Friday  14/10/2011/2011 Issue 14260

الجمعة 16 ذو القعدة 1432  العدد  14260

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

كتب الشيخ الدكتور عبد العزيز البجادي حلقات ثلاث في ربوية الأوراق النقدية، تتميز في الرد على منشأ القول لا ناقله. فبحث الشيخ الذي نشره في (الجزيرة) كان ثورة على غالب أقوال وتخريجات العلماء قديما وحديثا. فجوهر بحث الشيخ البجادي كان تفنيدا لكل من نسب الوزن كعلة لربوية الذهب والفضة في المشهور من مذهب الحنابلة والأحناف، ولكل من نسب إلى الشافعية والمالكية الثمنية الغالبة كعلة للربا على الذهب والفضة مقصورة عليهما لا تتعداهما. وهذا كله لا يخصني ولا يهمني لأنه لا يغير من طرحي الذي أطرحه وهو أنه لا يوجد دليل نصي ولا قياس صحيح اليوم يقيس الأوراق النقدية على الذهب والفضة، ومن كان عنده دليل واحد يصح اليوم في وضعنا المالي الحالي، شرعا أو عقلا، فليأتي به سواء أكان قديما أو حديثا وسأسلم وأعلن أننا بحمد الله قد وجدنا ثغرة للربا فنعسر ونشدد بها على الناس، ولكن لا دليل مطلقا فهذا من التعدي على الربوبية.

وقد أعجبني الشيخ أنه لم يحرف كلامي كما فعل كل من كتب من قبل، رغم أنه استخدم الإيهام لتنفير القارئ من طرحي. فالشيخ أثبت بأنني أكيف الأوراق النقدية بأنها أثمان (أي أنها وسيلة تقييم، وتُسعر بها الأشياء ولا عكس). وبما أنه لا يوجد نص ولا قياس صحيح، فقصر العلة عليهما هو المتبع في الشريعة كقصر علة تحريم الحرير على الحقيقي دون الصناعي، وكقصر علة أحكام الرق على الرقيق لكونه رقيقا، لا لصفة الخدمة فيه وغير ذلك. ورغم أن قصر العلة على الذهب والفضة هو قول كبار العلماء قديما وحديثا وآخرهم شيخنا بن عثيمين وهو المنسوب المشهور عن الشافعي ومالك كما نقله عنهم أئمة المذهبين ونقله عنهم علماؤنا، إلا أن الشيخ البجادي أظهر قولي بقصر العلة لعدم ظهور قياس منضبط وكأنه قول الظاهرية ونسب فكري إليهم في مرات عديدة، بل وأضاف إليه شيء من نكهة الترهيب العقائدي بتشبيه قولي بعقيدة التحسين والتقبيح عند الأشعرية.

ومما أعجبني في الشيخ، أنه لم يجهلني كعادة بعض الفقهاء مع مخالفيهم، بل جَهل من نقلت عنهم من كبار علماء السلف والخلف، وهذه أمانة منه في هذا الباب، حتى أنه اشتد عليهم فأخرج بعضهم من سرب العلماء وجعل بعضهم دخيلا على فن التخريج على المذاهب ووصفهم بالتخبط خبط عشواء، على حد تعبيره. وتجهيل المخالف عادة متبعة عند كثير من الفقهاء فلا يكاد يخلو نقاش دون تجهيل الطرف الآخر، كقول الشيخ بن إبراهيم لمن كيف الأوراق النقدية على أنها فلوس «ما قاله إلا بعض الجهال» وقائل ذلك هو بن سعدي. وبما أنني رب الإبل وللبيت رب يحميه، فأنا أجيب عما يتعلق بي. فقد قال الشيخ أنني لم أت بجديد عن ما قالته الظاهرية، فجوابي أنني جمعت شرعا وعقلا ما كان متفرقا متناقضا قبلا. فالذهب والفضة أثمانا خلقة، والأوراق النقدية أثمان في جوهرها وأنه لا يجري فيها الربا لأن ذلك يستلزم خروج الفضة من الأموال الربوية، وهذه علة ظنية مقابل النص فتبطل. مثاله: فالشمس حارة خلقة- فالحرارة صفة خلقية لها لا جوهرية (فجوهرها معادن) فحكم اجتنابها يزول مع زوال حرارتها ببرد وظل. وكذا الذهب أصفر خلقة فإن تعلق الحكم باللون الأصفر فكل أصفر يجري فيه الربا فإذا زال الصفار عن الذهب زال الحكم معه، والثمنية صفة خلقية في الذهب والفضة وهي ليست صفة في الأوراق النقدية بل هي جوهرها، فلا تستخدم إلا للتسعير والتقييم والتبادل على عكس الذهب والفضة الذي يطلب لذاته لا لثمنيته، وهذا مطرد في الأحكام الشرعية، كزوال حكم التحريم على الخمر إن لم تعد مسكرة، ولهذا أطرد شيخ الإسلام فأزال حكم الربا عن الحلي (رغم ثمنيته آنذاك ولو كان حليا) لأنه كان يرى علة الربا هي الثمنية.

وكأنك يا زيد ما غزيت، فبعد كل هذا الجهد من الشيخ عاد وقال إن كل شيء بمثله بزيادة ونسيئة فهو ربا كما أشار في بيع البيضة بالبيضتين لآجل. فيا ويح الفقه، لم عناء البحث وتجهيل العلماء وهو قد جعل بذلك من حديث ربا البيوع الذي نص على ربوية الأصناف الستة عبثا لا فائدة منه، وجعل جهد العلماء في إخراج علل للقياس عليها من العبث مادام كل مال فهو ربوي سواء قيس على الستة أو لا (وقوله طبعا خلاف الفتوى عندنا). وعلى كل فقد سألت الشيخ بالتلفون عن دليله بإدخال كل مال في الربا إذا بودل بزيادة لآجل، فاستدل بالحكمة على العلة، فقال دليلي هو الظلم. فقلت إذن البيضة بالبيضتين لأجل هو ربا لأنه ظلم وأما البيضة بالجملين لأجل ليست ظلما فلا ربا فيها؟ فأجاب نعم!

فمن أجل هذا يظهر أهمية جعل النقاش علميا في الهواء الطلق خاليا من التجهيل والتدليس. لذا فقد اتفقت مع الشيخ البجادي بأن نفتح - على صفحات جريدتنا الجزيرة- نقاشا علميا شرعيا واقعيا ندعو له من عنده القدرة على المشاركة العلمية الصحيحة، نطرح فيها الأقوال ليحكمها القارئ العادي والعالم الأمين، وقد دعمنا رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك بموافقته الكريمة على ذلك فهذا الموضوع يمس دين المسلمين واقتصادهم وقد احتوته ضبابية عجيبة واختلطت فيه الأساطير بالحقائق والصح بالخطأ ولن يُظهر الحق إلا نقاشه علانية أمام المسلمين فيتبين القول الصحيح. ولو تأملنا في سبب هذه الضبابية والتناقضات العجيبة في أحكام الأوراق النقدية لوجدنا المسكوت عنه في سبب ذلك هو أن الربا قد جُعل مطلبا شرعيا تُلوى وتُأول وتُسخر من أجل تحقيقه النصوص سواء أدرك الناس هذا أو لم يدركوا، وهذا هو مقال الغد.

hamzaalsalem@gmail.com
تويتر@hamzaalsalem
 

المسكوت عنه
البجادي وإحياء الفقه
د. حمزة بن محمد السالم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة