Saturday 05/11/2011/2011 Issue 14282

 14282 السبت 09 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وحدة وطن

 

سلطان... كيف حوى البحرَ قبرٌ؟
محمد عبدالله عمر آل الشيخ

رجوع

 

قد استوي الناس ومات الكمال

وصاح صرف الدهر أين الرجال

هذا أبو خالد في قبره قوموا

انظروا كيف تزول الجبال

لم تفتخر العرب قط بذهب ُيجمع ولا ُذخر يرفع ولا قصر ُيبنى ولا غرس ُيجنى إنما فخرها عدو ُيغلب وثناء ُيجلب وُجزر ُتنحر وحديث يذكر وجود في الفاقة وسماح فوق الطاقة ولقد ذهب الذهب وفني النشب وتمزقت الثياب وهلكت الخيل العراب وكل الذي فوق التراب وبقيت المحاسن تروى وتنقل والأعراض تجلى وتصقل والأخبار في مكارمهم تطول.

وهذا هو سلطان بن عبد العزيز في حياته وفي سيرته في الناس من ينسى مع مرور الأيام وفيهم من لا ينسى إلى يوم القيام ولعمر الله إنه باقٍ خالد في ذاكرة الأيام.

تمثلوا حاتماً ولو عقلوا

لكنت في الجود غاية المثل

براك الله حين براك بحراً

وفجر منك أنهاراً غزاراً

وقديما ًقيل في الحكمة «سمه تسمه والأسماء قوالب المعاني» فهل هي فراسة أبيه التي لا تخطئ أم نبوءة ورؤيا صادقة جعلته يطلق هذا الاسم على وليده الصغير أم هما الأمران جميعاً، وفي كلا الحالين فلقد صدق الأمير اسمه الذي حمله وحقق ما أمله والده فيه فتطابق الاسم والمعنى.

مات الأمير سلطان بن عبد العزيز رحمه الله رحمة واسعة وكل حي مصيره إلى الفناء وكل بني آدم للموت سيمضون لكن شتان بين من رحل بعدما ملأ الدنيا كلها فضلاً ومعروفاً ومكارم وإحساناً وبذلاً، وأشهد أهلها على شريف فعاله وكريم خصاله وبين من ذكراه ظلم وغلظة وقسوة وبخل وشح فحياته كلها إساءة ودناءة وشر وبلاء.

لقد عاش الأمير حياته وقضى عمره الذي كتبه الله له في هذه الدنيا، فترعرعت المكارم على يديه وبعث المروءات وأحياها بعد موتها وأقام معالم الأخلاق.

عشق المكارم فاستهام بها

والمكرمات قليلة العشــاق

وأقام سوقاً للثناء ولم تكن

سوق الثناء قبله تعد في الأسواق

فاذكر صنائعه فلسن صنائعاً

لــكنهن قــلائد الأعناق

عاش حياة كل لحظة فيها ملأها الأمير خيراً وأودعها عطاءً وبراً فأضحت سيرة حميدة ومسيرة كريمة لا يمكن أن تذهب أو تزول من عقول الناس وقلوبهم إلى آخر الدهر.

فرسم أجمل صورة له وخلف بعده أعطر ذكرى.

قال يزيد المهلب:

«أحب شيء إلي الحياة وأحب لي من الحياة الثناء الحسن وددت أنني إذا مت تكون لي أذنان أسمع بهما ما يقال بعدي في من المدح».

وليت سمو الأمير وهو من بذل وأنفق لله وابتغاء وجهه والدار الآخرة يسمع ما قيل بعده فيه من المدح ويبلغه ضجيج الأصوات دعاءً من عموم الخلق والذين هم شهود الله على خلقه في أرضه وهو سيلقى رحمات ربه وسيجد ثوابه وجزاءه وعاقبة ما عمل من خير في هذه الدنيا، لقد كان موت الأمير نازلة ومصيبة حلت في كل بيت ورنة حزن صدعت قلب كل مسلم وعربي ناهيكم بأبناء هذه البلاد.

نعم !!! من عاش هذه الحياة وأبقى هذا الإرث الضخم سيكون رحيله حتماً مدوياً مؤلماً يحسه ويشعر به الجميع ممن يقيم على وجه هذه البسيطة ويحيا عليها.

لقد كان الأمير سلطان في حياته كلها جبلاً شامخاً لم يدرك علوه أحد فتقاصرت همم الرجال عن بلوغه فظلوا تحت سفوحه عاجزين عن صعوده مكتفين برؤيته فمن ذا يصعد مراقي الأمير ويبلغ مقاماته.

الأمير الذي عاش باسم الثغر باسط الكف كبير القلب رقيق النفس، له في كل قلب مكانة ومنزلة وفي كل نفس محبة وقدر ومودة. ينبغي أن تكون حياته نبراساً ونموذجاً يقتدي بها الجميع.

هكذا جمع الله الخير كله فيه فتجلى في شخصه وتمثل عرضاً في ذاته بشراً سوياً.

هذا هو سلطان بن عبد العزيز.

يقول أحمد شوقي:

الابتسامة نصف الكرم

وسلطان وهو الآية في الكرم والغاية في الجود ومن تفجرت من راحتيه ينابيعه وجرت أنهاره يشهد له بذلك الثقلان ويقر به كافة من عرفه كافة من عرفه أو سمع به.

سر ابتسامته الدائمة وبشاشة محياه وطلاقة وجهه خلق الكرم الذي جبله الله عزوجل عليه وحببه فيه وحببه إليه، أتدرون لماذا كان الأمير رحمه الله دائماً يبادر قاصديه بعبارته الشهيرة «وش تأمر به» لأنه يعلم أن الكرم ما كان ابتداءً، أما ما كان سؤالاً فحياء وتذمم، فالكرم هو زمام يقود معه كل خير، كما أن البخل زمام يقود معه كل شر فهو خلق ينبني عليه ويتصل به أخلاق كثيرة وسجايا عظيمة.

فمن للسؤال ومن للنوال

ومن للمقال ومن للخطب

ومن للحماة ومن للكماة

إذ ا ما الكماة جثوا للركب

لما قيل مات أبو خالد

فتى المكرمات قريع العرب

فقد مات عز بني آدم

وقد ظهر النكد بعد الطرب

لله درك من فتى فجعت به

يوم البقيع حوادث الأيام

هش إذا نزل الوفود ببابه

سهل الحجاب مؤدب الخدام

فإذا رأيت شقيقه وصديقه

لم تدري أيهما أخو الأرحام

حبيب إلى الزوار غشيان بيته

جميل المحيا شب وهو أديب

أخبرني أحد الثقات ممن كلفهم الأمير بمسئولية لجنة إغاثة لإفريقيا أنه طلب منهم بادئ الأمر الذهاب لهناك والبحث في ظروفهم والرفع بها وقدم سموه منحة مالية، وحينما وصل هناك كتبوا إليه بأن المجاعة أسوأ مما كانوا يتوقعون مما يتطلب مبالغ أكبر فأمر الأمير رحمه الله بأموال أكثر مما سألوا وحينما اقترحوا أن تكون هناك تغطية إعلامية لهذه الأعمال الخيرية كان رده رحمه الله توقيعاً( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً).

وذكر لي أحد قضاة مدينة الطائف أن الأمير بنى في الطائف أكثر من أربعة عشر جامعاً وهذا الحديث قبل ما يزيد على خمسة عشر عاماً هذا سوى مساجد الفروض. فما هو مجموع ما بناه من المساجد والجوامع في بقية المدن وفي الخارج أيضاً.

ستظل حياة الأمير شيئاً يفوق الخيال ويستعصي على الوصف، كان بشراً في ذاته أما الأخلاق والصفات والسجايا فأظنه يفارق الورى ويختلف عن البشركيف يكون منهم وليس فيهم من يستطيع محاولة أفعاله وتقمص أخلاقه والتشبه به في مكارمه ولو لساعة من الزمان. رجل أمضى حياة طويلة مباركة تجاوزت الثمانين من عمره وهو في كل يوم يحير الألباب ويأخذ بمجامع القلوب ويسلب العقول تاركاً عارفيه وكل سامعٍ به في حيرة وتعجب مذهولاً من حكاياته وأخباره فليس ثمة ما يقال سوى «سبحانه من خالق خلق فسوى فأودع الكمال رجلاً «.

الأمير سلطان ظاهرة بشرية خالدة ومحيرة أظنها لن توجد مرة أخرى أو تتكرر فيما بقي من عمر هذه الدنيا فقد النظير وعز الشبيه.

نعم هذا هو سلطان كان في حياته وأحواله سلطاناً حقيقياً سلطاناً على نفسه سلطاناً بأخلاقه وأفعاله سلطاناً بمكارمه ومروءاته.

لا يستطيع أحد مهما بلغ في القدرة والذكاء تأليف كتاب في شهر واحد ولو جمع العقول وحشد الجهود لأجل هذه المهمة فالأمر أكبر من قضية التأليف إذ هو مادة يجب جمعها من مصادرها والبحث فيها لكن بمجرد وفاة الأمير سلطان بن عبد العزيز وصعود روحه الطاهرة إلى بارئها كان الشعب كله بجميع طبقاته وكافة أفراده يؤلفون وفي بضع ساعات أكبر موسوعة تتحدث عن سيرته وحياته وتتناول صفاته وأخلاقه.

فعلوا ذلك وقد زال سلطانه وذهب أمره ونهيه فلا أحد يرجوه أو يطمع فيه مؤملاً ولعل الأغلب لم يروه في حياته أو يحظوا بشرف لقائه أو نالهم شيء من معروفه ورفده ولكنها القلوب التي بيد الله إقبالها وإدبارها وحبها و بغضها والنفس الطيبة الطاهرة التي وضع الله لها القبول في الأرض، حب تمكن من قلوب الناس ما كان ليسكن السويداء منها لولا حب الله له.

الدعاوى ما أكثرها لكن أين البينات.الكل يدعي الكرم والشجاعة ويزعم العقل والرأي والحزم لكنها مجرد دعاوى لا شواهد لها ولا أدلة عليها ولا واقع يؤيدها.

فكيف ُتقبل ومن ذا يصدقها، أما الأمير سلطان رحمة الله عليه فما أحد تكلم أو ذكر صفة عنه أو خلقاً فيه إلا وكان له شاهد وحادثة على ما أورد وذكر.

حقيقة إن من يعرف سيرة هذا الأمير ويطلع على حياته ليقف حائراً فاقد القدرة على الكلام لا يستطيع تصوير وبيان واقع هذا الرجل. فالأساطير التي كنا نسمع بها ونعلم أنها شيء مستحيل الوقوع والحدوث؟ رأيناها يقظة وكنا شهوداً عليها وصدقنا بها لكونها محسوسة فما يحكى من أخبار ويورد من قصص عن السابقين وأحوالهم يشهد لها في الحقيقة سلطان بما ثبت و تواتر منقولاً عنه.

رجل جمع الله القلوب على حبه وأنطق الألسنة شاهدة بفضله، لقد رحل الأمير عن هذه الدنيا وتركها وقدم على رب غفور رحيم ودارٍ خير من داره فهو ممن ترجى له المغفرة ويؤمل له من ربه الرضوان وممن يبشر بجنات وروح وريحان. يأبى الله إلا أن يجازي أهل الرحمة من المسلمين على إحسانهم لخلقه ويكافئهم على ما قدموه في دنياهم لآخرتهم. هذا هو العدل الإلهي الذي لن يتخلف وهو مقتضى وعد الله فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.

نعم إنها مسيرة خالدة باقية سنظل نقرؤها ونسترجع أحداثها ونستلهم عبرها لندرك أن الحياة الأبدية تكون بعد الموت وهي الحياة الفعلية وهذا هو الأمير سلطان.

يرحل عن هذه الحياة كثير وبمجرد مرور أيام تذهب ذكراهم وتغيب عن الناس سيرتهم ُفينسون إذ ليس ثمة ما يحفظ لهم أو يذكرون به في هذه الدنيا من الصنائع وأعمال الخير ومقامات البر ومواقف البذل، أما الأمير الراحل فآثاره العظيمة الباقية ستذكر به وسيبقى بها في القلوب.

كيف ُينسى من نال معروفه الخلق وسرت مكارمه في كل ناحية وصوب، لقد نشر الخير وأسدى الإحسان فدخل كل بيت وعم كل أسرة ونال كل قبيلة فطوقت محاسنه الأعناق وعمت مكارمه البلاد.

كم من الضوائق نفس وما أكثر الكروب التي فرج، وكم من العورات ستر وكم من المرضى كان بعد الله عزوجل سبباً في شفائهم.

من للمكارم ومن للمغارم ومن لليتامى ومن للأرامل ومن للثكالى ومن للأيامى بعده.

لقد كان غيثاً هاطلاً تتابع فلم يتوقف منذ نعومة أظفاره حتى واراه الثرى ولن يتوقف بإذن الله حتى بعد وفاته فهو رحمه الله كما قال الشاعر:

فتى عيش في معروفه بعد موته

كما كان بعد السيل مجراه مرتعاً

لقد رحلت يا سمو الأمير وتركت في قلوبنا حسرات وآلاماً وأحزاناً، غاب عنا وجهك وفقدنا محياك الذي يشبه القمر جمالاً والشمس نوراً وسناءً لكن بقيت فينا ذكراك العطرة وخلفت لنا مآثرك وفضائلك تذكر بك وتنبه على علو قدرك وجلالة شأنك. لله در أبيك ولله در من نسلك ولله در أمٍ حملت بك فأنجبت قرماً ووضعت جبلاً.

لقد جاءت بك لهذه الدنيا فكنت رحمةً للناس ولطفاً من ألطاف الله ونعمة تفضل بها الباري على خلقه.

لعمرك ما الرزية فقد مالٍ

ولا شاة تموت ولا بعير

ولكن الرزية فقد قرمٍ

يموت لموته خلق كثير

وكما عجز الطب عن علاجك من مرضك حين أصابك الذي أسأل الله عزوجل أن تكون به شهيداً عنده فكذلك اليوم أرباب الأقلام وأصحاب البيان هم أعجز من أطبائك حين رثائك فمع سعة العربية في معانيها وألفاظها اليوم لا يجدون تعبيراً ووصفاً لمعاناتنا برحيلك وتجسيداً للوعة فقدك.

والشعر وأهله لا ملامة عليهم حين يستعصي عليهم الشعر فيغلق عليهم بابه فلا يجري على ألسنتهم هيبة و إجلالاً و النثر أعجز عن بلوغ ألفاظ تصور هول الفاجعة وحسرة الآلام وعمق الأحزان فتبين ما يشتعل في القلوب من حرقة الوداع وألم الفراق.

ستبقى يا سلطان أجمل ذكرى حملتها نفوسنا ووعتها قلوبنا سنذكرك عند كل صباحٍ ومساء ومع شروق كل شمس وغروبها فما أعظم المصاب وأشد الألم بك وعليك.

فالراحل كان للدنيا زينة وبهجة وجمالاً وربيعاً وغرةً في جبين الدهر وكنا به نفاخر الأزمان الماضية والعصور الغابرة بل ونتيه بك عليهم.

حين يعدد المرء سبل الخير ويحاول أن يستقصي صفات الكمال فلينظر وليبحث في أخلاق سلطان القادمون لهذه الدنيا والراحلون عنها لا يحصون كثرةً ولا يحصرون عدداً لكن من يبقى متربعاً في قلوب البشر حاضراً في صفحات الخلود شامخاً في التاريخ قلة قليلة نادرة جداً.

لقد نلت الخلود وأدركته بالبقاء بعد رحيلك وهما أمران من أدل الدلائل على عظمة الرجال وأنت رأس فيهم علم عليهم وسلطان لهم.

قد يكون بعض من الرجال والقادة ذا عظمة ولكنها قد تكون في أمر دون آخر وفي شأن دون سواه أو تتجلى في ناحية معينة أما سمو الأمير فقد كان رأساً في الخير والمعروف والمكارم والمروءات سابقاً في كل أمر وشأن من الأخلاق والرجولة والزعامة والسيادة. ولقد ظل فرداً حتى نزل لحده.

الدين والسخاء والجود والكرم والخلق والعقل والذكاء والأدب والرحمة والحزم والعلم والفكر والثقافة والفهم أخلاق وصفات ، تخلق بها في حياته ولازمته في أطواره كلها وتحلى بها فلم تفارقه حتى لقي ربه لأنها طباع وسجايا وأخلاق ومواهب ربانية فطر عليها وخلقت فيه ولقد صدق الشاعر:

وأسرع مفعول فعلته تغيراً

تكلفك شيئاً في طباعك ضده

تكاثرت المعاني وتواردت الخواطر فمن أين تبدأ وكيف تنتهي فمن يريد الحديث عن سلطان يحار ويجد نفسه جامداً أمام أخلاقه فكلها معجزة وصفاته جميعها محيرة.

فهو كما قال الشاعر :

ما إن أعد من المكارم خصلة

إلا وجدتك عمها أو خالها

وإذا الملوك تسايرت في بلدة

كانوا كواكبها وكنت هلالها

إن المكارم لم تزل معقولة

حتى حللت براحتيك عقالها

ووجهك حرمه الله على النار كما قال الشاعر:

أناس إذا ما الدهر أظلم وجهه

فأيديهم بيض وأوجههم زهر

يصونون أحساباً ومجداً مؤثلاً

ببذل أكف دونها المزن والبحر

سمو في المعالي رتبة فوق رتبة

أحلتهم حيث النعائم والنسر

أضاءت لهم أحسابهم فتضاءلت

لنورهم الشمس المنيرة والبدر

فلو لامس الصخر الأصم أكفهم

أفاضت ينابيع الندى ذلك الصخر

ولو كان في الأرض البسيطة منهم

لمختبط عافٍ لما عرف الفقر

هكذا كان الأمير سلطان في رحلة حياته ومسيرته في هذه الدنيا أعجوبةً وآيةً عظمى ودلالة كبرى على قدرة الله في المفاضلة بين عباده فهي حياة ورحلة، هي غاية ما يتمناها أرباب العقول ويسعى لها أهل المكارم ويشمر لها أهل الآخرة.

المتأمل في حياة الأمير يدرك أن الرجال يتباينون في منازلهم ويختلفون في أقدارهم، فهناك من يروم المعالي ويخادن المجد ويسابق الأقوام نحو العلا ويطاعن عن المكارم والمروءات لكن من يستطيع أن ينال هذه الغاية ويبلغ هذا الشأن قلة قليلة ورجال نادرون يختارهم الله عزوجل لأهل الأرض ويصطفيهم لحمل هذه المعاني وبثها في الأرض وبين الناس وسلطان احدهم.

الكرم خلق الله الأعظم وهو سيد الأخلاق يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :

إن دين الإسلام في جملة أوامره ونواهيه راجع للكرم والشجاعة والكرم هو الشجاعة بذاتها فهل هناك أشجع ممن يجود بماله فالكرم مستلزم لها دليل على قوة القلب ويقينه بالله والثقة بما عنده، لقد قرأت وتتبعت وسبرت أخبار وسير وأحوال الأجواد والأسخياء جاهلية وإسلاماً ومن ضربت بهم الأمثال وعرفت أحوالهم وحكاياتهم وأقسم بالله أن الأسلاف منهم والسابقين قد فاقهم سلطان فنال من المكارم سنامها وبلغ من المروءات منتهاها، وفعل ما هو أجل من أخلاقهم وأعظم لكنهم سبقوه فذكروا ولو تقدمهم لما عرفوا فعل هذه المكارم وهو في ميعة الصبا وريعان الشباب ومنذ نعومة أظفاره لقد بلغ الأمير مرحلة التمتع واللذة بفعل المعروف والإحسان، فالكريم يحتاج مجاهدة ليمسك كما يحتاج البخيل مجاهدة ليبسط وينفق والأمير كما قيل أفضل الناس عيشاً من عاش الناس في فضله، هكذا كانت حياته وهكذا كان الناس معه في أيامه.

جلس الاسكندر المقدوني للناس وقد حكم الدنيا كلها فلم يأت أحد يسأله ويطلب منه فقام غاضباً وقال لا أعد هذا اليوم من ملكي هكذا هم الملوك وسلطان أحدهم. فهو كما قال الشاعر:

لقد أودى سلطان بعدما

ضربت به في فضله الأمثال

ملك تنافست العلا في عمره

وتنافست في يومه الآجال

لهفي لفقدك يا سلطان

إنه به فقدت النفحات والأنفال

بالله أقسم أن عمرك ما انقضى

حتى انقضى الإحسان والإجمال

في ختام القول أتساءل هل رأيتم أو سمعتم بقبر حوى بحراً فهذه أعجب العجائب وأغرب النوادر، هذا هو سلطان حين أدخل قبره ونزل في لحده. أسأل الله له المغفرة الواسعة والرحمة السابغة وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة ويفسح له فيه ويرفع درجته في المقربين ويحشره مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة