Thursday  20/10/2011/2011 Issue 14266

الخميس 22 ذو القعدة 1432  العدد  14266

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الاقتصادية

      

في إطار عمليات التحديث والتطوير التي تتم حاليا في مختلف مرافقنا العدلية نتمنى أن يفرد بعض الجهد لنشر ثقافة التحكيم في المنازعات وسط المجتمع وبخاصة بين رجال الأعمال والمستثمرين الشباب، فالتحكيم أصبح ضرورة للإسراع في البت بالمنازعات والحد من الخسائر التي توقعها الخلافات بين المتنازعين، خاصة فيما يتصل بالعلاقات التجارية، حيث يكون للوقت أهميته القصوى.

التحكيم يخفف العبء عن القضاء الذي ينوء بالقضايا الخلافية بين الناس، ويضفي على المحاكم الكثير من الحيوية والرشاقة، ليجعلها تتفرغ بشكل أكثر فعالية للقضايا الأخرى التي يعجز التحكيم عن المساهمة فيها، والقانونيين من قضاة ومحامين يعرفون بشكل دقيق أن التحكيم في التجارة الدولية أصبح هو القاعدة فلا استثمارات أجنبية من غير تحكيم، وهذا يعني أن التحكيم يلعب دوراً اقتصادياً وليس قانونياً فحسب، فوجوده ومعرفة الأطراف به، تجعل الاستثمارات الأجنبية تعمل بشيء من الاطمئنان والثقة في أي دولة تنشط فيها، وليس السبب في ذلك عدم الركون للقضاء العادي لكن لأن المستثمر الأجنبي، نشأ وتعامل مع نظام قانوني معين في بلده، فلا يريد أن يخضع لنظام قانوني آخر، وطبعا معروف أن الأنظمة القانونية في العالم مختلفة بشكل عام، إضافة إلى ذلك فإن طبيعة العمل الاستثماري والتجاري تحتاج للسرعة والحسم، والتحكيم يخدمها بشكل كبير في هذا الجانب، ولذلك تجد المستثمر الأجنبي حريصاً على النص على التحكيم في أي تعامل تجاري.

والتحكيم ليس من الممارسات المستحدثة ولا هو بالجديد في بيئة الجزيرة العربية تحديداً، فقد عرفه العرب والمسلمين من زمان بعيد، وكتب التاريخ تحفظ لنا كيف كان يمارس في الحياة الاجتماعية بشكل عام سواء في الأعمال التجارية اليومية أو حتى في شؤون الأسرة والخلافات التي تنشأ داخلها، فعندما تستعصي المشكلات بين الزوجة والزوج على سبيل المثال، أمرنا الإسلام بأن نتخذ محكمين من كلا الطرفين لإعادة السفينة إلى مجراها.. هذا التوجيه القرآني التفتت إليه الشرائع الغربية في القرن المنصرم، وإن كانت لم تهتم به في الإطار الاجتماعي إلا أنها استفادت من ميزات التحكيم العديدة في المنازعات التجارية التي تحتاج إلى الحسم السريع حتى لا تتأخر مصالح الأطراف المتخاصمة. ومع طوفان العولمة وظهور الشركات عابرة القومية ودخول المستثمرين العرب في استثمارات عالمية، تنبهوا أخيرا إلى أهمية التحكيم وبدؤوا يطالبون به وأبدوا حماساً كبيراً تجاهه ربما بشكل أكبر من القانونيين، وهذا يرجع لكونهم الطرف الأكثر ربحاً أو خسارة من اعتماد التحكيم أو تجاهله. فبات التحكيم شرطاً في معظم العقود، تحسباً لأي نزاع قد ينشأ في المستقبل من العقد التجاري.

لكن وإن كان المستثمرين ورجال المال على تفهم بالتحكيم وأهميته، فإن المواطن العادي وكثيراً من صغار المستثمرين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة ما يزالون بعيدي الصلة عن التحكيم ومزاياه وربما لم يسمع به بعضهم برغم أهميته في حفظ حقوقهم وتنمية ثقتهم في التعاملات التجارية التي يدخلون فيها، ولذا من الأهمية بمكان الشروع في خطة إعلامية قانونية محكمة لنشر ثقافة التحكيم في المجتمع، والناس كما يقول المثل الشعبي البليغ (أعداء لما جهلوا)، وإذا تعرف المواطنون على ما يوفره لهم التحكيم من فوائد، اتجهوا إليهم بكلياتهم، ولم يزحموا القضاء بالمنازعات التي يمكن حلها بشكل يرضي الجميع عن طريق التحكيم، ويجدر التنبيه هنا إلى أن اللجوء للتحكيم يوصل غالباً إلى الصلح أو الحل الوسطي بينما اللجوء إلى القضاء يوصل إلى الحكم، وأن الشخصيات التي تنهض بعمل التحكيم يتم اختيارها من الأطراف المتنازعة، أو يمكنهم اللجوء لمراكز التحكيم الموجودة في شكل مؤسسات معتمدة ومستقرة سواء دولياً أو محلياً.

محام ومستشار قانوني

abdullah@alfallaj.com
 

ثقافة التحكيم
التحكيم.. الثقافة الغائبة
عبدالله عبدالعزيز الفلاج

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة