Sunday 23/10/2011/2011 Issue 14269

 14269 الأحد 25 ذو القعدة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

فقيد الوطن

 

رأى فيه قدرة على القيادة واتخاذ القرار
حكمة الملك عبدالعزيز في تولية سلطان أميراً على الرياض

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الجزيرة - المحليات :

خبر الملك عبدالعزيز ابنه سلطان، كما فعل مع كل أبنائه، وعرف مواهبه ومواطن قوته، وإمكانات قدراته، وفي سن صغيرة، وهو دون العشرين ولاه رئاسة الحرس الملكي، وهي حقيقة لا تذكرها أغلب المراجع، وربما لا يعلمها أكثر الذين كتبوا عن حياة الأمير سلطان ابن عبدالعزيز ظناً منهم أن أول منصب أسند إليه في عهد أبيه كان إمارة الرياض، وانفرد الزركلي(1) بهذه المعلومة وهو من المقربين للملك عبدالعزيز آنذاك.

وعدم استفادة الذين كتبوا عن حياة الأمير سلطان من هذه المعلومة لا يعني عدم صحتها، فكتاب الزركلي (شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز) من المصادر الأساسية المعروفة في تاريخ الملك عبدالعزيز وأبنائه، ولو لم تكن هذه المعلومة صحيحة لأنكرها سمو الأمير سلطان نفسه الذي يعيش بين ظهرانينا أطال الله عمره.

وليس عجباً أن يولي الملك عبدالعزيز الأمير سلطان رئاسة الحرس الملكي في الفترة من 1362هـ إلى 1366هـ قبل إمارة الرياض، بل إن ذلك يتفق مع فلسفته في اختبار معادن الرجال وتدريبهم على تحمل المسؤوليات، فمسؤولية الحرس الملكي في ذلك الوقت أقل من حجم مسؤولية إمارة الرياض، وتحتملها سن الأمير الصغير، فضلاً عن أن الأمير الشاب سيكون في الحرس الملكي تحت نظر أبيه الملك بشكل مباشر، وتحت توجيهاته وعنايته.

وعلى الرغم من أنه لا توجد وثائق تحدد تاريخ تولي الأمير سلطان رئاسة الحرس الملكي إلا أنه يبدو أن ذلك لم يطل، فسرعان ما حظي الأمير الشاب برضا أبيه عن أدائه، واعترافه بكفاءته وأدائه ومقدرته على تحمل المسؤولية مما جعل الملك عبدالعزيز يقرر تعيينه في تلك السن الباكرة أميراً على الرياض. ولعل هناك أمراً آخر ربما كان سبباً مباشراً في تعجيل الملك عبدالعزيز بقرار تولي سلطان إمارة الرياض، وهي حادثة يرويها عن شيم الأمير سلطان وقصصه مع والده، الأستاذ عبدالله نور، ضمن ما كتبه في سلسلة مقالات نشرها بجريدة الجزيرة عن الأمير سلطان. حدثنا الشيخ عبدالله بن خميس في منزل صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بالرياض أن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - كان يطلب غريما مناوئاً له مناوأة شديدة، وقد تجاوز فيها إلى اللدد والتمخرق حيث لا ينفع فيه العفو المتتابع، ولا الصفح الجميل المتلاحق، بل تجاوز إلى البلوى في العداوة حتى صدق عليه قول الشاعر:

ومن البلية عذل من لا يرعوي

عن غيّه وخصام من لا يفهم

وقد وجد الملك عبدالعزيز عليه موجدة عظيمة، غير أنه لا يعرف له أرضاً في مملكته أو في غير مملكته، وكانت أخبار هذا الغريم اللدود تصل إليه بما يزيد على البلوى بلاوي مثلها أو أعظم منها.

في ليلة عيد الأضحى رأى الملك عبدالعزيز في منامه ذات الشخص على ذات الصورة ورأى ابنه الأمير سلطان يقتاده إليه في مسجد العيد. كيف يكون ذلك؟ والرجل مذكور وموصوف بأنه في غير المملكة في بلد لا يطوله فيه عبدالعزيز.

لما استيقظ عبدالعزيز رأى نفسه في العلم لا في الحلم، ولعله بعد وقت قصير نَهْنَه عنه بقية الحلم ثم مضى إلى صلاة عيد الأضحى، وصلى كعادته يتقدم العالمين. ولم يكد يفرغ من الصلاة ويهمُّ بالخروج من المسجد إلاّ وراعه أن رأى شخص الغريم في العلم لا في الحلم يمرق من بين الصفوف البعيدة متحاشياً أن يراه راءٍ فما كان من عبدالعزيز إلا أن صاح بابنه سلطان وكان أقرب إليه مما يلي الرجل أن يبادر بالإسراع إلى حيث هنالك ذاك البعيد أن يا سلطان جئ لي بذاك الرجل، ذاك العدو الذي ما بعده عدو. وشاءت إرادة الله - عز وجل - أن يتمكن منه سلطان، واقتاده إليه على نفس الهيئة التي رآها عبدالعزيز في منامه.

ويضيف عبدالله نور معلقاً: ولولا التطور الذي وصل إليه علم (التخاطر) ولولا أن الراوي هو الأديب الكبير الشيخ الفاضل الأستاذ عبدالله بن خميس الذي رواها عن ثقات عدول، وحكاها في مجلس الأمير خالد الفيصل في جماعة من أهل الرأي والعلم والأدب، لولا كل ذلك لقيل عن هذه القصة بأنها خرافة مختلقة. هكذا شاء الله أن يختصه عند والده بهذه الصلة الروحية بينه وبين أبيه، فلا يرى في المنام إلا سلطان يقتاد إليه الغريم، ولا يكون بجانبه بعد الصلاة إلا سلطان أقرب الأبناء إليه(2).

كيف لا يكون سلطان أميراً للرياض؟!

فلا غرابة أن تكون هذه الحادثة صحيحة، ولا غرابة أن يكون بين سلطان الابن المخلص المطيع وأبيه الملك الصالح التقي، وإذا عمرت القلوب بالإيمان، فالمؤمن يرى بنور الله، فكان ذلك ما رآه عبدالعزيز وكان ذلك جعله الله يتحقق على يد سلطان، فكيف لا يكون سلطان أميراً على الرياض بعدها، فيكون عين أبيه عليها، ويكون حارسها اليقظ الأمين، وحاكمها الذكي الفطن الذي يسهر على أمنها ومصالح أهلها، ويخطط لتطويرها والارتقاء، ويحتمل في سبيل ذلك ما لا يهون إلا على أصحاب الهمم العالية والنفوس الكبيرة والعزائم القوية.

وقد أدرك الملك عبدالعزيز هذه الخصال في ابنه سلطان منذ ولاه رئاسة الحرس الملكي ورأى منه مقدرته على الضبط والربط والحزم، ووجد في سلوكه السمات القيادية التي تبشر بمستقبل هذا الأمير الشاب، فاستقر رأي الملك عبدالعزيز على تعيينه أميراً على الرياض ليحقق ما يتمناه لعاصمة ملكه من تطور وازدهار وأمن وسلام، وبالفعل لم يخب فيه أمله فقد حقق سلطان في سنوات قلائل منجزات كبيرة، ونجاحات مميزة في الارتقاء بمدينة الرياض والانتقال بها إلى معطيات العصر الحديث منذ غرة شهر ربيع الآخر سنة 1366هـ الموافق 22 فبراير 1947م حين أصدر الملك عبدالعزيز أمراً ملكياً بتعيين ابنه الشاب سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز أميراً على الرياض.

كيف كانت الرياض قبل سلطان؟

لم يقدم لنا أحد من المؤرخين وصفاً لمدينة الرياض غداة تعيين الأمير سلطان بن عبدالعزيز عليها إلا الأستاذ عبدالله نور، وحفظاً لهذا الوصف من الضياع، حيث لم تجمع مادته في كتاب، فإننا نورده كاملاً كما خطه صاحبه: (إذا شئت أن تحظى بصورة دقيقة عن مدينة الرياض عند تولي الأمير سلطان إمارتها تذكر أن مسجدها (الجامع) مسجد الإمام تركي بن عبدالله هو مسجدها الكبير، الجامع ومن حوله تستدير بيوت الرياض ومرافق الرياض وأسواقها استدارة السوار بالمعصم، بلدة صغيرة لا يتعدى مجموع سكانها عشرة آلاف نسمة، كلهم من الكبير إلى الصغير من القاطن إلى الوافد، ومن المقيم إلى العابر، يعرفهم أمير الرياض سلطان أو يعرف معظمهم).

ولا يوجد شارع أو طريق أو سكة مسدودة أو عابرة إلا ويعرفها أمير الرياض الشاب سلطان ابن عبدالعزيز ويعرف الدقيق والجليل من أمرها. تخطيط الرياض مثل تخطيط المدن الإسلامية كدمشق وبغداد وتونس والرباط وغيرها، قلب المدينة هو المسجد، وبجواره قصر الحكم، فمنازل الحاكم هذا من جهة، ومن جهة أخرى سوقها المركزي التجاري وهو في الصفاة على نحو ما هو عليه الآن مع فارق في التشييد والفخامة، ومن جهة سوقها (الشعبي) سوق المقيبرة، وتجار المواد الغذائية، ثم سوق الخضراوات والأشغال المتنوعة من سائر المبيعات، ومن خلال هذه الجهات تمضي الشوارع آخذة دربها إلى حواري الرياض المتناثرة المتقاربة والمتباعدة على مقدار الدخول والإمكانات للأهالي والقاطنين.

كانت الرياض بيوتاً طينية متلاصقة مشدودة إلى بعضها البعض كي لا تعطي (اللصوص) فرجة للتسلل، أو زلفة للتسلق، وأسواقها ضيقة متعرجة مع تعرج الغدران القديمة، أو (الشعبان) المطمورة، يكاد أوسعها لا يسمح لأكثر من بعيرين متوازيين متظاهرين، وهي ترتفع أو تنخفض حسب طبيعتها الأولى.

ومثلها مثل بقية بعض المدن المغربية القديمة، ولاسيما في تونس، فبعض أسواقها مسقوف بالجريد أو ما هو صالح مما لديهم من معطيات مع الأرض، وهناك - بطبيعة الحال - مساحات بين أسواقها وحاراتها عبارة عن أراض عراض يسمونها (حيالات) جمع حيالة، ووسائل النقل - حتى إلى أربعين عاماً - كانت الحمير والبغال والخيول على نحو ما هو موجود الآن في بعض القرى العربية المتخلفة.

أما أعظم الأحياء بعد حي (الديرة) وفيه آل سعود الكبار، فهو حي دخنة، وحي الوسيطا، وحي الحنبلي وأقدمها (حي الظهيرة). وقبل أن توجد (المجالس البلدية) كان الأمير في اختياره لـ(الأخوياء) يختار النخبة المتنوعة في شمولها على جميع الأنحاء، والحارات، والقبائل، والاهتمامات، ومن أهم خصائص (الخوي) أن يكون أخاً بكل ما في الأخوة من إخلاص ومحبة وفداء وولاء، وكلما ارتقت هذه الخصائص إلى مزايا أخرى كالشجاعة، والنباهة، والأمانة وغيرها كلما ترقى (الخوي) إلى منزلة قد تفوق أحياناً منزلة الأخ القريب لحماً ودماً، وقد يصل إلى منصب أمير (3).

هكذا كانت الرياض العاصمة وهكذا كانت بيوتها وأسواقها والحياة فيها غداة تعيين الأمير سلطان أميراً عليها.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة