Friday 28/10/2011/2011 Issue 14274

 14274 الجمعة 01 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

فقيد الوطن

      

لعمري ما الرزيةُ فقدُ مالٍ

ولا شاةٌ تموتُ ولا بعيرُ

ولكنَ الرزيةَ موتُ فردٍ

يموتُ بموتهِ خلقٌ كثيرُ

مصاب جلل، وخطب وقع وحل، وما نقول إلا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.. توفي سلطان بن عبد العزيز الإنسان، وبقيت مآثره في كلِّ مكان، توفي وقد ترك صدقات جارية، وأعمالاً يُنتفع بها، وشعوباً تدعو له.. بكى عليه ملايين المسلمين وغير المسلمين.

يا سلطان الخير، لم تندم على التفريط في زمن البذار، فقد بذرتَ وجاد غيثك، وهمي على من تعرف ومن لا تعرف، وستخلد ذكرك دواوين مسطرة، وستلهث بمحامدك ألسن معطرة. آه. كم وعد على يديك أُنجز، وكم مطلب بجاهك استعجل وحفز، وكم تائه رمته النوائب فكنت تقاته، وكم مكلوم ارتقت له الجوانح فكنت رقاته، وكم من امرء قرب منك فكثر لديه السعد، ولله الأمر من قبل ومن بعد. لم يكن منك لواجبٍ إغفال بل طلاقة محياك بشرها سَلْسْالُ.

فقدناك فُقدان السحابةِ لم تزلْ

لها أثرٌ يُثنِي به السَّهْلُ والوعِرُ

جودك بحر غزير سائغ ليس له نظير، وأجمل ما فيه أنه سحابة ريا، أفقها واسع وميدانها شاسع، تساقط ماؤها هطلاً فأنبتت رغم أنفها الخزامى، كنا نسمع عن فضلك في كل يوم عجائب، وتطلع من ألطاف برك غرائب، ولم تقصر ذلك على من اعتزى إلى جُمْلتِكْ أو تَمَسَّكَ بقُربتِك، بل تجاوزت خطاك الآفاق، وغطى ندى يديك البار والعاق.

تذكّرت وتذكّرت أبياتاً سبق أن قلتها فيك اخترت منها بيتين لصفتين جسّدتا خصالاً تحلّيت بها، ستظل عالقة في أذهان الكثير آماداً طويلة:

قدْ خصَّكَ الله بالأخلاقِ تجْمَعُها

حتى غدت للورى ضرباً من السِّيرِ

فالسِّنُ ضاحكةٌ، والكفُ مانحةٌ

وفي فِعَالِكَ ما يُغني عن الخَبَرِ

وأقول ما قال غيري: إن الحياة لبني الدنيا مراحل، والمنايا لجميعهم مناهل، والأعمار كالأسفار، أنفاس معدودة وآجال محدودة، وليس بناج من محتومها أحد، ولا لمخلوق منها ملتحداً، فاللهم اجعل الصبر الجميل لمحبيه سبيلاً، واطفئ ببرد السلوان عليهم غليلاً.

رحمك الله يا سلطان الخير كم خير بذلت، وكم دَيْن سددت، وكم مريض عالجت، جعل الله ذلك في ميزان حسناتك، وأراك ثوابها بعد مماتك، وأحاطك بعفوه وغفرانه، ورحمته ورضوانه.

وأقول لنفسي ما قال ابن زيدون:

هو الدهرُ فاصْبِرْ للذي أحدثَ الدَّهرُ

فمن شيم الأبرارِ في مثلها الصبرُ

ستصبرْ صبرَ اليأسِ، أو صبر حُسْبَةٍ

فلا تؤثرْ الوجهَ الذي معه الوزرُ

إذا الموتُ أضحى قَصَرَ كل مُعمَرٍ

فإن سواءً طالَ أو قصُرَ العمرُ

كم هي الألسن التي تلهج لك بالثناء، وكم هي الأيدي التي تضرع لك بالدعاء، فحب الناس لك أكبر مما يوصف، وأمنع من أن يوقف.

رحمك الله يا سلطان، فقد كان جود كفِّك سيلاً منهمراً، وأصبحت في الورى ضرباً من السّير وفي فعالك ما يغني عن الخبر.

 

نوازع
سلطان وضربٌ من السِّير
د.محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة