Monday 24/10/2011/2011 Issue 14270

 14270 الأثنين 26 ذو القعدة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

لم يكن من السهل على أمة خبرت فقيدها سبعين عاماً أن تتحمل صدمة الفراق، أو أن تصبر على فقده إلى يوم يبعثون ولكنه الإيمان بقضاء الله، والرضا بقدره، والتسليم لأمره، والخضوع لسنته التي لا تتبدل ولا تتحول، بها تسلو، ومنها تستمد الرضى والقبول، والأمة المؤمنة ترضى بقضاء الله، وتصبر على بلواه، وتحتسب الأجر عنده.

وعزاء المفجوعين أن الموت نهاية كل حي: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ .

وفقد رجل بوزن (سلطان بن عبدالعزيز) حدث جلل، تتعطل معه لغة الكلام، وتتجمد الآمال على الشفاه، وهي تؤمل.

فهو رجل استثنائي، اجتباه ربه، فوهبه من الأخلاق أحسنها، ومن السير الحميدة أجلها، ومن السماحة أجملها، فكان قريباً من القلوب، محبباً إلى النفوس، عاش حياته للوطن والمواطنين، يؤثر ولا يستأثر، ويطعم لوجه الله، ولا يريد جزاء ولا شكوراً.

أوقف جهده، وسعى دهره لدروب الخير، وفي دروب الخير، يضمد الجراح الفاغرة، ويواسي القلوب المكلومة، ويتوجع للمصابين المندفين، ورجل بهذه المسؤوليات وبتلك المهمات والاهتمامات والسمات جدير بأن تبكي عليه البواكي.

لقد عاش حياة حافلة بالمسؤوليات الجسام، والمهمات العظام، واكب ملوك البلاد -رحمهم الله-، منذ عهد المؤسس الملك (عبدالعزيز) إلى ملك المبادرات (عبدالله بن عبدالعزيز)، وخيرة الناس من نعومة أظفاره، بتودده وكرمه ودماثة أخلاقه وسعيه في حاجة الأرملة والمسكين، وحبه للخير، وتحمله لمعضلات المشاكل، واضطالعه بالملفات الساخنة، ومهارته في تفكيكها وإعادة ترتيبها على الوجه الذي يرضي كل الأطراف، ويبث الثقة بين كل الفرقاء.

لقد كان (سلطان بن عبدالعزيز) دوحة عز وارفة الظلال، يفيء إليها الضاحون، ونبع ماء عذب تروده قوافل المضمين، ومستوع خبرة يتزود منه العاملون، ومنارة هداية يستضيء بها التائهون.

وكيف لا يكون مثابة لهؤلاء وأمناً لأولئك، وهو قد ولد في بيت ملك عريق، وتربى على يد مؤسس عظيم، وعاصر ستة ملوك راشدين، شاطرهم أعمالهم وقاسمهم معضلات مسؤولياتهم، ونهض بمهمات جسام حملوها إياه، وخاض معترك السياسة العربية والعالمية، في جزرها ومدها، وصفوها وكدرها، وطاف العالم مؤتمراً مع المؤتمرين، ومدافعاً عن قضايا المقهورين، ومطالباً بحقوق المضطهدين، ومشيراً ومستشيـــراً، ومجادلاً ومحاوراً ومصـــــالحاً ومصلــحاً بـين الفرقاء.. إنـــه جامعة عـلم في إنسـان وأمة في رجل، وســجل حافل بأشرف المنجزات، وأعقد القضايا، وعلى مدى سبعين عاماً تقلب في عدة مناصب مختلفة المهام والأهميات، وما حل في موقع إلا شد الأنظار، وبهر الأفكار، وانتزع الأعجاب، وفرض الاحترام.

ابتسامته تسبق عبوسه، وكلمته الطيبة تسبق عزماته الصارمة، ويده المبسوطة بالعطاء تسبق كفه الآخذة بالحق.

(تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله).

وإذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد تفاءل حين أقبل عليه المفاوض (سهيل بن عمرو)، فإن سلطان الخير مجال للتفاؤل الحسن، فما وضع يده في قضية إلا حل عقدها، وما تعقب مشكلة إلا فكك تلاحمها، وما رمى به ملك بؤر التوتر إلا أطفأ لهيبها، وما دخل بين شتيتين إلا جمع بينهما بخير.

رحمك الله يا أبا خالد رحمة واسعة، وجعلك {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}، لقد تركت فراغاً هائلاً، ورحلت، وأمتك أحوج ما تكون إليك.. وعزاؤنا بمن خلفك من تلك الدوحة المباركة.

(إذا طل منا سيد قام سيد قؤول لما قال الكرام فعول)

وعزؤانا بالسيد المنجب ابن السادة النجب (عبدالله بن عبدالعزيز) ملك الإنسانية ورجل المبادرات، وفي أشقائه من حوله وفي الشعب الذي نهل من معين الوفاء، فكان أوفى الأوفياء.. عزاؤنا بدولة حضارية وشعب يتجلى معدنه في الأزمات.. عزاؤنا في هذا الكيان المتماسك.

وإذ رحلت بجسمك فإن ذكراً حميداً، وسيرة عطرة، وقيماً أخلاقية تركتها خلفك، تتجدد بها صورتك، وتتكرس بها شخصيتك، ويتحلى بها من بعدك: (والذكر للإنسان عمرٌ ثاني).

فعليك من الله الرحمة والمغفرة، ولنا من الله العزاء وجبر المصاب، وإذا كانت العين تدمع، والقلب يحزن، فإننا لا نقول إلا ما يرضي ربنا: إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ .

 

عليك سلام الله حياً وميتاً
د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة