Wednesday 26/10/2011/2011 Issue 14272

 14272 الاربعاء 28 ذو القعدة 1432 العدد

  
   

الإعلانات

الإشتراكات

فقيد الوطن

مدارات شعبية

الرياضية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

فقيد الوطن

      

الكتابة عن رمز عظيم جمع المجد من أطرافة ليست بالعملية السهلة؛ لأنك في هذه الحالة الخاصة والاستثنائية ستقف حائراً أمام سجلات ضخمة تسطر بحروف من ذهب مسيرة طويلة مطرزة بكَمٍّ هائل من العطاءات والإنجازات والصفات الإنسانية الفريدة، التي قَلَّ أن تجتمع في رجل واحد؛ فلا تدري من أين تبدأ وإلى أين ستنتهي؛ إن اختصرت ظلمت وأجحفت، وإن استطردت وتوسعت تجاوزت حدود المقال. ورمز بقامة الأمير سلطان بن عبدالعزيز - يرحمه الله - من الصعب أن يجود الزمان بمثله؛ فقد وهبه الله قبولاً وحباً في قلوب الناس؛ فهو من النوع الفريد في القيادة، يؤثر ويتأثر، وبابتسامته الفطرية يجذب الملايين. يملك «كاريزما» نادرة تستحق أن يحللها الباحثون في القيادة؛ ليقدموا خلاصتها نموذجاً تستفيد منه الأجيال القادمة؛ لما يحويه من قيم إنسانية وصفات يندر أن توجد في رجل واحد هو سلطان، وهو بالفعل مجموعة إنسان.

رحيل الأمير سلطان بن عبدالعزيز أبكى القلوب قبل العيون, ويوم السبت الذي مر طويلاً كئيباً وثقيلاً على الناس بكت فيه الدنيا بأسرها، وظهر لنا أن مساحة المحبة لسلطان بن عبدالعزيز قد تمددت لتشمل أنحاء قريبة وبعيدة من الكرة الأرضية, وفي دول لم نسمع عنها كثيراً أُعلن الحداد حزناً على فقده، وأعلنت دول أخرى إقامة صلاة الغائب على جسده الطاهر, وفي دول مجاورة شقيقة أفردت الصفحات للحديث عن مسيرة سلطان الخير والعطاء، وخصصت معظم القنوات الفضائية برامج استثنائية لرصد حياة سلطان الإنسان والقائد والسياسي المحنك والمواطن المخلص والمحب لبلاده وإخوانه وأخواته أبناء وبنات هذه البلاد الطاهرة، وأوقفت برلمانات عالمية جلساتها دقيقة من الزمن حداداً على روحه؛ لما له من مكانة عظيمة في كل دول العالم.

من عادات الكرام أن تسألهم العون أو المساعدة وبذل الجاه فيجيبون سؤالك، ويبذلون الجهد لإسعادك، لكن سلطان الإنسان خالف هذه القاعدة؛ فبدلاً من انتظار السؤال أو طلب الشفاعة رفعاً للإحراج عن السائلين كان سريع المبادرة للبذل والعطاء وعرض المساعدة, وفي المقطع الذي أبكاني مثلما أبكى العالم، وحواره مع الطفل المعاق، تجلَّت كل الصفات النبيلة من تواضع ورحمة وحب وعطف وكرم وسخاء ومبادرة لفعل الخير وبذل واهتمام, وتجلَّت مبادرته للطفل عندما قال للطفل «وش تبي أعطيك؟»، وببراءة الأطفال قال أبي «سبحة»، فرد عليه - يرحمه الله - «أبي أعطيك أحسن منها أبي أعطيك سيارة كبيرة عشان تأخذ العائلة كلها»، فرد عليه الطفل الصغير بجسمه والكبير بعقله «مَنْ يسوقها» فرد عليه «يسوقها أبوك» فرد الطفل «لا أبيك أنت تسوقها» فبادره على الفور ودون تردد «أبشر على هالخشم». كان - يرحمه الله - يحمل الحب للجميع، ويبادلهم المشاعر، وعندما قال له الطفل بتعبير الطفل الصادق «أنا أحبك» قال له «وأنا أحبك بعد وأحبكم كلكم»، في إشارة صريحة لمقدار الحب الكبير الذي يعمر قلبه، حب يسع الجميع دون استثناء, وحب يرق أكثر عند الشيخ الكبير والمرأة المسنة والطفل الصغير وصاحب الحاجة.

رحمك الله يا سلطان الخير فستبقى في الذاكرة ونهر العطاء الذي أتمنى ألا يتوقف؛ فأبناؤك الكرام هم تربيتك وهم من يستحضرون مسؤولية حمل الأمانة العظيمة من خلال مؤسسات الخير التي زرعتها في كل مكان يشهد لك عند الله.

shlash2010@hotmail.com
 

مسارات
نهر العطاء الذي توقف
د. عبدالرحمن الشلاش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة