Saturday  15/10/2011/2011 Issue 14261

السبت 17 ذو القعدة 1432  العدد  14261

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

آمنة بنت محمد آل عطية



1650 صفحة من القطع المتوسط



ما نعرفه سوياً أن البحر يُغرِق -بضم الياء- شاعرتنا آمنة أضافت بعنوان ديوانها معلومة جديدة مفادها أن البحر نفسه يَغرق بقدر ما يُغرق.. لنلتمس موضع أقدامنا ونحن نقترب منه بخطوات حذرة كي نشهد غرقه ولو من خلال ثنايا شعرها.. بداية بدهاليز الليل..



يوزع الأرق عذاباتي على زوايا الليل



ينبت القتاد في كل زاويه



تعلو الشقوق جدران وحدتي



يشير عقرب القلق إلى الهاوية تماماً..



كم هو كثيف أرق عذابها.. وكم هو كثير تحتويه كل زوايا العتمة.. وكم هو منبت للقتاد في تلك الزوايا.. وكم هو مصدع للحيطان أشبه بالزلزال.. من حسن حظها أن جرس الإنذار دق ناقوسه كي تأخذ الحيطة من أمدها.. وهي تواجه كل هذا أخذت مكاناً قصياً، وقد شخصته ببعدها نحو السماء ترقب نجمة عن قمرها الغائب فتشير إلى صدرها.. ثم تلوح لها مودعة ولكن في خشية:



اخشى تزحزح السحابة عن وجه القمر



حتى لا تكشف النجمة كذبتي



التقط القلم من بين أشيائي المبعثرة لأسطر لك رسالة..



اطلب فيها الاستقالة من حبه.



لا أحد يا شعرتنا يطلب الطلاق من قلبه.. أيّ من حب والحنين الجارف يطويه ويسوقه نحو التحليق.. أنتِ قلتِ هذا..



الوحدة قبر لا يلجأ إليه إلا أشباه الموتى.. حتى ولو ضممتيها بكفك وشبكتي أناملها بأناملك.. لا أريد السير في دهاليز الليل كي لا تتعثر قدماك. انفضي غبار اليأس عن هامتك فأنتِ شاعرة حياة..



«السفينة» ماذا قالت عنها آمنة؟!



تسكن ثورة البحر بتهاديها الرزين



تجاري هياجه فيها.. وتربت على شواطئ كي يهدأ أحياناً



الثورة البحرية لماذا هي ثائرة؟ هل غالبها الحنين وراحت تداعب الموج تارة وتلاعب أخرى؟



تبث أشواقها للريح.. تهدئ روح الأمواج..



بل إنها تحلم بالغوص. وتغني للربان وللمبحرين.. هذا نهاراً.. وفي الليل تعكس بريق القمر.. وتنظم قصائد الفجر الثاني.. يا لها من ثورة وجدانية تحمل أحشاءها:



مخاضها صخب الموج. وصفق الأشرعة



تضع وليدها في أقرب ميناء..



لم تقل لنا شاعرتنا الحالمة شيئاً عن اسمه.. لعله وليد البحر الذي يهدهده بين أمواجه ويسمعوها النوارس كي يغفو..



أشعر يا شاعرتنا أنك تملكين خيالاً خصباً.. وسيكون الأكثر خصوبة لو أنه خاطب الواقع بلغة أكثر وضوحاً..



«عقارب الساعة تشيع الجنائز» محطة جنائزية نقف أمامها خاشعين:



لأن عقاربها تسيِّر الزمان



تشيع الساعة جنائز الأيام



تشيعها لأنها تفقه معنى اللاعودة



توقن باقتراب الأفول..



توقن أكثر بالأفول نفسه.. مادامت تحصي الأنفاس حتى لحظتها الأخيرة وتلاحقها بخطوات ثابتة لا تتوقف.. خطوات الساعة هي الوحيدة التي تمضي دون استئذان.. والتكتكة عزف تصويري لكل المشاهد..



بما فيها مشهد الموت.. والتشييع.. والدفن.. وربما أيضاً أيام العزاء.. لأنها ساعة الرحيل:



«المرآة» محطة عاطسة لا تخدع..



المرآة توأم امرأة حساً، ولفظاً، وحضور



رفيقتها تقبع في كل زاوية



تزينُ كل جدار.. تعكس الشيء لتفهمه



شرخها جرح لا يندمل.. ولا يزول



لا تجاهل الوجوه.. ولا تمج دمامتها..



كل هذا صحيح.. لأن وظيفتها شفافة لا تخون النظر.. ولا الناظر.. بقي أن نعرف وجه الشبه بين المرآة والمرأة..



الظل غبش.. المرآة وضوح



الظل ظلمه.. المرآة نور..



لأن بريقها يغري العيون



مازلنا نبحث عن التوأم المرأة:



أضم بين كفي مرآة صغيرة



فتنبعث من بين أصابعي ألوان ضوئية



تمتد شواطئ لزوارق التأمل



أبحر بأحدها قاصدة قرص الشمس



يبدو أنها نسيت المرأة.. لم تأخذها معها..



«أمي» وامتدادات حناك» لا أكثر حناناً من أم لبناتها. ولا أكثر التصاقاً من بنات لأمهن.. إنهن الأكثر صدقاً وعمقاً في التصور..



مقاطع من قصيدتها.. وكلها جميلة تنبض أحاسيس ومشاعر ثرة..



حين تبتسمين تحرك تسائم الفرح سنابل. يفوح أريج



تنتصب التضحيات أبراجاً من مدن الوفاء.



تبث زوالي الحنان في امتدادات الزمان



يتطاول دفء أنفاسكِ أيكا



يقل عشا لعصفور من الصدر يظلل أحلامه



تتدلى عناقيد في حنان قربك. وتسيل أنهار وداد



هذا بعض ما قاله عن أمها.. وما قد يقوله شاعر أو شاعرة عن والديه، وقد أدركا قيمتها دون عقوق ولا حتى مجرد (أُف)



قالت آمنة عن أمها وكانت الأجنحة بصدق.. ترى ماذا ستقول هذه المرة عن وطنها..؟



يكتبون عن أوطانهم في حبور. وإنما أحمل سلال خبزي



املؤها بقوارير الحبر.. وآتي إليك



أماشي حواجسي بالكتابة عنك. منك. وفيك



وتواصل:



تتقازم الحروف في حضورك.. تحفز حقول الكلمات



تحت بذرتها على إنبات الثمار الشهية



وأن طفل يتهجي سطراً بقامتك..



وطني ما أبهى الانتماء إليك



نتجاوز سوياً مكرهين لا أبطالاً مجموعة من قصائد ديوانها واقفين في فرحة من «الحلم» ترى هل تحقق؟



هو حلم من ورود. وتوق من ضياء



أجريت له في الوريد الجداول



كيما يماوج في سيره كالبحور العميقة



شيدت لحلمها فلكاً من حصونها العتيقة.. ووشته بخيط من العطاء. ومع هذا الحفاظ عليه سار على سياج البُعد، وعلى غير المنتظر ليرتد فؤادها حسيراً وأسيراً يموج في خواء.. وتغدو بحلمها قطعة من عناء.. لا عليك يا شاعرتنا الأحلام كثيرة كلها ورد. وضياء.. ورواء.. متى جاءت الإراءات كبيرة قادرة على تذليل العقابيل والإخفاقات أمامها.. لنجرب..



«لهمسك أجواء تسكنني» هكذا تتحدث عن نفسها:



تغشى همسك ركود أيامي



يحيل عقارب الساعات فراشات ملونة



تخطر في دوائر حسابات الزمن



أشياء كبيرة الباقي منها أكبر:



جرت أنهار دمي تروي عروق دوارك



شعت برشاقة أحلام ترتب شعث الواقع



وتصدح مع كل حلم أغنية.



حتى الضلوع تسامقت في غابات صدرها أنببت نخلا.. غرست من أجله في كل ركن سنبله تسقيها بمزع من ماء الذكرى وسكر الوعود.. وأنبتت سبع توقعات لهيئة قدومه.. كل هذا أقدمت عليه.. أما هو فضغطه يبقيه على أنامل الرعشة منها كل تشتغل ظلمة المكان ضوءاً ساطعاً من بين كفيهما.. أشبه بلمسة طفل على مكبس نور.



هذا الحب وأدواته متواجدة في متحف التاريخ الذي لا يباع ولا يستعار لأنه خارج إرادة البشر.. أنه خيال مجاني لا يكلف شيئاً.



لشاعرتنا المتألقة آمنة آل عطية وقفة شعرية محمودة مع أطفال الحجارة تقول فيها:



صدرك جبهة.. ونبضك قنابل



والفضاء معركة..



وأنت تعدو فوق الرقاب الهالكة تحفزك الدعوات



وبسمة ثكلاك زوادة الطريق



تصبرها راحلة تقيك أشواكه



وينتهي بها المشهد الشعري:



لم تلتفت لشجبنا الموقوت الذي طالت خيبته وفاح نتنه



لم تعد تنتظر منا إلا مزيداً من انهزام وخور..



آه.. ياطفل الحجارة..!



كم أمقت عجزي الذي لا أملك معه إلا حروفاً أقدرها على وجه مرارتي



أودع دموعي صدر الوسادة. ثم أغفو.



ترافقني الأحلام بيوم العودة المنتظر



نعم بالحلم.. ثمب الحلم.. ثم بالعلم تتجد خلايا الحياة.. ويسري الدم في شرايينها. ودائماً الليل يعقبه فجر لمن يعشقون النهار..



«منام يتيم» مقطوعة يتم يعانقه حلم:



طفل يتيم، وفقير، يرى في منامه



قصر محاط بالقناديل..



تتمدد خضرة فنائه. يملؤه الخدم والحراس



ورجل يحلق بجناحين فوق القصر، يمد يديه:



تعالى يا بني اضمك بجناحي



قبل استكمال الصورة أشير إلى الشطر الثاني كلمة قصر «منصوبة بالألف» «قصرا» أما الطائر القابع خلف ضوع الطفل راح ينادي طيره «اقترب مني كي أتعلق بجناحيك» ويأتي الجواب:



امسك بجناحي. وطر بسرعة



ثم يعلو كثيراً فوق السحاب



مجرد حدودتة طفولية ضاربة في متاهات الخيال.. نستكملها للطرافة:



الطفل في منامه يحاول التحليق



لكن السحب تتلبد بينه وبين ذي الجناحين



يصحو الطفل أخيراً من نومه وهو يتمتم



«يا لفداحة اليتم»



أدرك الطفل حينها أن ردع والده هي التي كان تحلق وتدعوه كي تضمه إلى جناحها.. لحظتها تنفس الصعداء براءة.



شاعرة. تخاطب شاعرة.. يجمعهما نغم واحد.. وهمٌ واحد..



يا أيتها القوافي الشاردة دثريني



وامنحي كل عضو مني حصته



اسكبي صحو الثواني. سدي منافذ الخيمه



احضري المعاجم بين جدران نص فريد



ماذا تريد شاعرتنا من شاعرتها بالضبط؟ وبالتفاصيل؟..



حرري الفواصل من صمتها



علميها لغة التمرد



كي تفك قيود الحروف من معاصمها



وتفرض وجودها على رؤوس الصفحات



كي تجر حبال الكلمات الخرساء إلى شاطء البوح



تتوج القوافي ملوكاً على عروش الأدب..



هذا يكفي.. وزيادة.. ومع خطاب الشاعرة إلى شاعرة تأخذنا معها آمنة إلى سؤال مثير.. من أنت؟! مجموعة جمل قصيرة مليئة بالمعاني والتصور لا تحتاج إلى تعليق



1- أريد خلق كائنات شعرية تخلق مدناً آهلة بالتحليق..



2- احتضنت أناملي قلما تبعثرت الكلمات وكان نشيج السطور يعلو..



3- ظنت موهبتي جواز سفر. أبرزتها على الحدود فأخذت إلى المنفى..



4- قالوا من أنتِ أغادة أم سعاد؟ رفعت أشرعة قلمي وأبحرت..



5- سوَّر أحلامي بوعوده كسرت أساوري. فتحت نوافذي في وجه الريح. وطرت مع أول سحابة.



6- كائن ظلمه عصرنا المتطاير. حاربته وسائل الاتصال.. خنقته الشبكة العنكبوتية الشرسة. تركته يمضي بلا عودة إنه الحب..



ومن «غصة الخوف» هذه الكلمات الموحية بجمال العبارة والفكرة..



1- للقلم ما للبدر من حضور.. يناجي الكلمات حتى يرق فتنساب السطور في فمه. ثم يقلف أسفل الصفحة متأملاً.



2- ترشف الزهرة الندى. تصغي لهمس الغصون.. تمد عنقها للشمس.. فيهدئ الضوء لوعة الطرقات..



3- صافحها. تضوع غصن.. واستدار قمر..



4- قالت سلوت؟. صفت ملاحم أفكاري. وكان لرفضي أنين..



5- للخوف غصة كسلعة جمر تركض خلفهومضة أمان..



6- طغى حضوره في مدن الذاكرة هدفها. وعشت على الأنقاض..



7- حلمت به.. أصبحت حجرتي حقلا. تصدح الشمس في ركن منها..



أخيراً أقول لفارسة رحلتنا آمنة بنت محمد آل عطية كم أنت رائعة في نثرك المغني.. وفي خيالات قصصك الأسطورية الممتعة المشبعة بخيالاتها الضاربة في متاهات التأمل.. وقد أودعيتها أمانة في ديوانك «البحر يغرق».. لقد أبحرنا معك عبره دون أن نغرق أو نشرق.. انتزعنا منه لؤلؤ البحر.. وصدفاته.. كم هي ثمينة ورائعة وآمنة المخاطر...





الرياض ص.ب 231185 - الرمز 11321 - فاكس: 2053338
 

استراحة داخل صومعة الفكر
البحــــر يغــــرق
سعد البواردي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة