Sunday  09/10/2011/2011 Issue 14255

الأحد 11 ذو القعدة 1432  العدد  14255

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

وصف المفكر السعودي الراحل عبد الله القصيمي العرب بأنهم (ظاهرة صوتية)، فهم لا يجيدون الفعل إنما الكلام، ويركنون إلى الجدل أكثر من رغبتهم في العمل، وقرارات مؤتمراتهم عرائض شجب، وبيانات استنكار،

أطلق ذلك الوصف من خلال كتاب ألفه حمل عنوان (العرب ظاهرة صوتية) في الثلاثينيات الميلادية من القرن الماضي، فما عساه أن يقول لو كان بيننا اليوم، وشاهد على الهواء مباشرة ً الزعيم الليبي معمر القذافي، الذي بز جميع العرب بظاهرته الصوتية، فلا رسائل التهديد التي يرسلها الظواهري من كهوف الإرهاب، ولا بيانات أحمد سعيد والصحاف عبر أبواق العرب، ولا شعارات البعث التي دغدغت إسرائيل بين المنام واليقظة، فقد ظهر القذافي عالم لوحده من الصوتيات المتنوعة بين الجد والهزل، فهو صاحب صرخات النفير، التي أطلقها من أحد جحور الجرذان عبر المحطات الفضائية، بعد أن كان يعلنها مدوية فوق باب العزيزية، داعياً الشباب للرقص والغناء وكتائب المرتزقة إلى الإمام حتى يلاحقوا الثوار بيت بيت، دار دار، زنقة زنقة، قبل أن يدركهم بالزحف الأخضر على غرار كتابه الأخضر. لكن الثوار أدركوه ثم أطبقوا عليه.. فسقط الفاتح قبل سبتمبر! كما أنه صاحب الطرائف، التي تتزامن مع مؤتمرات القمة العربية حتى أنه أخرج أجمل مسرحية عندما كشف لوسائل الإعلام البيان الختامي لإحدى القمم العربية قبل عقدها، متندراً على البيان في جزئية حسن الضيافة من قبل البلد المستضيف!! لهذا فظاهرة القذافي الصوتية خلطة عجيبة من السخرية والتهريج وكلام لا يقوله إلا الحكماء، فتتعجب هل من يتحدث مجنون في حي العقلاء أم فيلسوف في حارة المجانين؟ لتكتشف أن الأحمق عندما يعمل بالسياسة يتحول الثوري إلى ثور! وهكذا كان القذافي، الذي وصف الثوار الأبطال بالجرذان فكان هو الجرذ الأكبر الذي اختفى مع بقية عصابة حكمه البائد، بدلالة رسالته الأخيرة التي يقول فيها إنه بين شعبه ويتطلع إلى شهادة.

لقد أثبت القذافي أنه نموذج حاضر وشاهد حي لزعامات ديكتاتورية كشفت الثورات العربية أن أنظمتها المتسلطة كانت من ورق يابس، تساقطت كما تتساقط أوراق الخريف بعد هبوب عواصف التغيير، وأن فِعل تلك الزعامات الحقيقي كان (الصوت)، الذي يطلقه إعلامها الرسمي وتحميه مخابراتها وأجهزتها الأمنية، فتحرس الرئيس باسم النظام وتحمي الدولة باسم الثورة والمواطن بينهما مسحوق. ولعلنا نذكر موقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله (حفظه الله) الصارم عندما حجّم القذافي في إحدى المؤتمرات أمام الملأ العالمي بكلمات لا يطلقها إلا الكبار، مبيناً بضاعة الكذب التي يعمل بها، وأنه مجرد ظاهرة صوتية، قبل أن تأتي ثورة الشعب الليبي وتفضحه أمام العالم.

kanaan999@hotmail.com
 

القذافي.. ظاهرة العرب الصوتية!
محمد بن عيسى الكنعان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة