Wednesday  19/10/2011/2011 Issue 14265

الاربعاء 21 ذو القعدة 1432  العدد  14265

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

دوليات

      

كُتِبَ الكثير، وسيكتبُ التاريخ أكثر عن «الثورات العربية الحديثة» من تونس إلى مصر مروراً بليبيا وسوريا واليمن، وربما غيرها. والواضح أن الشارع العربي ينتظر أن يطول التغيير كل الأنظمة التي جارت على شعبها، أو طال بين القيادة والقاعدة الشعبية سوءُ الحال وسوء التعامل وصولاً إلى سوء النهايات. ومراقبة دقيقة للأحداث تثبت ذلك، على الرغم من صعوبات يعتبرها البعض «طبيعية جداً» في تغيير الأنظمة أو الانقلاب عليها لأسباب عديدة، أهمها:

ثبات الأنظمة في أماكنها منذ عقود وعدم وجود معارضة منظَّمة لها، في معظم إن لم يكن في كل البلدان التي جرى ويجري فيها تحركات شعبية، إضافة إلى أن التحركات السلمية قابلتها الأنظمة بالبطش بدلاً من الاستيعاب، وهذا ما أدى في نهاية المطاف إلى أن تكبر دائرة التحركات بدلاً من وأدها (تونس، مصر، سوريا..) أو إلى استعانة الثوار «بصديق» (كما حصل في ليبيا مع الجامعة العربية وحلف شمال الأطلسي). وفي حالة اليمن تبقى المبادرة الخليجية خشبة الخلاص لكل من الرئيس علي عبد الله صالح والمعارضة، إذا ما أرادا تجنيب البلاد حرباً حقيقية؛ نظراً لظروف اليمن الاجتماعية ووجود المتطرفين من القاعدة، إضافة إلى جماعة الحوثيين.

لكن أين وجدت الدبلوماسية مع الأنظمة المذكورة؟ وهل هي حقاً دبلوماسية أم تحركات تسبق «الموت المحتوم» لهذه الأنظمة؟

في كل ما رأينا للآن منذ انطلاق الثورات من تونس، تبدو الـ»لا دبلوماسية» العربية ظاهرة، وهي تتراوح بين قلة المرونة بين بعض الأنظمة العربية في التعامل مع الثورات الشعبية، ومع الحركات المطلبية المشار إليه، وصولاً إلى المواجهة بالرصاص والتعذيب والأَسْر وكل وسائل كسر التحركات.

وبحسب الدكتور سامي نادر، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اليسوعية، فمرد ذلك إلى:

1- الفارق الشاسع في العمر بين مَنْ يقوم بهذه الثورات (الشباب) والقابعين على كراسي الحكم، ليس الرئيس بالضرورة، بل مساعديه والجنرالات وغيرهم. ويعيدني نادر إلى ما كتبته مجلة «اكونوميست» البريطانية التي أصدرت مؤشر الثورات العربية باسم (shoes throwers index) (مؤشر رماة الأحذية) أو (arab unrest index) (مؤشر الإضرابات العربية). ويرى نادر أن صراع الأجيال هذا دليل على انقطاع الحوار بل لغة التخاطب بين من يحكُم ومن يُحكَم. وينعكس غياب الحوار في صورة قلة مرونة بل تصلباً من قبل الفئة الحاكمة.

2- العنصر الثاني يرتبط بمنطق «الحزب الواحد» بل «الفريق الواحد» وأحياناً «العائلة الحاكمة». فالحديث عن الحزب الواحد أثبتت الأيام والأحداث أنه غير دقيق، وأن لا وجود في الواقع لمنطق «الحزب» بما يعني ذلك من مؤسسات وعقيدة وآليات صنع قرار. والواقع أن هذه البلدان محكومة من قِبل فريق يدور حول العائلة الحاكمة (الرئيس، وأشقاؤه، وأبناؤه، وأبناء عمومته، ومصاهروه.. وهكذا) وهذا ما يعرف بالـ nepotism (محاباة الأقارب).

ومبدأ الحكم هذا قائم على النفعية، وهو مناقض لمبدأ الدولة؛ حيث أفراد الشعب فيها مواطنون. لكن من وجهة نظر العائلة الحاكمة فإن الشعب ليس سوى رعاع، يتم التعامل معهم على هذا الأساس: منطق يقوم على الفوقية والاستعلاء. وهذا سبب آخر لغياب «الدبلوماسية» الحقيقية والحوار بين الحاكم والقاعدة الشعبية.

3- العنصر الثالث أن سائر الحكام المخلوعين هم من أهل العسكر أو الجنرالات، وصلوا إلى الحكم من صفوف الجيش. ومعروف عن هذه المؤسسات أنها لا تعتمد على الدبلوماسية بل منطق الانصياع والقوة. والأسوأ من ذلك هنا أن منهم من ورث كرسي الجنرال الحاكم من والده، أو أنه كان يعمل على توريثه لابنه!

4- وهنا يمكن أن يفسر الفرق في التعامل مع التحركات الشعبية بين تونس ومصر وليبيا وسوريا من جهة، وما جرى في الأردن والمغرب والبحرين من جهة ثانية؛ حيث عملت هذه الممالك على تعديل مواد في الدستور تلبي بعض مطالب الشعب في محاولة لاستيعاب المطالب المحقة.

وفي الحديث عن الدبلوماسية يتبادر إلى أذهاننا تالياً حركة السفراء في الخارج، وأخص بالذكر هنا ممثلي البلدان العربية في الأمم المتحدة. وبحسب مصادر دبلوماسية عربية مقيمة في نيويورك فإن معظم سفراء الدول التي تساقط حكامها أو تجري فيها ثورات مستمرة معزولون تماماً داخل أروقة الأمم المتحدة.

في الحالة الليبية، مثلاً، لم يبذل المندوب الليبي (السابق) لدى المنظمة الدولية الكثير من الجهد في الدفاع عن نظام معمر القذافي. فعبد الرحمن شلقم الذي جاء للمنظمة الدولية منذ فترة قصيرة نسبياً كان يحمل في داخله بذرة الثأر من نظام القذافي منذ أن أطاح به العقيد من على رأس وزارة الخارجية التي أمضى فيها أعواماً عدة وزيراً للخارجية.

بعض المصادر في الأمم المتحدة تتناول همساً علاقة من نوع خاص نسجها الأمريكيون مع المندوب الليبي، حينما مكث في نيويورك لأكثر من أسبوع ضمن وفد وزراء الخارجية العرب الذي حضر إلى الأمم المتحدة أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة، وكان حينها شلقم وزيراً قوياً للخارجية الليبية.

وتؤكد مصادر في المنظمة الدولية أن معظم سفراء الدول العربية التي تشهد «ثورات الربيع العربي» لا يملكون الكثير من العلاقات المؤثرة مع مندوبي الدول الفاعلة في المنظمة الدولية، وأن حضورهم في الغالب لا يتجاوز حدود الحضور الإعلامي، أو الاستعراضي.

ويلاحظ المقيم في نيويورك أن هؤلاء السفراء يركزون كثيراً على الظهور الإعلامي، وخصوصاً في الإعلام العربي؛ لأنهم حريصون على إيصال رسائلهم إلى الأنظمة الحاكمة ودوائر صنع القرار فيها؛ لضمان ديمومة بقائهم على رأس عملهم، وغالباً ما يهملون باقي المنافذ الإعلامية تجاه الغرب؛ لأنهم في الحقيقية غير مؤهلين على الإطلاق لإيصال أفكارهم وطموحات شعوبهم؛ نظراً لضحالة الثقافة، أو عدم معرفة الوصول إلى الآخر نظراً للفارق الثقافي والاجتماعي. أضف إلى ذلك خوفهم من الوقوع في أخطاء ربما تطيح بهم؛ لذلك فإنهم يؤثرون السلامة على أن يناقشوا أو يدافعوا عن أنظمة لا يهمهم سوى رضاها ورضا جهازها الأمني على وجه الخصوص.

إعلامي لبناني

 

الثورات العربية الحديثة: أنظمة غير دبلوماسية.. وهوة هائلة بين الشعب والحاكم
منير الحافي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة