Wednesday 26/10/2011/2011 Issue 14272

 14272 الاربعاء 28 ذو القعدة 1432 العدد

  
   

الإعلانات

الإشتراكات

فقيد الوطن

مدارات شعبية

الرياضية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

فقيد الوطن

      

الخطب جلل، والمصيبة فادحة، والأمر عظيم، فليس لنا إلا الدعاء للفقيد بالمغفرة والرضوان من رب رحيم، اللهم اغفر له وارحمه، فقد ودع دنياه واستقبل آخرته، اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة.

لتهنأ يا سلطان بما قدمت، لقد قدمت الكثير من أعمال الخير، ففي كل بلد لك شاهد يشهد لك بالخير، ويدعو لك بالمغفرة، فأعمالك الخيرة ستخلد ذكرك، فأنت باقٍ في القلوب، حاضر في الأذهان، وإن غاب جسدك وتوارى جثمانك.

لقد انطوت دنياك فهي أيام معدودة، وشهور محسوبة، استأثر الله بعلم النهاية لحكمة يعلمها ونجهلها. لقد غبت عن دنياك بعد أن سطرت سيرة عطرة، بدأتها بالعمل في خدمة الدين والوطن ولم تبلغ العشرين، فشرفت بالعمل تحت راية والدك العظيم مؤسس الدولة وباني المجد لآل سعود، وللبلاد السعودية. لقد بدأت عملك بالإدارة المحلية في عاصمة الدولة الرياض، فأرضيت العاقل وتجاوزت عن الجاهل، وأعنت طالب الحاجة، وملأت فم الجشع بحكمة الكبار ونشاط الشباب، فأعجب والدك بإدارة تنبئ عن مستقبل مثمر، وهكذا خطوت يا سلطان، فشغلت وزارات أدرتها بحكمة، فالجميع راض عن إدارتك؛ لأنك تهين المال، وتقدم الكلمة الطيبة، وتتغافل عن الكلمة النابية حين تطيش عن لسان جاهل أو من فم رجل فَقَدَ السيطرة على عقله وعواطفه. إن سلطان بن عبدالعزيز إداري بارع متفهم لطبائع النفوس ونزعات العواطف، لا يستعجل في معاقبة صاحب الذنب حتى يقف بنفسه على جرمه. إن المحطات الإدارية التي أدارها ولي العهد الراحل تشهد له ببُعد النظر، والدراية في أمور العاملين معه، وفي شؤون الناس الذين تمتد إليهم إدارته، ثم إن شروحاته تظهر بلاغة أدبية، وإحاطة بأمور الدين، واطلاعاً على دقائق التاريخ؛ فهي جديرة بالجمع، والاستفادة منها؛ فهي تمثل فترة تاريخية، كما تمثل قامة رجل مارَسَ الإدارة بفَهْم التاريخ وطبائع النفوس.

لقد كانت المحطة الأخيرة وزارة الدفاع التي شغلها سنوات امتدت إلى وفاته، وعندما آلت إليه ولاية العهد احتفظ بوزارة الدفاع، وخير من يتولى الدفاع عن الوطن الرجل الشجاع، وشجاعة ولي العهد تشهد لها المواقف، ومن تلك المواقف موقفه الشجاع في مجلس أخيه الملك فيصل، فقد تصدى للقاتل وأمسك به، والموت يخيم على الموقف، وينتزع روح الملك فيصل بن عبدالعزيز، إنها شجاعة رجل لم يدب الخوف إلى قلبه، ولم يؤثر في يده الصلبة التي حسمت الموقف، وأوقفت الشر، فهي بطولة نادرة، وشجاعة مقدَّرة، شهد لها مَنْ في المجلس بالتصرف الحكيم وإيقاف اليد التي امتدت إلى ملك البلاد، وشجاعة المواقف المفاجئة معدودة في التاريخ، منها شجاعة عمرو بن كلثوم عندما سمع استغاثة أمه فانتزع سيفاً معلقاً في مجلس الملك عمرو بن هند وقتل به الملك. إن شجاعة خوض المعارك قد تهيأ لها المحارب، أما شجاعة المواقف المفاجئة فهي التي تضع الشجاع على المحك.

وسلطان بن عبدالعزيز خطيب مصقع، ومتحدث بارع، هُيِّئت له البلاغة، يتدفق الكلام من بين شفتيه في يُسر وسهولة، لا تصعب عليه كلمة، ولا تعوزه عبارة، يفتق المعاني في إقناع المنطقي حتى يصل إلى هدفه، مع تواصل مع المتلقي. لقد استمعت إلى خطب سلطان بن عبدالعزيز وأحاديثه مراراً وتكراراً، فيزيدني الاستماع استزادة ورغبة في التواصل مع الحديث المؤثر، والخطب المقنعة. وعن مهارات ولي العهد في الحديث حسن الرد على الصحفيين، وتلك مهارة أوتيها سلطان بن عبدالعزيز، فلا يَرِدُ عليه سؤال إلا ويردُّ عليه أحسن رد، في جُمَل بليغة، ومقنعة، مع إيجاز في القول، وحكمة صائبة، دون تعثر أو تراخ في الإجابة، إنها المهارة القولية، يَسِمُهَا اللفظ، ويدعمها المعنى.

ومن خصال سلطان بن عبدالعزيز الكرم، فقد اشتهر به، فهو طبع فيه، فالناس يتحدثون عن كرمه في المجالس، فقد سرى كرمه في الناس، وأصبح مادة للحديث، فلا يذكر سلطان بن عبدالعزيز إلا والكرم مقروناً باسمه، ومما يتصل ببذله وعطائه حبه للخير، فالديات التي دفعها وحقنت الدماء كثيرة، وهو يدفعها لوجه الله، انطلاقاً من محبته للناس، وإدخال البهجة والسرور على ذوي القاتل؛ فتلهج الألسن بالدعاء لسلطان بن عبدالعزيز الذي أنقذ ابنهم من حد السيف المصلت على رقبته، فأي فرحة تعادل فرحة الناجي من القتل والخارج عن السجن، إنها فرحة أهداها سلطان بن عبدالعزيز لذلك الإنسان وذويه، ثم إن السجناء الذين تحمل سلطان بن عبدالعزيز ديونهم وأخرجهم من السجن يدعون له في هذا الموقف الذي تتوقف فيه الأعمال، فنرجو من الله أن يتقبل دعاءهم في الترحم على سلطان بن عبدالعزيز، ومؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية امتداد لحبه للخير، فهذه المؤسسة بفروعها المتعددة تخدم الإنسان في صحته وغذائه، لقد أسهمت في علاج المرضى، وأصبحت من المؤسسات الصحية المحترمة.

وإذا كان حب الخير للإنسان من سجايا سلطان بن عبدالعزيز فإن هذا العطف والحب قد امتد إلى الحيوان والنبات؛ فقد اهتم الأمير سلطان بالبيئة والحياة الفطرية؛ فرأينا يده الكريمة تطلق الحيوان البري في بيئته الطبيعية، في المحميات التي أنشئت لحفظ الحيوان والنبات من الانقراض، فالحفاظ عليها رؤية بعيدة النظر.

وسلطان بن عبدالعزيز من ساسة العالم المعدودين، فهو سياسي محنك محيط بالعلاقات الدولية، ومفاوض قادر على أخذ الحق من الآخر لخدمة الوطن، وزيارات الأمير سلطان لكثير من دول العالم تثبت ذلك، إضافة إلى إسهامه في الأمم المتحدة، والشأن الإسلامي من اهتمامات سموه، فقضايا العالم الإسلامي هي همه الأول، وفي مقدمتها قضية فلسطين والقدس، فهي حاضرة في ذهنه، مقدمة على غيرها. ومن اهتمامات الأمير سلطان حسن الجوار، فهو يسهم دائماً في قضايا الجوار، من مساعدة مالية، أو حل قضية، نلحظ ذلك في علاقة المملكة باليمن وغيرها من دول الجوار، فالجار أوصى به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك تحملت المملكة أعباء هذا الجوار. ولسلطان بن عبدالعزيز اليد الطولى في الحفاظ على الجار وأمنه ومساعدته، إضافة إلى كف الأذى عنه.

وسلطان بن عبدالعزيز شخصية مؤثرة حيث حلَّت في داخل المملكة وخارجها، نستنتج ذلك من زيارات الأمير سلطان في داخل المملكة وخارجها، فالصحافة المحلية والعربية والأجنبية تحرص على مؤتمراته الصحفية، وهذا ما نلحظه ونشاهده، فتأثيره في السياسة والصحافة أمر واقع لا يحتاج إلى دليل، ثم إن اهتماماته المتشعبة وأعماله المتنوعة جعلت من شخصيته مطلباً لأصحاب الاهتمام بالشأن السياسي أو البيئي أو العسكري أو الإنساني، فسلطان بن عبدالعزيز موسوعة في معرفة القضايا السياسية والساسة، خبر السياسة في دقها وجلها.

إن فقد هذه الشخصية ليس بالأمر اليسير، ولكن هذا قضاء الله، لا راد له.

 

سلطان سيرة عطرة
أ. د.عبد العزيز بن محمد الفيصل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة