة لأمريكا، ولكن المضحك المبكي هو أن أمريكا من ناحية فعلية ليست ديموقراطية ولا يشم شعبها رائحة الديموقراطية حتى! تسألني كيف؟ الجواب بسيط: ليس المواطن الأمريكي هو من ينتخب الرؤساء. المواطن الأمريكي مجرد متفرج، ومهما بلغ عدد المنتخبين الذين يقصدون صناديق الاقتراع كل 4 سنوات فلن يغير هذا شيئاً، ذلك أن المرشحين يُختارون مسبقاً من قبل الحكام الفعليين للدولة، ويُقذف بهم للأضواء وأمام الكاميرات ليصنعوا أمام الأمريكان عملاً فنياً بديعاً باسم «مسرحية الانتخابات الرئاسية» يوهمون فيها الشعب أنهم من يختار الرئيس وأن أصواتهم ذات قيمة، ولو علموا قيمة أصواتهم فعلاً لما تركوا أرائكهم ولجلسوا أمام معبودهم المحبوب، التلفاز، ولأقسموا أن لا يفكروا حتى في السياسة لا من قريب ولا من بعيد.

آخر مثال هو الرئيس أوباما. عندما كان مرشحاً قطع للشعب وعوداً كثيرة، منها أنه سيغلق معسكر اعتقال غوانتانامو، وأنه سيتعاون مع روسيا لتقليل خطر إطلاق الصواريخ النووية، وأنه سيزيد الحد الأدنى للأجور، والعشرات من الوعود غيرها، كلها نكثها. وليس وحده، فلن تجد أي رئيس أمريكي يلتزم بالوعود التي يقطعها للمنتخبين، فهي دائماً شعارات مغرية وإيجابية يقصدون بها حشد الدعم لهم، لكن فعلياً هؤلاء المرشحين لهم وعود أهم من هذه، وهي الوعود التي قطعوها للحكام الفعليين لأمريكا، وهذه الأهداف تتعارض مع رغبات الشعب.

من هم الحكام الفعليون؟ إنهم جماعات المصالح. هذه جماعات مختلفة كل مجموعة لها أهدافها، وتتفق معظم أهدافهم على شيء واحد: المال. أمريكا دولة رأسمالية بحتة، القوي فيها يأكل الضعيف، فالفرق بين أغنيائهم وفقرائهم فاحش، وأغنياؤهم يملكون قوة جبارة في إدارة الدولة وتسيير المرشحيين حسب هواهم، والسبب هو خلل بشع في نظام الانتخابات، فلِـكيّ يقوم المرشح بتسويق نفسه وإيصال رسالته لثلاثمائة مليون شخص فهو يحتاج أطناناً من المال، وهذه الثروة لن يستطيع جمعها وحده، لذلك يحتاج من يدعمه مالياً، وهنا يأتي شيء اسمه «حملات التبرع»، وهي بلا مواربة رشوة قانونية ومباحة، فتأتي شركة ضخمة وتتحادث مع المرشح الفلاني، وتحصل منه على وعود أن يدعم سياساتهم، مثل أن لا يتشدد في قوانين حماية البيئة لأن الشركة تحتاج أن تتوسع وأن تقتل المزيد من الأشجار والغابات، ويأخذون وعداً أن لا يزيد الضرائب على الشركات، وهكذا، فإذا وعدهم واطمأنوا له قاموا بتمويل حملته، وبدون مجموع هذه «التبرعات» لا يستطيع أي مرشح أن يصنع شيئاً. بعدها تأتي جماعة مثل «إيباك» وهي أضخم وأقوى منظمة يهودية في أمريكا، ويلتقون بالمرشحين ويأخذون منهم وعوداً مخلصة أن يدعموا الدويلة الصهيونية حتى الموت، حتى لو كان الضحية هو الأمريكان أنفسهم، فإذا وافق دعموه. وهكذا دواليك، جماعة وراء جماعة، يأتيهم «وعد وراء وعد»، بعدها يعطون المرشح «حوالة مالية وراء حوالة».

هذه أمريكا حالياً. وهي على هذه الحال منذ عشرات السنين، ولا زال معظم الشعب يعتقدون أن لهم صوتاً، وأنهم هم من يختارون الرؤساء، ويحضُرون المناظرات الانتخابية واللقاءات والكثير غير ذلك، ظانين أنهم جزء من العملية الانتخابية. ولا أمل للمواطن الأمريكي، لأن الشيء الوحيد الذي يمكن تغيير هذا هو ثورة ضخمة شاملة، وهذه عملياً مستحيلة في دولة بهذا الحجم وعدد السكان وتباين الأعراق والكثير غيرها من عوامل الاختلاف.

 

الحديقة
ديموقراطية آخر موديل!
إبراهيم عبد الله العمار

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة