Saturday  15/10/2011/2011 Issue 14261

السبت 17 ذو القعدة 1432  العدد  14261

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تناولت في مقالين سابقين وجهة نظر شخصيه عن مشكلة تكاثر السكان في المناطق الصحراوية، وعبّرت عن أخطار وصول سكان مدينة الرياض على سبيل المثال إلى عشرة ملايين، أو أن تتحوّل الواحات الزراعية في الصحراء إلى مناطق صناعية، في ظل غياب العناصر الطبيعية الأساسية، ومنها المياه، والتي قد تتحوّل ندرتها إلى خطر حقيقي في ظل ازدياد السكان وهجرتهم إلى المناطق الصحراوية، في حين تتميّز المملكة بسواحل تتميّز بطولها وجمالها وندرة السكان فيها، وتتوافر فيها المكوّنات الطبيعية اللازمة لتتحوّل إلى مناطق اقتصادية وصناعية، وأن تحقق النجاح مثلما تحقق في الجبيل وينبع، وفي تجربة أرامكو قبل ذلك المثال النموذجي للهجرة السكانية من أعماق الصحراء إلى الساحل.

***

كما أثرت في المقالين إشكالية المحافظة الاجتماعية الشديدة في واحات المناطق الصحراوية، وبرغم من أنني لم آت بجديد، لكن بعض الزملاء والزميلات الكتّاب وجدوا فيه تجريحاً لنجد وسكانها، وجاء في مقدمتهم الكاتب الأديب وعضو مجلس الشورى الأستاذ حمد القاضي، وبرغم أنني لم أذكر كلمة نجد في المقالين، ولم أحدِّد أفكاري بإطار المناطقية أو الإقليمية، إلاّ أنّ ردودهم جاءت دفاعاً عن نجد الجغرافيا والتاريخ، وتفوح بروائح نباتات نجد الزكية مثل العرار والنفل والخزامى والشيح والقيصوم والأقحوان، ولكن غابت عنها روائح الفل والكادي، ونبات المكر والحماط والخرشف، وورد الجوري وعبير الساحل، وما كتبته لم يكن عن نجد فقط، وكان عن واحات الصحراء من خلال منظار يرى الوطن بصوره متوازنة من طريف إلى شرورة، ومن الهفوف إلى حقل، ومن نجران إلى الخفجي، ومن أملج إلى سيهات، ولم يكن المقصود الإساءة لنجد أو التقليل من تاريخها الطويل ورموزها الكبار من القادة والشعراء، وقد وصل حدّة الردود في أن يتساءل الأستاذ حمد القاضي عن سبب بقائي في نجد!، وكأني به، «من دون قصد»، يختزل صورة الوطن في نجد!

***

ما كتبته كان من أجل الحفاظ على العرار وزهور الخزامى من الذبول والاندثار، فالجفاف والتلوُّث البيئي أصبحا يهددان الطبيعة الصحراوية، وسيؤدي المضي في إنشاء المشاريع والمدن الصناعية فيها التهديد الأكبر للحياة الطبيعية في المناطق الصحراوية سواء كان ذلك في نجد أو خارجه، وما يحدث من هجرة جماعية إلى العمق سيجعل أكثر السكان يعيشون في العمق، وهو خطر إستراتيجي، ويهدد السكان والثروة المائية في المنطقة، وينذر بأخطار قد لا تكون في الحسبان ما لم يتم تشجيع إنشاء المشاريع الصناعية على السواحل أسوة بالتجربة الناجحة في الجبيل وينبع، وبالتالي تخفيف العبء البشري على الخدمات والطرقات والواحات الطبيعية في هذه المناطق.

***

يبدو أنّ تناولي لجمود التقاليد وصعوبة وقسوة الحياة الاجتماعية في المناطق الصحراوية أثار الحنين أيضاً عند الزملاء والزميلات، فهاضت ذاكرتهم الشعرية بصبا نجد، وعادوا بها لأيام محمد القاضي وابن لعبون وابن الدمينة، لكن ليسمح الكتّاب الأعزاء أن أخالفهم في الأمر، فتاريخ التسامح والتعددية والمرح لم يكن من سمات سكان الصحراء وقراها، فقد مرّ سكانها بصعوبات اجتماعية وصلت لحد التشهير لمن لا يحضر صلاة الفجر في المسجد في بعض القرى، وكان جزاؤه أن يسلبوا منه غطاء رأسه أو شماغه للتشهير بما فعل، وأن يُطارد شبابها بالعصي والمقصات في الأسواق، كما أنّ المرأة لازالت إلى هذا اليوم تُطارد في الأسواق من أجل أن تلتزم بوضع العباءة على رأسها، ويشعر كثير من سكانها بتأنيب الضمير عند سماع الموسيقى نتيجة لتحريمها الشديد، ووصل الاجتهاد الديني في بعض القرى إلى حد تحريم الضحك والفرح إلى درجة أنّ المرء لا يستطيع التفريق بين مآتم العزاء وحفلات الزواج عند الرجال، وسؤالي هل يمكن لمنطقة مثل هذه أن تكون جاذبه للسياح والمتعة!.

***

ما كتبته ليس له علاقة بأعشى نجد وحبيبته هريرة، ولا النجدي عنترة الذي ودّ تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارقة ثغرها المتبسِّم، ولا بأميرها امرئ القيس الذي وقف يبكي منزله وحبيبه في سقط اللوى، ولا عن حكيمها زهير بن أبي سلمى الذي كتب أول معاهده عن السلام بين العرب في معلّقته الشهيرة، ولا بابنها الرمز عبد العزيز بن عبد الرحمن الذي جمع ورد الخزامى والفل والكادي والجوري والرقروق والسعدان والشيح والخرشف في نسيج وطني لا تفرقه النعرة الإقليمية أو القبلية، ولكن كتبت عن الوطن الذي قلبه الصحراء وجناحاه السواحل، ومثلما يحتاج القلب إلى عناية فائقة ترفق بصحته وبيئته وطبيعته ونباتاته، أيضاً تحتاج الأجنحة إلى مشاريع تناسب مع مقوّماتها وطبائعها، تحلّق باقتصاد الوطن عالياً، وتؤمّن لهم مستقبلاً مشرقاً إن نضبت لا قدّر الله آبار النفط، كذلك كتبت عن ضرورة الرفق بسكانها، والحد من ثقافة التأزم ونظرات الشك والمطاردة للرجال والنساء، فالدين أرحب من أن يكون عصاً في يد رجل دين.

 

بين الكلمات
لئلا يذبل زهر الخزامى..
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة