Saturday 22/10/2011/2011 Issue 14268

 14268 السبت 24 ذو القعدة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تلعب الستائر والأردية الثقافية دورا مجيدا في حماية الواقع حين يكون مهزوزا أو غير محدد الاتجاه بحيث تسدل ستارا يوهم المشاهد او حتى المشارك في الموقف بطبيعة ووظيفة المشهد أمامه. يحدث هذا كثيرا في السياسة حيث نراها في معظم أنحاء العالم العربي اليوم.

فالأسد يسيطر على وسائل الإعلام ويسدل ستارا حديديا على حقيقة ما يجري بحيث لا نعلم فعلا ماذا يعرف المواطن السوري في الداخل عما يجري داخل وطنه، وقد يظن فعلا ان ما يحدث مجرد تمرد عابر لا يهدد بقاء الدولة والأمر كان صحيحا بالنسبة للقذافي لفترة طويلة، ولا زال صحيحا حتى الآن بالنسبة للرئيس اليمني حتى كتابة هذه الأسطر.

في الشأن الاقتصادي تسدل الستائر الاقتصادية ويتم تزيينها بألوان زاهية لأسباب ثقافية وسياسية لإغراق المحيطين بحقائق تؤكد سلامتهم وثبات مدخراتهم وقوة موقفهم الاقتصادي حتى لو كانوا هم الأكثر خسارة. السقوط المدوي للأسهم السعودية ومديونية اكثر من 50% من الموظفين للبنوك وعدم امتلاك مأوى آمن وقصص الفساد في التلاعب بالبلايين.. ومع كل ذلك... مع كل ذلك يستمر إسدال الستائر ويستمر التصفيق المدوي لللاعبين الرئيسيين من قبلنا نحن.. نحن المهزومين وها نحن نستمر في التصفيق بفعل تأثير هذه الستائر التي تحكم إسارها حتى تتأكد من عبوديتنا لما تسمح باظهاره من خلف الستارة بحيث نبقي كمسجوني الكهف لدي افلاطون الذين أمنوا بعد وجودهم في الكهف لفترة ان مايرونه فوق جدار الكهف ليس ظلالا لنار خلف جدار الكهف بل هي الحقيقة نفسها، وحين تجرأ أحدهم وحاول تسلق جدار الكهف وشاهد بعينه الشمس والطيور والازهار وعاد مسرعا الى رفاقه ليخبرهم بالحقيقة فما الذي فعله الرفاق؟ قاموا بقتله.... فالحقيقة هي ما يسمح به حراس الستائر !

في الشأن الاجتماعي تزدهر صناعة الستائر بكل أشكالها وأحجامها لاختلاط الديني بالثقافي بالاجتماعي بحيث يبدو المشهد أحيانا هزليا حتى حدود (اللامفكر فيه) كما يقول محمد آركون، وتفاصيله تلامس حياة كل منا بحيث يحولها الاعتياد الى مستوى القبول حتى مع هزليتها وخاصة بين النساء وتحديدا في واقعنا المحلي، حيث يمتهن الرجال بل ويجيدون صناعة الستائر فيما يقوم آخرون (من نفس الجنس في الغالب) على حراسة بقاء الستائر مسدلة طوال بث المشهد.

أستعيد هذه الصورة الكاريكتورية في المشاهد التالية وهي مجرد أمثلة:

المشهد الأول: حين تعقد بعض المؤسسات الحكومية أو الأقسام في الجامعات أو اللجان المشتركة لبعض الإدارات التي تخدم الجنسين في المملكة لاجتماعاتها وحيث أصبح يتم (في السنوات الأخيرة فقط) تأكيد الإجراءات النظامية على ضرورة تمثيل الصوت النسائي بحكم وجوده في المؤسسة فيكون الاجتماع (صوتيا) بين الأعضاء الذكور والإناث. وهكذا تبقى حياة هذا الاجتماع مربوطة بهذا الجهاز الصغير المسمى تلفون والذي يجيء صوته ويختفي كيفما يشاء فلا ندري نحن النساء في الأقسام النسائية حيث يصلنا الصوت فقط من الذي يتحدث فعلا ومن يعلق وكيف يمكن لأحد لا يراك ولا يجلس معك في ذات المكان ان يعرف إن كانت واحدة من عشر عضوات او سبع عشرة او أكثر او اقل ترغب المداخلة وكيف يمكن فهم المناقشة اصلا حين يكون في الطرف المقابل عدد من الرجال المتحلقين حول طاولة اجتماعهم يتبادلون النقاش والحديث غير عابئين أو (غير مدركين) لرداءة الصوت او اختفائه او انقطاع الاتصال... لكن في النهاية تبقي النصرة للستائر الثقافية، ويتم استصدار القرارات بحضور كافة أعضاء القسم أو اللجنة او الإدارة ؟ فالمهم هو الشكل وليس المضمون، والمهم ان تبقى ستارة الفصل مسدلة !

المشهد الثاني: زيارة وفود أجنبية:

تتخذ الستائر الثقافية حجما اسطوريا مثلا عند زيارة وفود رسمية نسائية خارجية لبعض المؤسسات التي تخدم القطاعين فمن السهل اجتماع رجال الإدارة بالزائرات الأجنبيات لكن كيف يمكن تبرير عدم وجود الموظفات السعوديات في ذلك الاجتماع ؟ من أين سيدخلن وكيف سيدخلن الى الإدارات الرجالية ولواحتاجت احداهن الحمام فماذا نفعل... وتتمدد الستائر التبريرية تحت أسنان الثقافة والواقع لتقدم مشاهد ديكورية للزائرات عن مشاركات نسائية سعودية فاعلة ومؤثرة ضمن القطاعات التي يعملن بها، مع ان النساء انفسهن يعرفن انهن لا يمتلكن قرارا ولا يصنعن واقعا دون الرجوع لمصنع الستائر الذي يقرر ما الذي يسمح برفعه وما الذي لا يرفع.. إنه الوقت والسياسة والمصالح الشخصية والموقف الأيدلوجي الشخصي من المرأة لمن يمسك بخيوط الستارة أعلى المنصة.

المشهد الثالث: فعاليات ثقافية:

هل يمكن لك أن تتصور مثلا فلامنكو إسباني دون موسيقى فرحة وتنناير طويلة وملونة ونساء تخبط بأحذيتها في قوة على خشبة المسرح؟ فقط موسيقى منفردة وراقص منفرد وفيلم عن التاريخ كله يقدم كليلة إسبانية عن الفلامنكو ؟؟ هذا حدث في احد المراكز الثقافية في الرياض مؤخرا لأجل عيون الستائر الثقافية التي يجب ان تبقى مسدلة!

المشهد الرابع: حرمة القطاعات النسائية:

تبقى أجهزة التصوير والكمبيوتروغيرها من الأجهزة الكهربائية والمعامل وغيرها مما يحتاج الى صيانة في القطاعات النسائية معطلة لأن فرق الصيانة لا تستطيع دخول المكان أثناء الدوام بسبب الستائر المسدلة، يتم إقفال مدارس البنات بالمفتاح الذي يبقى مع الحارس العجوز حتى لو حصل حريق او التماس كهربائي اوأي طارئ لتأكيد ستائر الوصاية... يبقى طفل المطلقة التي لا يرضى الأب بإعطائه اوراقا ثبوتية دون تعليم كي تبقى ستائر الولاية مسدلة ولا تقبل الشرطة بلاغ الأم المطلقة حول العنف الذي يقع على طفلها ولا بلاغ الأكاديمية ذات السبعة والأربعين عاما ضد أخيها الذي يصغرها بعشرين عاما لإبقاء ستارة الولي مسدلة ؟؟

ألم نتعب بعد من كم الستائر الثقافية والذهنية التي تسيطر على حياتنا ؟ ألم يحن الوقت لنسأل انفسنا بشجاعة عن كيف تمكنت هذه الستائر الوهمية من تزوير حقائق وجودنا وتفاصيل يومنا وتفريغ محتوى ما نفعل وخاصة لنا نحن النساء ؟ وكيف توضع الميزانيات وتتبارى النساء أنفسهن قبل الرجال في الدفاع عن بقاء هذه الستائر الوهمية ؟

 

متى يرفع المجتمع السعودي ستائره الثقافية؟
د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة