Monday 31/10/2011/2011 Issue 14277

 14277 الأثنين 04 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

زوايا

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وحدة وطن

 

تعيين الأمير نايف وليًا للعهد.. حكمة القرار وتأكيد الوحدة
د. إبراهيم الميمن

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين, وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وبعد:

فلقد عاش وطننا الحبيب المملكة العربية السعودية أيامًا حزينة, وساعات عصيبة بفقد أحد قادة هذا الوطن, وأبرز رجالاته, إنه سلطان الخير فقيد الوطن والأمة, وما من شك أن فقد القادة والعلماء مصيبة من أعظم مصائب الدهر, إذ يعظم الشعور بالمصيبة بقدر عظم المفقود, ويشتد الولع والأسى بقدر التعلق بالمفقود, والقادة المصلحون من أعظم مفقود, وأعز غائب, بفراقهم يشتد الألم, ويعظم الحزن, وما ذاك إلا أن الله ثبت بهم أركان البلاد, وجعلهم حماة على عقائد الناس وأديانهم وأموالهم وأعراضهم وجميع شؤونهم, فوجودهم رحمة للناس جميعًا, يقول شيخ الإسلام رحمه الله: «يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين, بل لا قيام للدين إلا بها, فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع, لحاجة بعضهم إلى بعض, ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس, حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» رواه أبو داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما,... فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيهًا بذلك على سائر أنواع الاجتماع, ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, ولا تتم ذلك إلا بقوة وإمارة, وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة, ولهذا روي: «أن السلطان ظل الله في الأرض», ويقال: «ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة بلا سلطان», والتجربة تبين ذلك» ا.هـ.

وصدق رحمه الله, فمصالح الدين والدنيا كلها لا تتم إلا بالولاية, ولذا فإن مكانة القائم بهذه الولاية مكانة عظيمة في قلوب رعيته ومحبيه, مكانة تنطلق أولاً من اعتبار الشريعة لها, حيث جعلت الولاية دينًا وقربة يتقرب بها العبد إلى الله كما يتقرب بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}, وتنطلق ثانيًا على وجه الخصوص في ولاة أمرنا أنهم امتداد لسلف صالح, تعاهدوا على نصرة الدين, والدعوة إلى التوحيد ورفع رايته, وتحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, والسير على طريق السلف الصالح, وهذا هو سر التمكين ولم الشمل, وجمع الكلمة الذي أصبح سمة لهذه البلاد وأهلها رعاة ورعية, فأسسوا دولة عزيزة مهابة الجانب, أساسها عقيدة التوحيد الصحيحة, وقاعدتها الإيمان والأمان, سداها الإسلام والسلام, ولحمتها المحبة والائتلاف, والاتفاق والتعاون على البر والتقوى, ارتسمت الدولة هذا المنهج في شأنها منذ تأسيسها على يد الملك الصالح المجاهد, الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -يرحمه الله-, ومن بعده أبناؤه الأوفياء, وستظل بإذن الله هذه البلاد على النهج القويم لا تؤثر عليها المؤثرات, ولا تصرفها الصوارف بإذن الله, وإذا قامت البلاد على هذه الثوابت, وتكاتف أهلها على ذلك فلا غرو بعد ذلك أن تلتقي القلوب والمشاعر على التفاعل مع كل حدث يحدث, لأنه جسد الأمة المتوحد الذي تؤثر فيه المؤثرات ولكنها لا تغيره, وهذا ما عشناه في الحقبة, حيث فجعنا جميعًا بل فجع العالم كله بفقد صاحب السمو الملكي الأمير- سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله, وتغمده بواسع رحمته, وأسكنه فسيح جنته-, الذي عظم الخطب بفقده, وجل الأسى لفراقه, لعظم المكانة التي بوأها الله له في القلوب, ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا, وإنا لله وإنا إليه راجعون, وإنا على فراقك يا سلطان الخير لمحزونون, ولكن ما يخفف المصاب أن الله سبحانه اختار الفقيد إلى جواره, بعد عمر حافل بالإنجازات والعطاءات التي تسجل له بأحرف من نور, ويتجاوز في حجمها وآثارها لغة الأرقام, فلئن مات جسده ووري الثرى فإن أعماله ومنجزاته ودعمه وبذله تبقى شاهدة له, وناطقة بما قدمه لأمته, وقد ورد في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا مات ابن آدم انقطععمله إلا من ثلاث: صدقة جارية, أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له», فاللهم ارحمه واغفر له, وأسكنه فسيح جنتك, وارفع درجته في عليين, واخلف في عقبه في الغابرين, وعزاؤنا ثانيًا في خلفه الصالح, وأخيه الموفق المسدد أمير الفكر والأمن, حيث وفق ولي أمرنا خادم الحرمين وسدد بتعيينه وليًا للعهد, ذلكم النبأ الذي كان ينتظره الجميع, ولذا الفرحة أرجاء وطننا الحبيب حينما أعلن في وسائل الإعلام عن ذلك المرسوم الملكي، والقرار الصائب بتتويج جهود الأمير المبارك، ورجل المواقف الصعبة, أمير الفكر والأمن، صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد, نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، بهذه المسؤولية التي هو جدير بها وحقيق، وإن اللسان ليعجز عن وصف المشاعر، وتتقاصر العبارات دون بلوغ حقيقة الفرحة الغامرة، والبهجة التامة، وإن هذه المشاعر نابعة من يقين وإيمان بأنه الرجل المناسب في المكان المناسب، وفق ولي أمرنا ومليكنا المحبوب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بأن اختار هذا الأمير الشهم في هذا المكان المناسب، وجعله محل ثقته، وموضع أمانته, وعضده ومساعده, فسدد الله ولاة أمرنا، وأدام عزهم.

وإنني أبوح بهذه المشاعر كمواطن يرى في هذا الاختيار دلالات عظيمة، ومؤشرات هامة، أبرزها: التوجه السديد، والنهج الرشيد الذي تبناه خادم الحرمين الشريفين - أيده الله, ومتعه بالصحة والعافية- في الإصلاح والتطوير، وقيادة هذه البلاد إلى آفاق التطور والنماء، والمثالية المنشودة، برز ذلك في كل ما اتخذه - حفظه الله - من قرارات، وما أصدره من مراسيم سامية, اعتمد الماضي كأساس للتطوير والمعالجة واستلهام العبر والدروس، واستشرف المستقبل الواعد بثقة وتفاؤل، وترسم الحكمة والسداد في إسناد المهمات إلى من هم أهل لها، كما أن من مدلولاتها الرئيسية الدور الذي لعبه صاحب السمو الملكي الأمير- نايف -حفظه الله- في تحقيق الأمن، والحس الأمني مهم في الأبعاد الإستراتيجية لأي مجتمع أو دولة، إذ ما من شك أنه لايمكن تحقيق أي نجاح أو تطور دون اعتبار هذه الحيثية المهمة، ولذا قدم الله عز وجل الأمن على الرزق في قوله عن دعاء إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}.

وهذا الدور الذي قام به أميرنا الموفق لا مزايدة عليه إذ تجاوزت خبرة هذا الرجل العظيم في الجانب الأمني أربعة عقود من الزمن، يواجه خلالها عواصف عاتية، وعايش أحداثاً جساماً استلهم من خلالها ثقافة الأمن, وتشرب هذا الدور في هذه المدرسة التاريخية، حتى حقق الله على يديه نجاحات متوالية، ودرأ الله الخطر عن هذه البلاد، وفي مقدمتها الأحداث الإرهابية، التي تستند على فكر متطرف وافد، بعيد عن الشرع والفطرة، نشاز لا يقبله إلا من لديه خلل في دينه وعقيدته، فقيض الله أميرنا المبارك ليكون على هرم المسؤولية الأمنية، ويعتمد إستراتيجيات بعيدة المدى, تقضي على هذا الفكر وآثاره وتداعياته، وتحسر أضراره، وتكشف رموزه، وقد تم ذلك بفضل الله عز وجل.

ومن دلالات هذا الإسناد المهم، والمسؤولية العظيمة: التماسك والتعاضد والتعاون. والتآزر بين هذا الشعب وولاته، وبين الولاة أنفسهم، وهذا من أجل النعم التي تنعم بها ونحمد الله عليها، وهو في نفس الوقت رسالة لمن يراهن على هذه الصورة المثالية، وما من شك أن قيام هذه اللحمة دلالة قوة، وأساس كل نجاح، وهي منة وهبة من الله، امتن الله بها على رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}, فالحمد لله على هذه النعمة، ونسأل الله أن يحفظها علينا، ويحميها من كيد الكائدين.

أما المشاعر الخاصة التي أحملها تجاه هذا الرجل الفذ، والبطل الهمام، والأمير النابه، والسياسي المحنك، أحد أركان الدولة وعظمائها فهي نابعة من جانب آخر، شرفني الله به، ورأيته عن كثب، حيث شرفت بلقاء سموه - حفظه الله - في مناسبات عديدة، وبصور متفاوتة مابين لقاءات من خلال المسؤوليات، والمؤتمرات والندوات، ولقاءات تخص مسؤولي جامعتي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وحصل ذلك مرارًا، وحقاً حينما نجلس أمام سموه، ونسمع لتوجيهاته ندرك أننا أمام أحد زعماء هذه الدولة، أمير يحمل مؤهلات وصفات الحصيف والقيادي الذي امتلأ قلبه حكمة، واكتسب الخبرة، وعايش الأوضاع الداخلية والخارجية، واجتذبته حنكة والده المؤسس الباني الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه وجعل الجنة مأواه -، رجل لا كالرجال، موسوعي في كل مجال، إن تحدث عن الثوابت والعقيدة فحديث من يمتلك القدرة والتأصيل، ويعتقد أن الله عز وجل إنما مكن لهذه الدولة السلفية المباركة بالتمسك بالعقيدة، ودائماً ما يردد أن العقيدة والدين هي الأساس، وإن تحدث عن الأفكار والمبادئ فحديث المعايش الخبير الذي يدرك حقائق وتفاصيل وأبعاد هذه الأفكار، وتأريخ رموزها، وإن جاء الحديث عن الأمن فرصيد لا مثيل له، وكنز لا يساويه ثمن، وهكذا في كل مجال.

ومن هنا فإن الوطن بحاجة ماسة إلى هذه الخبرة العريقة، والثراء الذي لا يتناهى، فالحمد الله الذي وفق ولي أمرنا لهذا الاختيار المسدد، وما أسعدنا بهذه المناسبة، ونسال الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يحفظ لنا قائد مسيرتنا وباني نهضتنا، وحامل لواء وحدتنا خادم الحرمين الشريفين، وأن يوفقه وسمو ولي عهده الأمين، ويجعلهم ذخراً وفخراً وعزاً للإسلام والمسلمين, ولهذا الوطن العظيم، كما نسأله سبحانه أن يحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، وأن يديم عليها نعمة الأمن والأمان والرخاء ورغد العيش إنه سميع مجيب,,,

والحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

* مستشار معالي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الأستاذ المشارك في المعهد العالي للقضاء، أستاذ كرسي الأمير محمد بن فهد لدعم المبادرات الـشبابية

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة