Monday 24/10/2011/2011 Issue 14270

 14270 الأثنين 26 ذو القعدة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

فقيد الوطن

      

لعل سنة 2011 كانت من أكثر سنوات القرن الجديد سخونة وألماً؛ نظرا لما مرت به من أحداث عصيبة غزت العالم كله باتجاهاته الأربع, ولم تسلم المملكة العربية السعودية من المفاجآت العصيبة التي مرّ بها العالم حين استفاقت يوم السبت 22 من أكتوبر على فجيعة وفاة الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله رحمة واسعة - بعد معاناة طويلة مع مرض عضال.. هو الذي بدأ مسيرته الحزينة مع المرض قبل سنوات حين دخل نفقاً مظلماً لم يعرف أين يبزغ النور منه, وتحمَّل من الآلام والأوجاع الكثير محاولاً النهوض بقوة وعزيمة لمعاونة إخوانه على إدارة شؤون وطنه الذي أحبه وأخلص له وقدَّم له سنين طويلة من عمره وهو يتقلب في المناصب المهمة ويتسلم المهمات الصعبة فينجزها بكفاءة واقتدار، ولكن قَدَر الله سبحانه فوق كل شيء.

وإذا أردنا أن نتحدث عن جانبه الإنساني فلم يحظَ بلقب «سلطان الخير» عبثاً أو اعتباطاً بل هو رجل عمّ خيره وكرمه كل بيت من بيوت المملكة تقريباً.. فلم يأتِه محتاج أو محروم أو مكلوم إلا ولبى طلبه وفرَّج همَّه وقضى دينه, فآلاف الأُسَر في السعودية تعيش على عطائه السخي لها في كل المواسم؛ وذلك ما جعله يتمتع - رحمه الله- برصيد حب وجماهيرية غير عادية؛ وهو ما يجعلنا نقف أمام هذه الهامة الشامخة طويلاً، ونستعرض أسباب هذه الشعبية الكبيرة؛ فنجد أننا نتحدث عن رجل هو مؤسسة خيرية بحد ذاتها.. رجل بكرم لا حد له.. وعطاء شمل آلاف الأُسَر التي عبست في وجهها الحياة فتبسم لهم سلطان وأعاد بسمتهم.. ووفاء استمر عشرات السنين تمثّل في خدمة الدين والدولة.. وابتسامة لا تفارق المحيا وكأنه يستوحي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرن من المعروف شيئاً, ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق».

ومن المواقف التي لا تُنسى للمرحوم، ومما يؤكد إنسانيته وتواضعه الجم وحبه الأصيل لأرضه وشعبه، أنه وبعد رحلة علاجه الطويلة في الولايات المتحدة، وحين استقبلته المملكة قيادة وشعباً بحب وشوق وسعادة بعد عودته.. وعلى الرغم من ظروفه الصحية الصعبة وإرهاق مراسم الاستقبال والسلام على الحشود في ذلك الحين, إلا أنه في اليوم التالي من عودته مباشرةً هرع - رحمه الله - ليزور أبناءه العسكريين المصابين؛ ليتفقد أحوالهم, ويطمئن عليهم، ويواسيهم وذويهم, ويطبع على رؤوسهم قُبلة وعلى قلوبهم وعقولهم بصمة وذكرى أبوية دافئة، لها أبعاد إنسانية رائعة, أضحت حديث الناس ومحور نقاش اجتماعي في ذلك الحين ممزوج بالإعجاب والثناء على الأمير سلطان - رحمه الله -.

ولعل من المفارقة أن تُساق البشائر لوفاة العقيد معمر القذافي؛ لتعم أرجاء العالم كافة؛ لرحيل ذلك الطاغية الذي كبس على أنفاس شعبه 42 عاماً، انعزلت فيها ليبيا عن العالم, وحين تُوفِّي سلطان بن عبد العزيز بكت المملكة وكل أشقائها العرب المحبين للمملكة وشعبها على وفاة ذلك الرمز والقدوة والإنسان قبل كل شيء؛ فحين علم أبناء المملكة بالفجيعة نسوا كل أوجاعهم الشخصية ومشاكلهم وضغوطاتهم الخاصة وتداولوا الخبر بحزن وأسى بليغ لرحيل ولي عهدهم الأمين ووالدهم المحب وألسنتهم تلهج بالدعاء له بالرحمة والمغفرة.. فكم نحن محزونون على فراقك يا أبا خالد؛ فاليوم المملكة تعيش حزناً عميقاً لغياب صاحب الابتسامة التي لا تغيب والأيادي البيضاء التي لا تتوقف عن العطاء.

مصابنا جلل، وفقدنا كبير، وخسارتنا مؤلمة، ولكن عزاءنا بإخوانه أبناء المؤسس الأوفياء من بعده, الذين سيحملون المهام بكل اقتدار وأمانة إن شاء الله, وأعماله الصالحة التي شملت آلاف بل ملايين الأفراد والأُسَر في المملكة وخارجها؛ فنسأل الله جل جلاله أن يغفر لسلطان بن عبد العزيز، ويكرم نزله، ويوسع مدخله، وينزل على قبره الضياء والنور والفسحة والسرور، ويجعل ما قام به في دنياه من أعمال خيِّرة لوجه الله في ميزان حسناته يوم القيامة، وأن ينزل على أهله وذويه الصبر والسلوان والطمأنينة.

نبض الضمير:

{يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية}.

Twitter:@lubnaalkhamis
 

سنفتقدك.. ابتسامة لا تغيب وعطاء لا ينضب
لبنى الخميس

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة