Monday 24/10/2011/2011 Issue 14270

 14270 الأثنين 26 ذو القعدة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في مقالة الأسبوع الماضي حاولت توضيح وجهة نظري حول ما كتبه الأستاذ الكريم عبدالرحيم جاموس، تعليقاً على بعض ما ورد في مقالتي التي عنوانها: «لماذا كل الفصول ربيع للصهاينة؟» ولم أرد الإطالة والدخول في تفصيلات أعتقد أن كثيراً

من المتابعين للأحداث يعلمونها. وكان مما أشرت إليه أن ما حدث بعد عام 1968م غير ما حدث في ذلك العام وما حدث قبله من حيث توفيق مواقف قادة فتح وعدم توفيقها. في ذلك العام -وقبله منذ انطلاقتها عام 1965م- كانت حركة تحرير مجاهدة مناضلة، «عاصفة» تزداد عنفاً كل ملتحم، وقوامها:

شَهمٌ فدائي وثائرة

وهجوم مِقدامٍ وضَرْب كَمي

وكتيبة تَمضي فتخلفها

أخرى تحيط الأفق بالضَّرمِ

وفَيالقٌ في الدَّرب زاحفة

لِتدكَّ صرح عَدوَّة الأممِ

ومما أشرت إليه، أيضاً تغيُّر بعض مواقف القادة الفلسطينيين، وبخاصة قادة فتح، الذين أصبحوا المهيمنين على السلطة الفلسطينية، التي أصبح مركزها الآن في رام الله.

والواقع أن موقف قادة فتح يكاد لسان حاله يتفق مع مدلول بيت شعرٍ عربي قديم مشهور نصه:

وهل أنا إلا من غُزَيّة إن غوت

غويت وإن ترشد غُزّيـَّة أرشد؟

ذلك أن مواقف زعماء الدول العربية قد تَغيَّرت، فموقف الزعماء العرب عام 1967م في مؤتمر الخرطوم كان من أوضح بنوده أنه لا سلام مع الكيان الصهيوني، غير أن خلف أولئك الزعماء في القيادة بدأوا يتجاهلون ذلك البند، واحداً بعد آخر، كان أوَّل المتجاهلين -كما هو معروف- زعيم مصر، التي هي مركز الثقل في العالم العربي بالنسبة لصراع أُمتنا مع الصهاينة وكيانهم المحتل لفلسطين، وكان أن وقف أكثر الزعماء العرب -انسجاماً مع رغبة شعوبهم- موقف الرافض لما أقدم عليه ذلك الزعيم المصري المتجاهل لما قرَّره الزعماء السلف في الخرطوم من عدم السلام مع الدولة الصهيونية، لكن ما ارتكبه صدام حسين من عدوان على الكويت، واحتلال لها، هيأ مناخاً لأن يُغيِّر الزعماء الخلف من العرب موقفهم حتى أصبح السلام مع العدو الصهيوني هو الخيار الإستراتيجي لهم، وأصبحت الأيدي المستجدية لذلك السلام، الذي كان مرفوضاً، أوضح ما يبدو على المسرح، تذلُّلاً وخضوعاً.

في الفترة التي كانت فيه حركة فتح، مثل عدد من حركات المقاومة الفلسطينية، مُتَّصفة بالصفات المقدَّرة لدى الأمة العربية والموصوفة بالأبيات المذكورة في هذه المقالة كان ما يزال حيّاً أولئك الزعماء العرب الذين قرَّروا ما قرَّروا في مؤتمر الخرطوم، وراعوا ما قرَّروه. وكان ما يزال هناك أثر لما سُمِّي الدفاع العربي المشترك، مراعى، إلى حَدٍ واضح، في وجود قوات عربية من عدة بلدان على الجبهة مع العدو الصهيوني. ثم انتهى ذلك العمل العربي المحمود. وكان هناك التزام بما سُمِّي المقاطعة الاقتصادية للدولة الصهيونية. بل إن الشركات غير العربية، التي تتعامل مع الصهاينة كانت تقاطع. ثم أصبحت المقاطعة -بالنسبة لعدد من الدول العربية- نسياً منسياً. بل إن دولاً عربية أصبحت تقيم مشروعات اقتصادية مشتركة مع الدولة الصهيونية. وأصبح التطبيع مع العدو أمراً يهرول إليه زعماء عرب على رؤوس الأشهاد. وكنت قد عّبَّرت عن هذا الأمر ضمن أبيات من قصيدة نشرتها عام 1428هـ، وأعيد نشرها هذا العام، ضمن مجموعة شعرية عنوانها: «لا تلوموه إذا غضبا»، قائلاً عن هؤلاء الزعماء:

قَادة سَنُّوا لهم رُتَباً

مُيِّزت من سائرِ الرُّتَبِ

قد عهدناهم أساتذةً

في مجال القول والخُطبِ

وعَرفناهم غَطارفةً

نَسلَ أمٍّ حُرَّةٍ وأب

إن بدت في الأفق معركة

فسيوفُ العزمِ من خَشبِ

يُتْقنون السعي هرولةً

لينالوا عطف مُغتصبِ

وأكفُّ الذُّلِ ضارعةٌ

هَمُّها ما نيلَ من نَشَبِ

طَلَّةُ التطبيعِ كم فتنت

غارقاً في اللهو واللَّعبِ

فغدا يكفي ليسكره

ما بدا في الكأسِ من حَبَبِ

عَمُّه سامٍ تَعهَّده

بندىً من كفِّه الرَّطِبِ

ووليُّ البذلِ طاعتُه

قُرْبةٌ من أفضلِ القُرَبِ

هكذا الدنيا تُعلِّمنا:

لم تقع بَلْوى بلا سَببِ

ولأن الذُّل دَيدنُنا

هل لنا في النصر من أرَبِ؟

وكانت تلك القصيدة قد كتبت قبل عامين من العدوان الصهيوني على غَزَّة، الذي ارتكبت فيه الدولة الصهيونية مذبحة، أو مجزرة، بشعة وإن كانت غير مستغربة من دولة عنصرية تاريخها سلسلة من الجرائم الفظيعة. على أن موقف الزعماء العرب تجاه ذلك العدوان كان أوضح ما يكون برهنة على ذُلِّهم، الذي استمرأوا إدمانه. وقد كتبت عن تلك المذبحة، أو المجزرة، عدداً من المقالات. ثم نُشِرت العام الماضي مع مقالات أخرى تناولت ما حدث بعدها، وما اتخذه قادة عرب من مواقف مخجلة، ضمن كتاب عنوانه: «عام من الذُّل والانخداع»، ومما ورد في آخر مقالة من مقالات هذا الكتاب: «يتزامن نشر هذه المقالة مع مرور عام على المجزرة العدوانية الصهيونية على غَزَّة، وهي المجزرة المؤيَّدة تأييداً غير محدود من الإدارة الأمريكية المتصهينة عقيدة حينذاك. وكانت مواقف أكثر القيادات العربية مواقف مخجلة تدلُّ على إدمانها الذُّل وشربها كؤوسه حتى الثمالة. وها هي ذي تَحلُّ بها مناسبة عام على تلك المجزرة الرهيبة. عام رأت خلاله ما لا يكاد يصدق من مواقف. ومن ذلك حصار خانق ظالم لغزة وأهلها يشارك في فرضه كثيرون، ويهدف إلى إنهاء روح المقاومة للاحتلال الصهيوني. وبإنهاء المقاومة إنهاء للقضية الفلسطينية».

 

ليسوا وحدهم من غُزَيّة
د.عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة