Tuesday 01/11/2011/2011 Issue 14278

 14278 الثلاثاء 05 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الإعلانات

زوايا

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وحدة وطن

 

إنا لفراقك يا أبا خالد لمحزونون
د. فوزان بن عبدالرحمن الفوزان

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يوم السبت الرابع والعشرين من شهر ذي القعدة يومٌ ليس ككل الأيام، فمع نسائم صباحه الأولى صعقت الأمة، وصعق مواطنو هذه البلاد بخبر وفاة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله. لم يكن هذا الخبر كسائر الأخبار، ولم يكن خبر الوفاة كسائر الوفيات، إنه خبر وفاة رجل في أمة، وأمة في رجل، أفنى عمره - رحمه الله رحمة واسعة- في خدمة هذه البلاد وشعبها.

أبا خالد، إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا لفراقك يا أبا خالد لمحزونون، ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا، فـ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون .

أبا خالد، كيف لنا أن نرثيك، كيف لنا أن نرثي شخصاً بقامتك، خدم بلاده لما يزيد على ستة عقود، بدأها في إمارة منطقة الرياض، ثم وزيراً للزراعة، ثم وزيراً للمواصلات، ثم وزيراً للدفاع والطيران ومفتشاً عاماً، ثم ولياً للعهد، ونائباً لرئيس مجلس الوزراء. كان له في كل منصب من هذه المناصب مساهمات شامخة، وبصمات ستبقى شواهد حية مدى الدهر لما قدمه هذا الأمير الإنسان من الجهد وحسن السياسة والتدبير لخدمة هذا الوطن الغالي. فما من إنجاز من منجزات هذه البلاد عبر العقود الماضية إلا وله فيه بصمة واضحة، في الزراعة، والمواصلات، والتعليم العام، والتعليم العالي، والاقتصاد، والإدارة، والأمن والدفاع وغيرها من المجالات التي أشرف عليها بشكل مباشر أو عبر لجان عليا ترأسها، فكان نعم القائد، ونعم المفكر، ونعم القدوة لمن عمل أو تعامل معه.

أبا خالد كيف ننسى ابتسامتك الدائمة المشرقة، حتى في أحلك الظروف، تقابل بها الكبير والصغير، والأمير والغفير، والمسؤول والفرد العادي من سائر الشعب. ابتسامة تزرع الطمأنينة والحب في كل من قابلك وشاهدك، وتزرع الحماس والثقة في كل من يعمل معك أو حولك لتلهمهم وتشحذ هممهم ليبذلوا كل طاقاتهم في خدمة الدين، ثم المليك والوطن.

أبا خالد كيف نرثيك، إن القلم ليعجز عن التعبير عن المشاعر التي يكنها أبناؤك شعب هذه البلاد الطاهرة لقامة سامقة من وزنك، في هذه الأيام العصبية من تاريخ البلاد. فمناقبك لا تحصى، خصوصاً في مجال البر والخير والإحسان، سواء داخل البلاد أو خارجها. فهل تنساك الأرامل اللاتي أخذت بأيديهن، وهل ينساك الأيتام الذين أنفقت عليهم وعلمتهم، وهل ينساك من أعتقت رقبة قريبه من حد السيف بمالك وجاهك وتقدير الناس لشفاعتك. وهل ينساك المعوزون والفقراء الذين انتشلتهم من فقرهم وبنيت لهم الدور وأغدقت عليهم الأموال، وهل ينساك المرضى الذين سعيت في علاجهم داخل البلاد وخارجها، وهل ينساك المعاقون الذين عملت على علاجهم وإيوائهم، وهل ينساك المشردون والفقراء في الكثير من البلاد الإسلامية الذين امتدت لهم يدك الحانية بمختلف أنواع العون، بل هل تنساك جميع أعمال البر والخير داخل البلاد وخارجها، فما من عمل بر إلا ولك فيه نصيب، وما من صاحب حاجة علمت عن حاجته إلا وحققت مبتغاه.

أبا خالد إن أعمال الخير التي خلفت، والتي لا يعلم عنها إلا القليل من الخاصة، شواهد لإنسانيتك، وقلبك الكبير، وحبك لخدمة الناس والسعي في حوائجهم. جعل الله ما قدمت لبلادك ولشعبك ولشعوب الأرض جميعاً في موازين حسناتك، وأسكنك الله فسيح جناته، في الفردوس الأعلى من الجنة.

وفي الختام، لا يسعني في هذا الموقف العصيب إلا أن أقف عند موقفين شامخين:

أولهما: استقبال خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - لجثمان أخيه في أرض مطار قاعدة الرياض الجوية على الرغم من ظروفه الصحية المعروفة للجميع، وهذا يدل على ما يكنه خادم الحرمين الشريفين للفقيد الغالي من الحب والتقدير، ووفاء خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وما تنعم به هذه الأسرة المالكة الكريمة من التكاتف والمحبة.

الثاني: الموقف الشهم الكريم من الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أمير منطقة الرياض - حفظه الله - بمرافقته للفقيد طوال مكوثه للعلاج خارج المملكة، ولم يفارقه إلا أياماً معدودة لتقبل العزاء في حرمه رحمها الله، ورافق جثمانه عند وصوله إلى المملكة. هذا الموقف يجسد ما يمتاز به أمير الرياض من سمو الأخلاق، والمحبة والتقدير لأخيه الراحل سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله، وعلى ما ينعم به أبناء الملك عبدالعزيز جميعهم من الألفة والمحبة والتقدير لبعضهم. زادهم الله عزاً ومحبة وتكاتفاً وتمكيناً، وجنبهم كيد الفجار وشرور الأشرار، وطوارق الليل والنهار.

وفي الختام لا يسعني إلا أن أتقدم بخالص العزاء والمواساة في هذا المصاب الجلل لخادم الحرمين الشريفين، ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، ولسمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، ولأصحاب السمو أخوان وأبناء الفقيد، وصاحبات السمو أخوات وبنات الفقيد، وللأسرة المالكة الكريمة، والشعب السعودي. وأسأله سبحانه وتعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، ويسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، ويبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، و إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ .

وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لخدمات المجتمع وتقنية المعلومات

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة