Thursday 27/10/2011/2011 Issue 14273

 14273 الخميس 29 ذو القعدة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

فقيد الوطن

 

فقيد الوطن والعرب والمسلمين
طلال محمد نور عطار

رجوع

 

عرف الأمير سلطان بن عبدالعزيز - يرحمه الله رحمة واسعة - بحبه لوطنه وإخلاصه وتفانيه في خدمته لأكثر من ستة عقود، فقد نال ثقة والده الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود متقلداً في حياته لأكثر من منصب بدأت برئاسة الحرس الملكي، فإمارة منطقة الرياض ثم وزيراً للزراعة والمواصلات، ثم عين وزيراً للدفاع والطيران والمفتش العام والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز، فولياً للعهد مع الاحتفاظ بمنصب وزير الدفاع والطيران والمفتش العام في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.

حرص - طيب الله ثراه - في كل المناصب والمراكز القيادية التي تولاها على خدمة دينه ووطنه ومواطنيه بصدق وأمانة وإخلاص، فالقوات المسلحة - براً وبحراً وجواً - كافة قطاعاتها غدت درعا دفاعيا قويا حصينا كان له الفضل بعد الله في تمكنها من ردع كل متربص بسيادة الوطن وأمنه، ويعد الأسطول الجوي المدني أكبر أسطول جوي في المنطقة وكان لترؤسه - يرحمه الله رحمة واسعة للهيئات واللجان أثراً كبيراً انعكست في تطور التعليم وحماية البيئة والحياة الفطرية والصناعات الحربية والتوازن الاقتصادي وفي مجال السياحة والآثار بالإضافة إلى دعم الأبحاث في مجال الخدمات الإنسانية والطبية والعلوم التقنية.

ويأتي الجانب الإنساني والخيري والإغاثي جزءاً لا يتجزأ من حياته، فقد لقب بلقب «سلطان الخير» لما أولى هذا الجانب من اهتمام بالغ ومحبته للعمل الخيري ومساعدة المرضى والمحتاجين، وكل من يحتاج إلى العون أو المساعدة، وقد ترجم ذلك عملياً في مؤسساته الخيرية التي عمّ خيرها داخل هذا الوطن وخارجه، ومن هذه المؤسسات التي تحظون الآن: مؤسسة الأمير سلطان الخيرية، ومركز الأمير سلطان بن عبدالعزيز لرعاية المعاقين، ومدينة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الإنسانية، وهي مركز تأهيلي طبي، يقدم للمرضى والمراجعين أفضل مستوى من الرعاية الطبية من خلال أطباء من ذوي الكفاءة العالية، والمعالجين الفيزيائيين الممرضين والهيئة الطبية المساعدة، وبرامج تعليمية وعلاجية للذين في حاجة إلى متطلبات خاصة بسبب الإعاقة البدنية والاعتلالات والمشكلات الصحية المعقدة.

وقصة إنشاء لجنة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخاصة بالإغاثة في أفريقيا مؤثرة لا تزال عالقة في الذهن، فقد شاهد - يرحمه الله- فيلما عن الفقر في إحدى الدول الأفريقية، في صحراء النيجر امرأة مسنة تحفر بيوت (النمل) لتأخذ منها ما جنى النمل من حبوب لتقتات بها وأبناؤها، وسرعان ما أمر - يرحمه الله- بإرسال إغاثة عاجلة إلى النيجر، ومنها: انطلقت أعمال اللجنة إلى باقي البلدان في أفريقيا.

وفي خدمة كتاب الله القرآن والحث على دراسته وحفظه والعمل به امتدت أياديه البيضاء بدعم جمعيات وهيئات تحفيظ القرآن الكريم في مختلف أنحاء العالم وكذلك المسابقات القرآنية في قارتي أفريقيا وآسيا.

ومن المواقف التي لا يمكن نسيانها أو تناسيها مع سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز - يرحمه الله رحمة واسعة - اهدائي لسموه في قصر المعذر باكورة نتاجي الفكري، مؤلفات، الأول: بعنوان: «التمثيل الدبلوماسي والقنصلي بين المملكة العربية السعودية والعالم الخارجي»، والكتاب الثاني بعنوان: «المملكة العربية السعودية وهيئة الأمم».

تناول - يرحمه الله- الكتابين بلهفة وشوق لمعرفة ما تضمناه فبدأ بقراءة الإهداء في كتابي الأول الذي كان لسمو وزير الخارجية، فمقدمة الكتاب، ثم قلب صفحات الكتاب الثاني، وقبل أن يضع الكتابين بجانبه، شكرني على الإهداء، وأضاف: لم أطلع من قبل على مثل موضوعي كتابيك، أهنئك على ما بذلت فيهما من جهد ووقت، وبارك الله فيك في اختياراتك الموفقة، وسر على بركة الله في إبراز الموضوعات التي لم يتطرق إليها الباحثون من قبل، مثل موضوعي الكتابين اللذين أهديتني إياهما الآن، فلم يسبقك حسب علمي أحد من قبل، ومحتويات الكتابين تدل على أنك متخصص في هذا المجال.

قلت: عملي الحالي - طال عمرك- تطلب مني أن أبذل بعض الجهد لعدم توفر كتب متخصصة لاسيما في علاقة بلادنا بالهيئات الدولية والإقليمية، هناك كتاب ثالث تحت الطبع بعنوان: (المملكة العربية السعودية والمنظمات الدولية).

وعندما أنهيت كلامي، وهممت بالانصراف، طلب مني البقاء، وأضاف يرحمه الله: أنا فخور بك كما أنا فخور بعمك أحمد الذي أثرى المكتبة السعودية بمؤلفاته، أرجوك أن تستمر في هذا الطريق أن تبرز مكانة بلدك، فهناك من لا يعرف شيئاً عنها خصوصاً في هذه الموضوعات التي أشرت إليها في مؤلفاتك الثلاثة سر يا أخ طلال وأي شيء يقف في طريقك، فأنا مستعد على تذليل أية عقبات تعترضك.

شكرته - يرحمه الله رحمة واسعة - على هذه الأريحية، وأشرت إلى أنني سأقدم لسموه الكريم باقي مؤلفاتي المطبوعة في دائرة الوطن، وكذلك في الدوائر الأخرى بعد الانتهاء من تجليدها. قاطعني يرحمه الله لا تكلف على نفسك أرسلها بدون تجليد، فهي مقبولة.

لم أتمكن - آنذاك - من إرسالها لسموه لمباشرتي لمهام عملي الجديد كسفير (القائم بأعمال سفارة خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية غينيا)، وانشغالي بأعمال السفارة، فأرجيت إرسالها إلى وقت آخر.

ومن المواقف التي -لا تزال- عالقة بالذهن شعوري بأنه من الواجب كرئيس بعثة لهذا الوطن في الخارج أن أنقل ما سمعته في صالة (VIP) في مطار داكار من كبار المسؤولين في الحكومة السنغالية وبعض رجال الأعمال الأجانب الذين يترددون بين الحين والآخر على بلدان غرب القارة الأفريقية في طريق عودتي إلى مقر عملي في كوناكرى أن هناك توجها من الخطوط السعودية بإقفال مكتبها الدائم في داكار! وبالاستفسار من المسؤول عن المكتب في داكار عن السبب، فأشار إلى أنه يقال: لعدم وجود جدوى اقتصادية!

حينما عدت إلى مقر عملي في كوناكرى شغلني إقفال المكتب لدرجة لم أرتح حتى أنهيت الخطاب الذي أعددته لمعالي وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، نقلت فيه حرفياً ما سمعته مع إبداء ما أراه مناسباً في هذا الخصوص بضرورة استمرار أعمال المكتب في داكار لأنه يخدم كل المسافرين إلى بلدان غرب قارة أفريقيا من الحجاج والمعتمرين والتجار ورجال الأعمال مع إبراز مكانة بلادنا في قلوب الأفارقة المسلمين في هذا الجزء من القارة الأفريقية الذين تهفو نفوسهم من زرافات ووحدانا لأداء مناسك العمرة والحج، في كل عام وتفضيلهم للخطوط السعودية على باقي الخطوط الأخرى.

وأضفت: أن لا يكتفي بالجانب المادي في بقاء أو عدم بقاء المكتب خاصة في علاقاتنا مع البلدان الإسلامية، وإنما يتصدر الجانب العقدي (الديني) على باقي الجوانب الأخرى، خصوصاً وأن السنغال بلد إسلامي، ويتواجد في باقي بلدان غرب أفريقيا، على وجه الخصوص جمهورية غينيا مسلمون، وجاليات عربية مسلمة مقيمة إقامة دائمة في هذه البلدان.

لم يمض أسبوعا واحداً، وصلتني في الحقيبة الدبلوماسية أصل برقية في مظرف مغلق كتب عليها بخط اليد (يفتح بيد سعادة السفير في كوناكرى) وفي داخل المظروف مرفق مع البرقية نسخة من البرقية المرفوعة لسمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز من قبل سمو وزير الخارجية متضمنة نقلاً حرفياً لما جاء في خطابي وما أبديته آنفاً من رأي في هذا الصدد، ونسخة أخرى من موافقة سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز الذي تضمن حرفياً إعادة المبررات التي ذكرتها في خطابي المشار إليه أعلاه بضرورة بقاء المكتب في أداء خدماته.

شعرت بالفخر أن تفهم سموه يرحمه الله لما أبديته من ضرورة استمرار مكتب السعودية في داكار.

وفي طريق عودتي في إحدى رحلاتي إلى الديوان العام في مهمة رسمية قابلت في الدار البيضاء مدير عام الخطوط السعودية هناك أبدى ارتياحه لمبادرتي الخاصة بضرورة استمرار المكتب في داكار لأنه يخدم بلدان غرب أفريقيا، لا يزال المكتب حتى اليوم يؤدي خدماته للمسافرين إلى هذه البلدان.

ولابد أن أشير هنا إلى موقف سمو الأمير سلطان بن عبدلعزيز النبيل الذي يخفق روحه الإنسانية دائماً بالمحبة، وتجعل القلوب معلقة به، فقد كنت اشتكي من آلام وتقلصات معوية شديدة تنتابني بين الحين والآخر أثناء تسلمي مهام عملي كسفير (القائم بأعمال سفارة خادم الحرمين الشريفين لدى جهورية غينيا)، فبادر سموه الكريم بالأمر بصرف تذكرتي سفر ذهاباً وإياباً لي ولمرافقي إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج على نفقة سموه الكريم مع شرهة كبيرة تسلمتها من مكتب الملحق العسكري في واشنطن.

تمكنت بحمد الله أن أجري فحصاً شاملا لمعاناتي، وعدت إلى مقر عملي، وقد شفيت تماماً مما كنت قد عانيت منه بفضل الله ثم بفضل هذه المبادرة الكريمة من لدن سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز طيب الله ثراه. أسأل الله تعالى أن يتغمد الفقيد الغالي فقيد الوطن والعرب والمسلمين بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجزيه عن كل ما قدم من مآثر خير الجزاء، وأن يلهم أهله والأسرة المالكة الصبر والسلوان). و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة