Wednesday  12/10/2011/2011 Issue 14258

الاربعاء 14 ذو القعدة 1432  العدد  14258

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

بعد غربة ما يقارب الاثنتي عشرة سنة عشتها بعيدا عن الوطن لإكمال دراساتي العليا في تخصص القانون لم يخطر ببالي يوما من الأيام أن أرى مثل هذه الظاهرة الصحية وهي الاحتفال بيوم الوطن. هذه الخواطر والمشاعر انتابتني وأنا في طريقي من مطار الملك خالد الدولي قبل يومين فقط من اليوم الوطني عندما شاهدت الأعلام واللافتات مرفوعة على جنبات الطريق.

عندما حطت قدماي الولايات المتحدة الامريكية في عام ألفين وواحد وبالتحديد في نهاية شهر جون وبعد ما يقارب الاسبوعين من وصولي كانت تلك هي أول تجاربي برؤية الشعب الامريكي واحتفاله باليوم الوطني أو يوم الاستقلال، حينها سألتني ربة العائلة الامريكية التي كنت أعيش عندها عن الفرق بين هذا الاحتفال والاحتفال الذي نقوم فيه في المملكة العربية السعودية؟ عندها بحثت عن إجابة ولكن للأسف لم أجد، شعرت بالخجل عندما تاهت بي افكاري بحثا عن إجابة لهذا السؤال البسيط.

قبل ما يقارب السنتين او الثلاث بدأت الأندية السعودية في الولايات المتحدة بالاحتفال باليوم الوطني وكان يتخلل هذه الاحتفالات دعوة عامة لأفراد المجتمع الامريكي وعرض فلم وثائقي عن المملكة وتقديم بعض المشروبات والاكلات الشعبية. فقط عندها قمت بالاتصال بربة العائلة الأمريكية ودعوتها لحضور الاحتفال، عندما أقبلت كنت في استقبالها وكانت تعلو محياي ابتسامة كنت أبحث عنها ما يقارب السنوات العشر، وقبل ان أتكلم ابتسمت وقالت «هل دعوتك هذه اجابة لسؤالي لك قبل عشر سنوات؟» فأجبتها بكل تأكيد.

يعتبر الاحتفال باليوم الوطني امرا بالغ الاهمية لترسيخ المواطنة الصادقة في نفوس الناشئين من شباب الوطن الذين سيتحملون مستقبلا مسؤولية المحافظة على مكتسباته وازدهاره وتقدمه والرقي به الى مصاف الدول المتقدمة. إن الأجيال التي تنشأ متعاقبة على تربة هذا الوطن الغالي إذا بعدت المسافة الزمنية بين عصرها وعصر البناء وتكوين الدولة لن يكون بإمكانها تصور مقدار الجهود والتضحيات التي قام بها الآباء والأجداد لصنع هذا الكيان العظيم والبناء الشامخ الذي ينعمون الآن بخيراته وينهلون من عطاءاته في أمن ورخاء وعز قلّ توفر نظيره في عالمنا الحاضر.

إن الأجيال المتعاقبة لن يكون بإمكانها إدراك الجهود الجبارة والتضحيات الجسيمة والمخاطر الرهيبة التي عاناها المؤسس رحمه الله ومن معه من المواطنين المخلصين حتى قام هذا البناء الشامخ. إذا لم يكرر الاحتفال باليوم الوطني كل عام ويُعرف الأبناء على جهود وتضحيات الآباء والاجداد فلن يدركوا قيمة العز والرفاهية والحياة الكريمة التي ينعمون بها. إننا بتكرار الاحتفال باليوم الوطني نعيد الى الذاكرة جهود وتضحيات المؤسس ومن معه ليعرفها الشباب وتختزلها عقولهم وتتجذر في نفوسهم الوطنية الحقيقية وحب هذه البلاد التي تكونت من دماء وعرق آبائهم وأجدادهم فيصبح لديهم قناعة بوجوب الحفاظ عليها وبذل المزيد من الجهود للنهوض بها والذود عن ترابها ومكتسبات الآباء والأجداد.

إن الاحتفال بيوم الوطن كل عام واستعراض أمجاد الوطن والتضحيات الكبيرة التي بذلت لقيام هذا الكيان ستعيد إلى أذهان الأبناء والأحفاد هذه المعلومات الهامة لتكون حاضرة دائما في عقول النشء الجديد تنمي في عقله محبة وطنه وتشعره دائما ان عليه واجبا مقدسا للمحافظة على مكتسبات الآباء والأجداد وإضافة ما يستطيعون بذله من جهود وتضحيات لعز وطن ورُقيه وتقدمه، كما انه تذكير لناشئين بواجباتهم تجاه وطنهم ليتعلموا ان عزهم وبقاءهم مرتبط بعز وبقاء وطنهم، ولكن هناك بعض المظاهر السلبية قد تصاحب الأفراح والوطنية الكبيرة كاليوم الوطني والانتصارات الوطنية للاسف من بعض المواطنين خاصة من الشباب فيعبرون عن احتفالهم وفرحهم بطريقة مخالفة للسلوك الحضاري وتسيء الى سمعة وطنهم وأمتهم مما يعرض الوطن للانتقاد، ويتهم بالفوضوية وعدم التحضر. إن التصرف اللامسؤول والمظاهر الفوضوية لا تعبر عن الفرح بالمناسبة الوطنية بطريقة صحيحة وهي في نفس الوقت تسيء للمواطنين المنضبطين وإلى الوطن اجمع. إن إزعاج المواطنين ومضايقتهم بالطرقات دلالات على التخلف ومظهر من مظاهر الهمجية والتأخر، تعطي صورة سيئة للوطن ومواطنيه أمام الرأي العام.

وإن من واجب الأمن الوطني إيقاف العابثين والمستغلين لمثل هذه المناسبات لبث الفوضى والقيام بأعمال تسيء للوطن والمواطن وتشوه الاحتفال بالمناسبة. إنهم إذا لم يسألوا عن تصرفاتهم ويوقفوا عند حدهم حفاظاً على الأمن وراحة المواطنين سيتمادون ولن يقفوا عند حد. يجب أن يتعلموا ان الاحتفال إظهار للفرح بأمجاد البلد وليس بالإساءة إليه والعبث بأمنه.

عندما قمت بدعوة ربة العائلة لحضور الاحتفال باليوم الوطني في جامعتي في أمريكاكنت على ثقة بأن الاحتفال لا يوجد ما يشوهه من هذه المظاهر النشاز، فهل من الممكن ان أدعوها إلى زيارة وطني الحبيب لترى فرحتنا كمواطنين أوفياء لوطننا واحتفالاتنا بالطرق الحضارية والتي سبق وان علمنا إياها ديننا الحنيف، كم أتمنى وأعلم ان هذا سيحصل بإذن الله في القريب العاجل.

دكتوراة في القانون التجاري والقانون الدولي

 

جوانب عن وطني بعد الغربة
د. أحمد بن ضيف الله اليوسف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة