Sunday  09/10/2011/2011 Issue 14255

الأحد 11 ذو القعدة 1432  العدد  14255

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

الناس طباع، ومن طبعي الانعزال. عندما لا أكون أعمل فإنني لا أخرج من البيت، فضلاً عن أن أخرج من مدينتي العزيزة الرياض وطقسها الملتهب الذي يذيب الجمجمة! ولكني قضيت سنيناً طويلة وأنا جالس على كراسي العمل أو أمام الحاسب في المنزل وزاد وزني تدريجياً على مر السنين، حاولت بشتى الطرق إنقاص وزني ولم أصل لما أرغب. حينها اتخذت قراراً جذرياً: ذهبت إلى جزيرة اسمها «فوكيت» تقع على بحر أندامان في جنوب آسيا، وهي جزء من تايلاند، ورغم أن تايلاند فقيرة إلى حدٍّ ما إلا أنها مقصد شهير للسياحة، ومن أسباب ذلك هي رياضة عريقة اسمها «مواي تاي»، وتعني الملاكمة أو الكيكبوكسينغ التايلندية، وهو نوع قاسٍ من الرياضة القتالية التي تتخصص في استخدام اللكمات والركلات والأكواع والركب في الضرب، وتُجرى المنافسات في حلبات مثل الملاكمة، وهي رياضة ممتازة لتخفيف الوزن لأن التحمية فيها شاقة وهدفها أن تصنع مقاتلاً لا يتعب بعد بدء القتال بقليل، وهي أيضاً أساسية كجزء من رياضة إم إم إيه، وهي اختصار لكلمة يمكن ترجمتها حرفياً إلى «فنون القتال المدموجة»، وهذا نوع جديد من الرياضة ظهر في أمريكا في التسعينات بشكله الحالي، طريقتها أن يتقاتل شخصان مثل ما في الملاكمة إلا أن رياضة فنون القتال المدموجة تسمح باستخدام الركل والالتحام والأكواع والخنق وغير ذلك، وانتشرت الرياضة تدريجياً حتى صارت تنافس وتتفوق على الملاكمة والمصارعة الحرة في عدد المشاهدين والحضور، ولكي يتقنها المقاتل فعليه أن يتخصص في عدد من الفنون القتالية المختلفة، أبرزها أربعة وهي: الملاكمة (ليتقن اللكم)، والمواي تاي (ليتقن الضرب بالركبة والكوع والساق)، والمصارعة الرومانية (ليتقن الانقضاض وطرح الخصم)، وأخيراً الجوجيتسو البرازيلية والتي تمكن متقنها من السيطرة على مفاصل الخصم ورقبته بطرق كثيرة وتجبره على الاستسلام، وتختلف عن الجوجيتسو اليابانية في تفاصيل كثيرة. لما تعلمت عن هذه الرياضات رغبت في تجربة المواي تاي لزيادة لياقتي ولم أفكر في المدموجة لأنها أكثر مشقة وتحتاج سنيناً طويلة. علمتُ أن المواي تاي هي الرياضة الوطنية في تايلند ويوجد عشرات الآلاف ممن احترفوها، وهي رياضة قديمة عمرها مئات السنين، وقضيت وقتاً في أحد المراكز والذي أنهكني بالتدريب. مما أدهشني هو أن التايلنديين رغم أنهم شعب صغير البنية إلا أن من يحترفون هذه الرياضة يمتلكون قوة هائلة في ضرباتهم، فترى أاً من المدربين قصيراً نحيلاً ولكنه يركل كيس اللكم الضخم والذي يبلغ من الوزن فوق الثمانين كيلوغرام بقوة هائلة لا يستطيعها أي من المتدربين الغربيين ذوي الأجسام الضخمة والعضلات المفتولة والذين جاءوا للتدرب. بذلت أقصى جهدي ورغم المشقة إلا أنني استمتعت بها وكانت تجربة إيجابية، ووصلت لدرجة مقبولة من اللياقة.

لكن بعد فترة ذهب هذا كله عن بالي، فما شدني فعلاً وما علِق ببالي طويلاً هو الشعب التايلندي نفسه. من الأشياء التي أعجبتني فيه أنني وجدته شعباً طيباً، لا يحبون المواجهة ولا المشاكل، كثير تبسمهم قليل شرهم. رأيتهم مسالمين وهادئين في القيادة، فعندنا في الرياض لو خرجتَ بسيارتك قليلاً فستسمع صوت المنبه («البوري») بشكلٍ مستمر، فمثلاً إذا اخضرت الإشارة سمعت وراءك «طوط طووووط!» واضطرب الناس وراءك كأمواج بحرٍ هائج يوشك أن ينقض عليك ويغرقك! بينما هناك فلن تكاد تسمع صوت المنبه مهما كان، ولم أرهم يستخدمونه إلا لهدفه الفعلي، وهو التنبيه، مثلاً إذا كان الشخص قادماً من منطقة متعرجة في جبل فإنه يضرب المنبه ليحذرك أن المنطقة التي تُقبل عليها خطرة. ونفس الشيء مع النور العالي. إذا اخضرتَ الإشارة وتأخرتَ قليلاً فإنهم من وراءك يظلون هادئين صابرين وينتظرونك إلى أن تمشي.

ورغم أن قيادتهم ليست مثالية 100% إلا أنهم حتى في أخطائهم أكثر مسالمة وطيبة منا، فمثلاً هنا في كل «مشوار» فستجد شخصاً ينعطف عليك بشكلٍ حاد، بينما هناك لا ينتقلون من مسار إلى مسار بنفس السرعة بل بشكلٍ بطيء، فحتى لو مالوا عليك فهم يفعلونها ببطء يمنحك فرصة للتهدئة أو التجاوز.

 

الحديقة
رحلتي إلى جنوب آسيا
إبراهيم عبد الله العمار

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة