Wednesday  19/10/2011/2011 Issue 14265

الاربعاء 21 ذو القعدة 1432  العدد  14265

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

عزيزتـي الجزيرة

 

لكي يكون نقاشنا علمياً جاداً.. البجادي رداً على د. السالم:
سأبيِّن رأيي فيما كتبت دون أن أنقاد إلى الحديث عن أشخاصنا

رجوع

 

لا شك أن النقاش العلمي البحت ظاهرة حيوية، به يزول كثير من الحشو، وتنكشف حقائق الكنايات والمجازات، ولهذا فإن ما كتبه الدكتور حمزة السالم تعليقا على مقالاتي في جريان الربا في الأوراق النقدية - بعنوان «البجادي وإحياء الفقه» - لا بد أنه سيكون لبنة في بناء نظرة متكاملة، وإن كنت أرجو أن لا يصبغ النقاش بشيء من ذواتنا، لأن ذواتنا لا تهم القارئ، وسأبين رأيي فيما كتب في هذا المقال دون أن انقاد إلى ما يجرني إليه من الحديث عن أشخاصنا، إلا ما تعلق بفائدة علمية، وسأجعل حديثي في نقاط:

الأولى: أن العلة التي يطلبها الدكتور في الذهب والفضة قد بينتها فيما سبق وفي الاتصالات الهاتفية، وهي أنها مستودع لأموال الناس، ووسيلة تبادل عامة - أي: لدى الصغير والكبير - وهذا هو معنى الثمنية، وأما الفرق بين ما ثمنيته بأصل الخلقة، وما ثمنيته طارئة؛ فهو فرق غير مؤثر، لأن العبرة بالمعاني.

الثانية: أن ما يذكره من التمثيل بالحرير الطبيعي والحرير الصناعي قد أرسله إلي بالإيميل، وأجبت عنه بالجواب التالي: « إني سألتك (يا دكتور حمزة) في التليفون: هل تحريم الربا كان لمصلحة، أو لأمر تعبدي محض ؟ فأجبت: بأنه كان لمصلحة، وهي دفع الظلم، وهذه الحكمة لا تتخلف، فإن الظلم واقع بالربا قطعا، ولهذا لا يعفى عنه مهما كانت الحال، فهل هذه الحكمة هي نفسها الحكمة من تحريم لبس الرجال للذهب؟ لا بد أن يكون جوبك بالنفي، لأن المسألة هنا من طرف واحد، فلا مجال للظلم، بل الحكمة ظنية المورد، بمعنى أنها حكمة يراعى فيها بعض الأحوال، لا جميعها، سواء قلنا: الحكمة البعد عن كسر قلوب الفقراء، أو قلنا: هي مفارقة تأنث الرجال، فإن الغالب عند الناس في جميع الشعوب، وعلى مر الأزمان أن الذهب لباس المرأة، وما خالف ذلك فقليل، فأراد الشارع ترك مشابهة الرجال للنساء، وأن يتميز الرجال بالقوة والاستقلال عن مكملات الشخصية، فإن النساء تكمل بالذهب، كما قال الله تعالى: (أومن ينشأ في الحلية).

والحاصل: أن الحكمة من تحريم الربا قطعية المورد، ولهذا لا يعفى عن الربا بحال، وأما الحكمة من تحريم الذهب والحرير على الرجال ؛ فظنية المورد، ولهذا يعفى لمن جدع أنفه أن يستبدل به أنفا من ذهب، ولمن به جرب أن يلبس الحرير، ولا يصح استصحاب هذه الحكمة في غير المنقول، لأنها ظنية المورد، بخلاف ما كان قطعي المورد، ولعلنا نلقي نظرة على مثال بسيط، فإني لن أتحدث عن البنوك، وتمويلاتها الكبيرة، وإنما أتحدث عن رجل أعطى رجلا عشرة دنانير من الذهب، على أن يردها له بعد سنة اثني عشر دينارا، فإننا نتفق على أن هذا محرم، وعلى أن فيه ظلما، ونختلف في العلة، فلو أعطاه ألف ريال، على أن يردها له بعد سنة ألفا ومائتين ؛ فإننا نتفق على أن الظلم الواقع في الصورة الأولى واقع في هذه الصورة، وهذا هو معنى قطعية المورد، ولا بد إذن أن نبحث عن علة الحكم في الصورتين، فإما أن نقول: إن الصورتين تشتركان في التحريم، وتشتركان في العلة، والجامع بينهما وجود التفاضل فيما هو مخزن الأموال لدى عامة الناس، وإما أن نقول: تشترك الصورتان في التحريم، وتختلفان في العلة، فعلة الأولى كون المال ذهبا، وعلة الثانية الظلم (أي: أن فيها ربا القرض)، وعلى ذلك فالتحريم في الأولى لأجل الربا (ربا البيع)، والتحريم في الثانية لغيره (وإنما لأجل ربا القرض)، وإما أن نقول: الصورة الأولى محرمة مُوَافَقَةً للنص (أي: حديث الأصناف)، والصورة الثانية جائزة مع أن فيها ظلما (وهو ربا القرض)، لأن التحريم في مثل ذلك خاص بالذهب والفضة، وهذا لا يقره أحد، فمن سلم بفساد هذا الاحتمال الثالث، فلا يخرج عن الاحتمالين الأول والثاني، ويكفيني هذا، لأن الغرض عندي دفع الظلم، سواء كان باسم الربا، أو باسم دفع الظلم (أي: باسم ربا القرض) «.

الثالثة: أن التمثيل بالرق لا معنى له ؛ لأن الرق مربوط بسبب، فلا يصح إلا به.

الرابعة: أن نسبة قصر علة ربا النقدين إلى كبار العلماء ليس فيها تحقيق، وقد فصلت هذا في مقالات سابقة بنصوص الأئمة، فلا معنى للت والعجن في هذا، ما لم يكن هناك ما يبطل ذلك التحقيق.

الخامسة: أن الدكتور نفى موافقته للظاهرية، ولم يذكر الفرق بين قوله وقولهم، وهذا لا يكفي، وأما تشبيه قول الظاهرية بقول الأشعرية فلم أكن أرجو أن يفسره الدكتور بالترهيب.

السادسة: أن من لم يفهم كلام أهل المذاهب خبط خبط عشواء في فهم ما ينسب إلى الأئمة وما ينسب إلى مذاهبهم، فالتجهيل متجه إلى كل من لم يفهم كلام العلماء، وهذا واضح مما كتب سلفا، وقد أوضحت هذا للدكتور في الهاتف، فلعله نسي، ولولا أني وعدت القارئ أن لا أجعل الحديث عن الذوات لأثبت له بالدليل أن التجهيل ليس متجها إلى أحد من علماء السلف، ولا إلى مخالف لي، لأني أتكلم عن مسألة في أصول المذاهب.

السابعة: أن ما تفضل به الدكتور من أن التعليل بالثمنية يستلزم خروج الفضة من الأموال الربوية ؛ قد أجبته عنه في الإيميل بقول يعم الذهب والفضة، وهو هنا يريد الحديث عن الفضة خاصة لانطفاء سوقها في هذا الزمن، وأنا الآن أسوق جوابي له بعد إخراج الذهب من الحديث، فأقول: « إننا متفقان على أن الورق النقدي موغل في الثمنية، وعلى أن الفضة موغلة في الثمنية، مع أن ثمنية الأول طارئة، وثمنية الآخر خالدة، فهذا القدر المشترك من الثمنية هو علة الربا، ووجه الخلاف معك أنك فهمت من قولي أن الثمنية ما كان سكة مضروبة متداولة فقط، وعلى هذا الأساس تريد إلزامي بأن الفضة مجردة من هذا الوصف في هذا الزمن، وهذا غير لازم لقولي ؛ لأني أرى أن الثمنية نوعان: ثمنية عينية، وثمنية غالبة، وقد كان الوصفان في العصر الأول مجتمعين في الدراهم - وهي من فضة - وقد كان الحكم مقرونا بإحدى الثمنيتين، فالسبائك والحلي ؛ يجري فيهما الربا، مع أنه ليس فيهما إلا وصف الثمنية العينية، إذ لم يكونا وسيلة للتبادل آنذاك، والدراهم يجري فيها الربا، مع أنها خرجت من الاستعمال، وتمحضت للتبادل التجاري، وهو كونها أثمانا تقدر بها السلع، وعلى ذلك فهل كانت الفضة الملبوسة أو المسبوكة - مثلا - في يوم من الأيام عملة رائجة ؟ لا شك أنها لم تكن كذلك، ومع ذلك كان يجري فيه الربا، فالذي زال في عصرنا هذا ثمنية الدراهم، وهي التسعيرية، وأما ثمنيتها العينية فباقية، فلو صيغت سبائك أو حليا لعادت إليها ثمنيتها، وأنت يا دكتور توافق على أن الفضة مستودع للثروة على مدى الأزمان، لكن لا تسمي هذا الاستيداع ثمنية عينية، ولا مشاحة في الاصطلاح، فالفضة ثمنية أبدا، وهذا موافق للنص، وإنما نقلت موافقته هنا لأنه أرسل إلي جوابا هذا نصه: «فالنقدان مستودعان للثروة على مدى الأجيال»، وأما نقل موافقته لي في إيغال الورق النقدي في الثمنية، فلأنه أرسل إلي جوابا، هذا نصه: «والأوراق النقدية أثمان موغلة في الثمنية المطلقة، وليس لها مثيل في التاريخ، فهي لا قيمة لها مطلقا في ذاتها، ولا تطلب لذاتها مطلقا، وبهذا هي أشد ثمنية من الذهب والفضة».

الثامنة: أن ما ذكره الدكتور من تمثيل بالشمس يريد به أن التعليل بالثمنية في النقدين تعليل بوصف غير مناسب - كما يقول الأصوليون - وقد جعلها علة ظنية في مقابل النص، مع أنه لا نص يقابلها، فإن المقابلة هي المعارضة، وإني لأعجب - وأنتظر من سعادة الدكتور ما يزيل العجب - كيف يمنع مناسبة العلة هنا مع أنه أقر بأن الأوراق النقدية موغلة في الثمنية كما أن الذهب والفضة موغلان في الثمنية، وأن أظهر وصف للذهب والفضة أنهما أثمان؟

التاسعة: ما أشار إليه الدكتور من أن بيع البيضة بالبيضتين آجلا ربا عندي ؛ لم يكن فيه دقيقا ؛ فأنا قررت أن إقراض كل مثلي بشرط الزيادة يعد من ربا القروض بإجماع العلماء، فمن أقرضك بيضة إلى حين، واشترط بيضتين فقد وقع في القرض الربوي المحرم بإجماع العلماء، وأما أن الدكتور يحكيه بصيغة البيع ليتمكن من إلزامي بعبثية حديث الأصناف فهذا راجع إليه، وعفا الله عنه، وقد جرى بيني وبينه في هذا مكالمة هاتفية مطولة كتبتها، وبينت له فيها أن حديث الأصناف يتناول ربا البيوع، دون ربا القروض، وسأذكرها في مقال لاحق إن شاء الله، وقد عهدت الدكتور في كثير من مقالاته يلوم من لم يفرق بين ربا القروض وربا البيوع.

العاشرة: ما ذكرته له في إقراض البيضة بالبيضتين ليس مخالفا لما عليه الفتوى عندنا كما يذكر الدكتور، بل هو إجماع من العلماء، وأما أني استدل بالحكمة على التحريم فهذا غير صحيح ؛ وإنما قلت له: إن الريال بالريالين إلى أجل من ربا البيوع عند من يجعل علة النقدين الثمنية، ومن ربا القروض عند من يأخذ بقولك، وأما الحكمة فقد أوردتها لبيان أن الثمنية هي علة النقدين، وهي موجودة في الأوراق النقدية، وفي كل قرض مثلي مع زيادة.

الحادية عشرة: أن مسألة مبادلة البيضة بجملين لأجل ؛ قد فرق كثير من العلماء فيها بين القرض والبيع، فيحرم الأول، ويجوز الثاني، مع أن حقيقة القرض لا توجد فيها إطلاقا، لأنها بيع في جميع الأحوال ؛ فإنها بمجرد تصريح أحد المتبايعين بتغيير المردود بغير مماثل للمخرج خرج عن معنى القرض إلى معنى البيع بأجل، وليس المبيعان هنا ربويين حتى يحرم التفاضل والنسأ، وكون الدكتور يهول المسألة فيجعلها بيضة بجملين قد أتى بمحال ؛ إذ ليس في الكون عاقل يبيع جملين ببيضة، ولو أخذنا بهذا الباب، لقلنا: إن العلماء أجازوا لمالك دار أن يبيعها بدرهم، إذا كان تام التصرف، فهل في هذا ظلم ؟ ومسألتنا هذه موضع خلاف بين العلماء قديما وحديثا، فإن من المعاصرين من لا يرى القرض صحيحا في غير المثليات، وهذا قول له اعتباره، بل هو الذي يتلاءم مع معنى القرض، فإن أراد الدكتور أن هذا مخالف لما عليه الفتوى ؛ فالفتوى في هذا مختلفة، لأن الخلاف في هذا خلاف معتبر.

الثانية عشرة: أني استجبت للدكتور حمزة في نقاشات على الهاتف كانت تأخذ أوقاتا طويلة ؛ لأني لمست منه حرصا على طلب الصواب، وهذا ظاهر من لحن قوله، ولكن صوغه لكلامي في مقاله هذا لم يكن دقيقا ؛ وهذا يجعلني أكتفي في نقاشه بما يكتب في الجريدة.

ونسأل الله أن يجعل فيما نكتب ونقول خيرا، وأتوجه بالشكر الجزيل إلى رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك على دعمه وموافقته على بسط النقاش على صحيفة الجزيرة.

عبدالعزيز بن أحمد البجادي

bejady@yahoo.com
 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة