Friday 21/10/2011/2011 Issue 14267

 14267 الجمعة 23 ذو القعدة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لعل الحصيف الكيِّس يرسم لوحة المستقبل بتأمله في صورة الماضي، صورته الجميلة الباهية، أو القبيحة الباهتة، أو يكون استقراؤه خليطا بين لوحة الماضي، وما أنتجه حاضره من فنون شتى في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وغيرها من أصناف المعارف والفنون، وأحياناً يكون فردا واحدا من الماضي أو الحاضر أنموذجاً لعصره، أو نادرة من نوادره، لكنه يظل رقماً مميزاً في تاريخ مليء بالأفراد والأحداث التي أراد الله حدوثها من خلال الطبيعة أو البشر، والنماذج في ذلك كثيرة، ومن الأندلس أفذاذ مثل عبدالرحمن الداخل، وعبدالرحمن الناصر، وابن زيدون وابن حزم، وابن شهيد، وغيرهم كثير.

ولسان الدين ابن الخطيب الغرناطي الأندلسي من أولئك الذين لم تمر صفحاتهم دون تسجيل، فقد سجل للتاريخ، والشعر، والنثر والطب والتوشيح، والسياسة والعلوم التجريبية، والعلم الشرعي، والتصوف.

وقد كتب شعراً ونثراً عند توقفه في محطات كثيرة من حياته المليئة بالأحداث السياسية، والعلمية، وسيطرته على حاكم غرناطة، ومن ثم سطوة الحاكم عليه وقتله، بعد تكالب تلاميذه وأعوانه عليه من منطلق المنافسة فحسب.

ما يهمنا من ابن الخطيب في هذه العجالة هي تلك السوانح التي تسنح له بين الفينة والأخرى ليقول شعراً جميلاً، وهو الوقور البعيد عن مراتب اللهو إلا اللمم، سامحه الله وعفا عنه، وعفا عنا معه، ومن جميل قوله قصيدة قالها رداً على وزير سلطان بني مرين ابن مرزوق، فقال:

راحت تذكرني كؤوس الراح

والقرب يخفض للجنوح جناح

وسرت تدل على القبول كأنما

دل النسيم على انبلاج صباح

حسناء لقد غنيت بحسن صفاتها

عن دملج وقلادة ووشاح

ومن ذلك الشعر الجميل كنوزكثيرة في أغراض شتى، فلم يخل شعره من غرض من الأغراض، وليست هناك فروق كثيرة في جودة الشعر عند إصابته لغرض من تلك الأغراض، ربما لصدقه في لحظة قوله الشعر، وكذلك لملكته الشعرية.

ولعل موشحته المشهورة، التي تتناقلها الألسن في الحاضر، وتناقلتها في الماضي، شاهد على قدرة تلك الشخصية المميزة والتي قال في أبيات منها:

جادك الغيث إذا الغيث همى

يا زمان الوصل بالأندلس

لم يكن وصلك الا حلماً

في الكرى أو خلسة المختلس

ويستطرد في شعره ليرسم تلك اللوحة الجميلة للطبيعة الخلابة التي اعتاد أن يراها في غرناطة الأندلسية وما حولها من المدن المترامية على سفوح الجبال وعلى مقربة من الوديان، فيقول:

والحيا قد جلل الروض سنا

فثغور الزهر فيه تبسم

وروى النعمان عن ماء السما

كيف يروي مالك عن أنس

فكساه الحسن ثوباً معلما

يزدهي منه بأبهى ملبس

إلى أن قال في ذلك الزمن الذي مر سريعاً كلمح البصر، بيتا من الشعر يردده الكثير من الناس:

وطرما فيه من عيب سوى

أنه مر كلمح البصر

وفي رواية أنه أورد زمناً ولم يقل وطراً وأياً كان الأمر، فقد رسم لوحة جميلة لأولئك الذي استمتعوا ببضعة أيام في نعيم وسعادة، واستطرد فقال:

حين لذ الأنس شيئاً أوكما

هجم الصبح هجوم الحرس

غارت الشهب بنا وربما

أثرت فينا عيون النرجس

أي شيء لأمري قد خلصا

فيكون الروض قد مكن فيه

تنهب الأزهار منه القرصا

أمنت من مكره ما تتقيه

فإذا الماء تناجى والحصى

وخلا كل خليل وأخيه

نتمنى أن يناجي الماء الحصى في سائر أنحاء المملكة، ولاسيما أن موسم الأمطار قد حان، والشوق إلى محياه قد بان، وليس ذلك على الله بعزيز.

وأقول: لم يكن عصر ابن الخطيب عصراً ذهبياً في الأندلس، لكن عصور الاضطراب تقدم أحيانا نماذج فريدة من المبدعين في ميادين متعددة، فكثير من المخترعات والإبداعات تمت اثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكذلك نبغ ممن ساهموا في الطب مثل ابن سينا والفارابي وغيرهما في أوضاع غير مستقرة، وعالمنا العربي اليوم يعج بالكثير من الاضطرابات، ونحن في انتظار بزوغ نجم إبداعي في مجال من المجالات، لعله يقلل من ألم تلك المناظر المحزنة.

 

نوازع
ننتظر ابن خطيب الجديد
د.محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة