Saturday  15/10/2011/2011 Issue 14261

السبت 17 ذو القعدة 1432  العدد  14261

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لو أخذت كوكب الأرض بين يديك وقلّبته في راحتيك وتأمّلت حركة المخلوقات فيه من إنس وحيوان وطير بقرون وعصور تمتد لملايين السنين، فستجد أنّ الحركة هي محور الحياة وليس المتحرّك، فالمتحرّك له عمر افتراضي ينتهي بعده، ولكن تبقى آثار حركته مستمرة في التطوُّر، ومن هنا

وفي عصر اعتمد فيه الإنسان على الآلة والتقنية المتقدمة هل نقول إنّ الإنسان قد بدأ يفقد قيمته الحياتية لصالح الآلة التقنية؟

عندما وضع (نوربرت فينر) أسس علم (السيبرناطيقية) بفكر ملخصة استخلاص القيمة من وظائف الجهاز العصبي للإنسان لتطبيقها على الآلة، تحوّل الإنسان بشكل سريع إلى التخلُّص من الحركة البدنية إلى الحركة الذهنية، وصارت الآلة هي التي تؤدي الأعمال وتبذل الجهد إلى أن وصلنا اليوم، إلى أن صارت الآلة ذات عقل إليكتروني تفكّر وتحسب وتحفظ، بل وتدرس وتخطط وتظهر النتائج أسرع وأدق وأفضل من الإنسان ذاته، بل لا أكون مبالغاً إذا قلت إنه ربما يأتي اليوم الذي نرى فيه الآلة تحل محل الإنسان، وقد بدأت بوادر ذلك تظهر في (الروبوتات) الإليكترونية، التي تقوم بأداء كثير من المهام نيابة عن الإنسان، أي نعم، الإنسان هو الذي اخترع وهو الذي صنع وهو الذي يأمر، لكن ما أثر هذا الترف الخيالي على قيمة الإنسان الحياتية والوجدانية، وانعكاس ذلك على الحياة والعلاقات الإنسانية؟

إنّ المتمعّن في التاريخ وعلم الاجتماع أو حتى من يهتم بسبر أغوار السلوك، لابد وأن يلاحظ التغيُّر الهائل في طبيعة إنسان الحاضر عن الماضي حتى في أمسه القريب، وكيف تبدّل مفهوم الحياة الاجتماعية إلى استقلال وتفرد انطوائي وأناني، يتسع في بعض المجتمعات ليصل إلى نواة الأسرة الصغيرة، ويفصل بين أفرادها، رغم التلاصق التناسلي وحتى الغرائزي الفطري، وكأنّ قيمة الإنسان الوجودية في هذه الحياة تبدّلت وصارت تملكاً واستحواذاً على حساب كينونة العطاء الإنساني الفطرية، فلقد صار المظهر والصورة المحدثة العصرية بمثابة قيمة وجودية بدلاً من القيم الإنسانية الفطرية، وبمعنى أنّ الحياة كلّما تقدّمت في تقنيتها واختراعاتها، أبعدت الإنسان عن طبيعته الإنسانية، وجعلته ينزوي وينطوي أكثر على ذاته الفردية على حساب ذاته الاجتماعية، وأخشى أن أشبه إنسان هذا العصر بالحيوان المتوحّش، ذاك الذي لا يحكمه وجدان تآلفي لو لا أنه - أي الحيوان المفترس - لم ولن يصل إلى مرحلة الانسلاخ من عاطفته التناسلية.

لقد تغلّبت نزعة الاستحواذ والتملّك على كينونة العطاء في الإنسان، فصارت الحياة أقسى وأصعب بالحراك الذهني وإحلال الآلة محل الفعل والجهد البشري، فتحوّل في طبيعته الإنسية من إنسان إلى ما يشبه الآلة أو الحيوان، وإنْ كان بشكل خفي ومتوارٍ قد يصعب على البعض كشفه أو رؤيته، غير أنّ طبيعة حياة العصر الذي حلّت فيه الآلات التقنية محل أغلب جهود وفعل الإنسان، قد أفرغته من كثير من مزاياه الفطرية التي كانت تساعده في توثيق إنسانيته، وجعلته أكثر شبهاً بالآلة في العطاء (الاستهلاكي والإنتاجي) وأكثر شبهاً بالحيوان في نزعة البقاء أو التميز، أي باختصار حب للذات الفردية على حساب الذات الاجتماعية، وهو ما يعني فقدان الإنسان لأسمى وأنبل قيمه الوجودية.

إنّ علاقة الإنسان مع الحياة أكبر من أن تحصر أو تقنّن في ملكية أو استحواذ لا يبقي حراكاً مستمراً في نمو وبناء الحياة على مدى العصور، بل إنها علاقة يحكمها زمن تنقضي بعده وسائل الاتصال المادي، في حين تعطي الإنسانية للحياة حراكاً مستمراً لا ينقضي إلاّ بانقضاء الحياة على الأرض، ويبدو أنّ للتقدم (السيبرناطيقي) في التقنية والآلة أثراً خفياً ومعاكساً عن ظاهره لدى الإنسان، إلى الحد الذي قد يشطح بالخيال في اعتبار العلم والتقنية عدواً للإنسان في قيمته ورسالته في الحياة، حتى إنّ الإنسان ومن بدائية ظهوره على هذه الأرض كان يبحث دوماً عن قوة قاهرة يلجأ إليها ويستعين بها على متاهات فكره وتوقد عقله وتحكيم سلوكه، فعبد الحجر والبقر والشمس والنجوم والنار وعبد أيضاً الزعيم الإله، واليوم يبدو كأنّ العلم وصرعة التقنيات صارت قوة قاهرة مشابهة، فماذا يقول الإنسان المسلم الذي يقرأ القرآن؟

Hassan-Alyemni@hotmail.com
Twitter: hassanalyemni
 

أذلّ الجهل ابن آدم فهل يذلّه العلم؟
حسن اليمني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة