Friday 21/10/2011/2011 Issue 14267

 14267 الجمعة 23 ذو القعدة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تتعدد الشهور والأيام، على مدار السنين، والحج وأيامه وشهوره ثابتة، يتجمع الناس سنويا ولا يتغير الهدف، ولا تتبدل المطالب التي يرجوها الحاج، من الله جل وعلا، وهو المغفرة والرحمة، وأن يعود من حجه بذنب مغفور، وحج مبرور، وتجارة لن تبور،

والأهلّة تحدد مواعيد الحج كما أخبر صلى الله عليه وسلم: باستدارة الزمان: إن المؤتمر لا بد أن تحدد أيامه وأعماله ثم نتائجه، فعن تحديد الأيام فقد قال الله سبحانه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} (البقرة: 197)، وليست ملزمة لكل أحد وإنما لمن سعى في سفره المستعد له، قاصداً الحج، تلك الشعيرة التي فرضها الله على المستطيعين، تنفيذ ذلك الركن حيث جاء الأمر للعازِم على الحج بقيود لا بد من التزامها، كشيء لازم من آداب الحج {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (البقرة: 197)، وأولوا الألباب هم أهل العقول المدركة الفاهمة التي يتأسى بهم غيرهم، ممن يقصر علمهم عن إدراك ما يكتمل به حجهم، فلذلك أمروا بالسؤال والاسترشاد: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (سورة النحل: 43).

والسؤال هذا عام في كل وقت فقد ورد مرة أخرى في سورة الأنبياء آية (7)، وهذا من باب تأكيد أهمية السؤال في الحج، لأن أكثر أعماله تطبيقية، قد روي أن بعضها خَفِيت على بعض العلماء، الذين شرحوها للناس، وقعدوها، فنبههم لصحة الأمر أناس من أهل الحرم، ليسوا بفقهاء، وذلك عند التطبيق.

وعلماء اللغة والبلاغة يقولون: تأكيد المبنى - أي مبنى الجملة في السؤال، أو تكرارها- زيادة في تمكين المعنى، حتى يرسخ عند الراغب في الفائدة، وقد عيب على من لم يسأل، وقالوا إنما آفة العي السؤال.

فقد حث بعض العلماء على الصدقات وأعمال البر في الحج لما فيه من الأجر، وهذا قد اعتبروه من التزود الذي هو من التقوى، إذ يروى عن سفيان الثوري رحمه الله، أنه إذا عزم على الحج، جاء الناس ليكونوا في رفقته أولا من أجل عِلمِه وورعِهِ، وأخلاقه وسعة ما أفاء الله عليه في تجارته.

فكان يأمر كاتبه بأن يأخذ من كل واحد، نفقته التي أعدها للحج، ويضعها في كيس مُغلق ومكتوب عليه اسم صاحبه، وينفق عليهم من مسيرتهم حتى يصلوا المدينة المنورة، ثم مكة المكرمة بأجود المآكل وبعد قضاء الحج، يسأل كل واحد عما يريد شراءه لأهله وولده من هدايا الحج، وفي العودة عندما يصلون بغداد يستوضح من كل فرد عما يرغب شراءه، قبل سفرهم لأهلهم بخراسان، فيأمر رجاله بشراء كل ذلك، وكل واحد مرسوم اسمه على حوائجه، وعند وصولهم لبلاده، يقيم لهم وليمة كبيرة، ويتحدث فيهم، ويهنئهم بالحج ويرجو من الله القبول.. ويحمده على تسهيل الأمور، ثم يأمر بإخراج ما رغبوا فيه من الهدايا التي رغبوها، فتعطى لهم حسب الأسماء، ثم يأمر بصندوق الأمانات الذي فيه نفقات حجهم، وإذا فتحه كل واحد منهم، إذا هو كامل على هيئته قبل السفر للحج، مضافاً إليه ما رغب من هدايا لأهله وولده، وهو رحمه الله وأمثاله من علماء الإسلام يهتمون بمثل هذه النفقة الموسعة في الحج، لما في ذلك من الأجر، فكان بذلك الحج ونفقاته من القربات لله، وهي من العلماء حتى يقتدى بهم، نموذجاً حسناً.

إذْ من فوائد هذا التجمع الإسلامي، في مؤتمرهم العام، الذي يفهمون منافعه من النصوص الشرعية، وبأسوتهم من رجال العلم، وأهل التقوى والزهد، وأعمالهم الكثيرة، المرصودة في سيرهم، على أن أعمالهم هذه في سبيل الله.

فقد ألف الله بين قلوب هذه الجموع الغفيرة التي تقدر كل عام بالملايين، جاؤوا مستجيبين.

ومن دلالة هذه الآية الكريم: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} (التوبة: 36).

فقد أخرج البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود وابن المنذر وغيرهم في شُعب الإيمان عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته فقال: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا: منها أربعة حرم ثلاثة متواليات، رجب مضر بين جمادى وشعبان». والمتواليات هي: أشهر الحج.. حتى يستأمِن الناس، على أموالهم وأنفسهم ويؤدوا مناسكهم حتى أن الرجل يرى قاتل أبيه أو أخيه أو قريبه فلا يتعرض له ليأخذ بثأره حتى تنتهي الأشهر الحرم.. وكان هذا في الجاهلية وقبل الإسلام.

وأكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحرمة بقوله الكريم، كما أخرجه الإمام أحمد وابن مردويه والباوردي عن أبي حمزة الرقاشي عن عمه وكان له صحبه، قال: كنت آخذاً بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق بمنى -مكة- أذُودُ الناس عنه صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أيها الناس هل تدرون في أي شهر أنتم؟ وفي أي يوم أنتم؟ وفي أي بلد أنتم؟».

وهذا منه صلى الله الله عليه وسلم: استفهامات تقريرية، للتنبيه وشد أذهانهم في هذا المؤتمر السنوي، وفي مشعر من مشاعر الحج، والمبلغ فيه نبي الله عليه الصلاة والسلام فلا بد أن تُرهق الأسماع، وتشتد الأذهان استعداداً للتلقي ومن ثم الوعي لما يُقال.. فقال في الفائدة التي يجب حفظها ومن ثم تبليغها عنه صلى الله عليه وسلم.

«فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه، ثم قال عليه الصلاة والسلام: اسمعوا مني تعيشوا، ألا لا تتظالموا، ألا لا تتظالموا، ألا أنه لا يحل مال امرئ، إلا بطيب نفس منه، ألا إن كل دم ومال ومأثرة، كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة، وإن أول دم يوضع، دم ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب، كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل، ألا وإن كل ما كان في الجاهلية موضوع، وإن الله قضى أن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبدالمطلب لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون».

نصائح وقواعد في هذا المؤتمر من رسول الله صلى الله وسلم لأمته قواعدها ثابتة إلى الأبد.. ثم قال: ألا إن الزمان قد استدار كهيئته، يوم خلق الله السموات والأرض، ألا وإن عدة الشهور، عند الله اثنا عشر شهرا، في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حُرم ذلك الدين القيم، فلا تظلموا فيهن أنفسكم، ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا إن الشيطان قد آيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكنه في التحريش بينهم، واتقوا الله في النساء، فإنهن عوانٍ لا يملكن لأنفسهم شيئاً، وإن لهن عليكم حقاً، ولكم عليهن حقا أن لا يوطئن فرشكم أحداً غيركم، ولا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه، فإن خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح -يعني خفيفاً- ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف وإنما أخذتموهن بأمانه الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ألا وإن من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها.

وبسط يديه وقال: اللهم قد بلغت، ألا هلْ بلغت، ثم ليبلغ الشاهد الغائب، فإنه رب مبلغ أسعد من سامع (تفسير الدر المنثور للسيوطي ج4 ص183 - 184).

وبيّن في موطن آخر دلالة الآية في تحريم النسيء {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ} (التوبة: 37)، قال ابن كثير في تفسيره كانت العرب يحلون عاما شهراً - يعمله رجال معتمدون عندهم كشيء من الزعامة.. وعاما شهرين، ولا يصيبون الحج إلا في كل ستة وعشرين سنة مرة، وهو النسيء الذي ذكره الله في الآية من كتابه الكريم، فلما كان عام الحج الأكبر ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم، من العام القابل، فاستقبل الناس الأهلة، فقال رسول الله: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض».

وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة فقال: «إن النسيء من الشيطان» زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً» فكانوا يحرمون المحرم عاما، ويحرمون صفر عاماً، ويستحلون المحرم وهو النسيء»، وأخرج ابن جرير صفة ذلك بأن شخصاً -كما قال ابن عباس- يكنى أبا ثُمادَهْ يقول في الموسم، إن أبا ثماده لا يخاف ولا يُعاب ألا إن صفر الأول حلال، وكان العرب في الأشهر الحرم، فإذا أرادوا في الحُرم القارة أتوه فيحله لهم عاما ويحرمه عاما، فحرّم الله ذلك وجعله من الكفر.

وما جاء في خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، احتذاها المسلمون، فكان إمام المسلمين أو من ينيبه هو الذي يخطب في الجمع بعرفات ليوضح للمسلمين ما يهمهم في أمور دينهم ودنياهم، وهي أمكن مما يأتي في المؤتمرات من أمور، إذْ يجب على الخطيب أن يعرض للأمور التعبدية والعقدية وما يهم المسلمين في كل أمر، حتى يرجعوا لديارهم وقد استفادوا علما لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون، وسيبقى -إن شاء الله- المنبر في يوم عرفات خالداً في ظل الدولة الإسلامية التي ترعاه، وتخدم بيت الله الحرام، وتكرم ضيوف الرحمن ليحفظهم الله كما حفظوا المقدسات في الحرمين الشريفين، ولذا تأسوا بالرسول بإبلاغ صوت خطبة عرفات للعالم أجمع المسلمين وغيرهم لإبراء الذمة، وأداء للأمانة في كل عام ليهتدي من أراد الله به الخير.

وأفضل ما يعود به المؤتمر من هذا الحشد العظيم، القبول والمغفرة من الله، ومباهاة الله ملائكته بالمجتمعين في صعيد عرفات، وما نالوه من فوز عظيم ومغفرة الله لهم.

 

الحج مؤتمر خالد
د.محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة