Friday 04/11/2011/2011 Issue 14281

 14281 الجمعة 08 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

أم قُمْرَة
علي الزهراني

رجوع

 

تسدل نظارتها ذات الإطار الأحمر ومن بين العدستين، شريط لاصق أصفر، فتنزلق حتى تقترب من أرنبة أنفها وهي تتابع باهتمام من تلفازها الذي لا يُظِهر موضة مذيعيه، سوى باللونين الأبيض والأسود وهنا تعصر ذاكرتها فيتقافز أمام عينيها مشاهد وأحداث مبعثرة حاولت التقاط بعضها بمشباك الذكريات فرأت «خير اللهم اجعله خيراً» هدية زوجها المتوفى عندما كان يداعبها ذات ليلة قمراء وهو يرفسها برجله هائماً» والله يا أم قُمْرَه (لجبلك هدية تفرحين بها وتكيدين أم صندلة) لم تنس عندما ردت عليه وهي تسقط من على سريرها الحديدي الذي يشبه بقايا سيارة كلما أوقفته الإشارة الحمراء اللعينة لوى رقبتها بأعجوبة وهي تُساقِط على الطريق أمعاءها «الله يخليك لي لكن هات إيديك الله ياهبلك في العافية قُومّنيه» تذرف من على وجنتيها الواهنتين دمعات متقاطرة لم يبق من أنفاس زوجها سوى هذا التلفاز وخصوصاً هذا القذافي بنظارته السوداء الشمسية ويرسل عبر خطاباته كلمات تُعْجِبها وتُضْحكها «دار دار بيت بيت زنقه زنقه» ذات مرة في لحظة بِرٍ من ابنها حاول أن يخرجها من شقتها ورغم أنه يعرف ردها في كل مرة لكن هذه المرة شك في قواها العصبية وهي تردد كلمات القذافي فسألها «لماذا يمه تطالعين هذه القناة؟.. وعندما قرب غروب الشمس طلبت من أحد أحفادها أن يصطحبها ليرها دورة المياه المخصصة للنساء ويبدو أن أم قُمْرَة أثقلت معدتها بقهوة لم تنضج بعد وبمعجنات ومكسرات كثيرة حتى أصبحت جاهزة بانفجار «لديتر سيارة» لم يبلّ ريقه منذ شهر وعندما أسدل الليل رداءه، كل أركب عائلته وأولاده فانطلقا تاركين وراءهم أم قُمْرَة كل يتوقع أنها مع الآخر، خرجت الأم وثوبها قد انحشر داخل سروالها» خط البلدة» بدكة كبيرة ومطاط بالكاد يمسك خاصرتيها الواهنتين فأخرجته قليلاً فتناثر ما بقي معها من حلوى وهي تردد: «إلى الأمام بيت بيت... لم تكمل جملتها هذه المرة! بنت في عمر ابنتها قُمْرَة ملثمة مكبلة اليدين جاثية على ركبتيها تصرخ وتستغيث والخاطفون يهيئون مكاناً فرحين كأنهم حول صيدٍ شبّت نار حطبه من كل الزوايا ينتظر الضيوف بنهم نضج وليمة مترقبين التهام فريستهم متسائلين بعد مللٍ متى وقت العشاء؟! هنا وقفت أم قُمْرَة في حيص بيص ماذا تفعل؟ «ياربي وش أسوي ذا حين» فتداعى إلى ذهنها فكرة مجنونة أخيراً وجدت لصوتها الأجش وللون بشرتها فائدة مع هذا الظلام الدامس «والله جبتيها يا أم قُمْرَة» نزعت ملابسا، نثرت شعرها كأنه شجرة عرفج ينتظر حرقه في ليلة العيد! تغطيه الغَبَرَة وعينيها الجاحظتين تلمعان أشبه بقطة برية جائعة تنتظر خروج فأر بين فترة وأخرى! فركضت باتجاه الخاطفين والمكان تحفه أضواء السيارات تُخْرِجُ أصوات رعبٍ مستخدمة إحدى يديها تضربها على حَلْقِها بكفيها.. وبدون مقاومة تذكر سلّم الخاطفون أنفسهم وكلما مر أحدهم من قرب أم قُمْرَة نهرته بكلماتها فازدادوا خوفاً ويستحثون رجال الشرطة بالمضي سريعا بعيداً عن هذه الجنية غير أن أحدهم دخل في موجة بكاء وصراخ غريب مردداً بيت بيت دار دار زنقه زنقه فسقط على الأرض مصروعاً هنا تقدمت أم قُمْرَة «وش بالأخ سلامات اسم عليك» مكررة تلك الأصوات التي أخرجتها عندما رأتهم فسكن هذا الشاب خوفاً من الجنية واقتادوه مع رفاقه وأركبوهم في «الجيب» وبحضور مندوب الهيئة الذي أبدى امتعاضاً من كل هذه القضية مناصحاً أم قُمْرَة بأن ما فعلته خرقاً للشرع وحراماً أن تُكشَف أمام غير محارمها بهذه الصورة فنظرت إليه ساخرة «اسم الله على دمك ودسمك يعني البنت تيه يفكون شرفها وتفشّل أهلها أحسن ولاّ إلّيْ سويته؟!! هناك انتهت من ذكر شهادتها وطلبت من والديّ الفتاة أن تنفرد بهما فقالت «آنا أصريت آجي هنيه عشان أقل لكم حاجة.. بنتكم والله وبالله وتالله إنها شريفة خطفوها ذُوَلاّ الشياب غصب عنها لثموا فمها وكتّفوا ايديها لكنها حُرّة من ظهر حُر! شكر الجميع أم قُمْرَة على شجاعتها فقالت: لا تشكروني أشكروا زنقة زنقة».

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة