Saturday 05/11/2011/2011 Issue 14282

 14282 السبت 09 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

أحصيت عدد الشكاوى من (فقدان الأمل) في الحياة، التي وصلتني خلال أسبوع فوجدتها تتجاوز الخمس عشرة شكوى، تتفق في عدد من النقاط، أولها أنها من شباب في مراحل الثانوية والجامعة، والثانية أنها من ذكور وإناث، والثالثة أن أحوالهم المادية متردِّية، فهم إلى الفقر أقرب، والرابعة أنهم يعيشون في مناطق متعددة، بل إنَّ أحدهم كان من إحدى الدول الخليجية، والخامسة أنهم على مستوى جيد من الاطلاع والمعرفة.

أما شكواهم فهي مركزة على شعورهم بالضيق الشديد، وبعدم الثقة في استقرار الحياة، وإحساسهم بأنهم يعيشون على قارعة طريق الاهتمام والعناية من الأسرة أو المجتمع أو الدَّولة، وبأنَّ الحياة قد أصبحتْ مخيفةً بما تتعرض له من أزمات وثورات وإهدار دماء، وإهدار حقوق، وتضليل إعلامي، وأزمات اقتصادية هائلة.

لعل واحدةً من الرسائل بعثت بها إحدى الفتيات تصلح أن تكون أنموذجاً لنوع الشكوى التي وجهوها إليَّ، تقول الرسالة:

(دكتور.. هذه السنة عجيبة، منذ بدأ الفصل الدراسي، وأنا في ضيق وبكاء يومي.. كرهت الجامعة والدراسة.. ما أقدر أركِّز بشيء أبداً.. تعب جسدي.. ملل.. كسل.. نوم بشكل غير طبيعي، ماذا أفعل، أرجوك.. متعبة جدَّاً).

في إطار هذه الشكوى تدور شكاوى البقية مع اختلاف في الأسلوب، وذكر بعض الأسباب، وبهذه الصورة القاتمة وردتْ تلك الشكاوى، مما يؤكِّد أن الأمر قد بلغ بكثير من شبابنا مبلغاً لا يجوز أنْ يُهمل، وأن نتعامل معه بالأساليب المعتادة من التوجيه الصارم، أو اللوم والعتاب، أو الزَّجر والتأنيب، حينما سألت من تمكَّنت من التواصل معه من هؤلاء الشباب عن أسباب ما يعانون منه، وجدت أنها أسباب عائلية اجتماعية اقتصادية، أحدثت اضطرابات نفسية تحوَّلت إلى ما يشبه الأمراض التي تحتاج إلى علاج.

فمنهم من أشار إلى عدم حصوله على وظيفة بالرغم من القرارات الكريمة التي صدرت بضرورة حلِّ هذه المعضلة، وأنَّ هناك تعقيدات وروتيناً في الإجراءات وشروطاً تعجيزية أجهضت تلك القرارت، وقتلت الفرحة بها.

ومنهم من أشار إلى وجود تمييز (ظالم) بين الموظفين في الدوائر الحكومية لا ينظر إلى الكفاءة، وإنما ينظر إلى القرابة، أو الواسطة، أو العلاقات الخاصة بين الموظف والمسؤول.

ومنهم من أشار إلى وجود (ظلم عائلي) في تعامل الأبوين مع أولادهم من حيث العناية ببعضهم وإهمال الآخرين.

ومنهم من أشار إلى احتياجات مادية لا تتناسب مع دخل الأسرة والفرد، وقد أقسم لي أحد الشباب أنَّ راتبه الذي يتقاضاه من إحدى الشركات وهو سبعة آلاف ريال لا يكفي الأسرة المكونة من ثلاثة عشر شخصاً أكثر من عشرة أيام، مع ما يجده من معاناة مصروفات الكهرباء، وغرامات نظام ساهر المروري، وغلاء أسعار المعيشة.

ومن الفتيات من شكون من تفضيل الأبناء على البنات، وأوضحت إحداهنَّ المشكلة بقولها: أنا الآن في الخامسة والعشرين من العمر، ولم أحظ بعشر ما يحظى به إخوتي من الاهتمام بتزويجهم، فالأسرة كلُّها تُسْتَنْفَر للبحث عن زوجة للابن الذي يصل إلى سن العشرين، ولا تحظى البنت بشيء من ذلك، بل إنني حينما مدحت لأمي أخلاق أحد الشباب من أقاربنا لافتاً نظرها إلى وجود رغبة في الزواج منه، صرخت في وجهي قائلة: هذا شاب عاطل ينتظر وظيفته من سنتين، فماذا تريدين منه؟

وحينما قلت لها: إنه مجتهد في أعمال أخرى مع بعض الشركات، وهذا دليل على أنه جادٌّ عمليٌّ مثابر، أغلقَتْ عليَّ باب الكلام، مع أنها تطالبني يومياً أن أبحث في الجامعة عن الفتاة المناسبة لأخي، علماً بأن حالة أخي أسوأ (عملاً ومادةً) من حالة ذلك الشاب الذي ذكرته لأمي.

شكاوى من آثار نفسية عميقة عند هؤلاء الشباب، وجَّهوها إليّ أملاً في أنْ يجدوا رأياً نافعاً أو نصيحة توجههم إلى الصواب، وهم في ذلك منطلقون من قراءتهم لبعض ما أكتب من الشعر والنَّثر الذي أصوِّر فيه جوانب من مشاعر النفس وأحاسيسها، وعوامل ثقتها بالله التي تمكَّن الإنسان من الاستقرار النفسي، فما بالنا بآلاف الشباب الذين تجاوزوا هذه المرحلة وأصبحوا بحاجة إلى مراجعة العيادات النفسية، ومجالس الرُّقْية الشرعية للتخلُّص مما يعانون؟

الأمر يحتاج إلى وقفة جادَّة من الجميع قبل فوات الأوان.

إشارة:

يا ساحة الألم البعيد، أتيت في

غسق الدجى فرأيتُ فيه زحاما

 

دفق قلم
الشباب وفقدان الأمل
د. عبد الرحمن بن صالح العشماوي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة