Sunday 06/11/2011/2011 Issue 14283

 14283 الأحد 10 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في عودتي كما في ذهابي لـ «المصيف».. كنت أتوقف في «القاهرة» كعادتي.. في كل عام لأرى بعض الأصدقاء والزملاء من الكتاب والأدباء والصحفيين ممن يشاركوني وأشاركهم هموم الكتابة وأشجانها وقضاياها.. لأسمع منهم، وأتعرف على ما لديهم....

.... ولأرى من خلالهم (مصر) وأحوالها التي كانت وماتزال وعلى الدوام تهمني كما تهم كل عربي.. في ظل يقين راسخ وإن تآكلت بعض أطرافه - خلال سنوات ركود مصر السياسي الطويل مع (مبارك) ونظامه - بأن في صلاح أحوال (مصر).. صلاح لأحوال «أمتها»، وفي تداعياته «نكوص» لـ «مصر» عن دورها الرائد والخلاق.. وتراجع لـ»أمتها» يبلغ حد الغياب، وهو ما كان عليه حال مصر وأمتها العربية.. طوال الثلاثين سنة الماضية.

***

في وقفة ذهابي بـ «القاهرة» وإن لم تطل في الأواخر من يونيه.. رأيت مصر فرحة نشوانة، تعيش بـ «آمال» عراض.. على أنسام ربيع ثورتها الشبابية المصرية الوطنية الخالصة التي فاجأت النظام ورموزه وأركانه وقبضته الحديدية في الخامس والعشرين من يناير.. بل وأحزاب الوطن وجماعاته السياسية والدينية صاحبة الجذور والتاريخ: (من الوفد) إلى (التجمع) إلى (الأحرار) إلى (العمل) إلى (العربي الديمقراطي الناصري) إلى الإخوان المسلمين، التي أبدعت قوات (الأمن المركزي) في قمع أنشطتهم الميدانية السياسية المتعارف عليها في أقل الدول الديمقراطية شأناً.. فلم يبق لهم على الساحة إلا أن يقاتلوا من أجل بقائهم في الواجهة، واستمرار (صحفهم) في الصدور.. ولا شيء بعد ذلك أو غير ذلك، وإلى الحد الذي جعل كاتباً روائياً كبيراً عالماً ببواطن الأمور في (مصر) كـ «الأستاذ خيري شلبي» يعبر لي عن دهشته في آخر لقاء جمعني به في منزله بالمعادي الصيف ما قبل الماضي.. قائلاً: (إنني مندهش! الحال لا تسر.. والأرض مهيأة للثورة. ولكن لا أدري كيف..؟ ومن سيقوم بها)؟ ليرد عليه وعلى أمثاله فتية الخامس والعشرين من يناير من (الميدان)، الذي أعطاه الثوار شهادة ميلاده الفعلية الثانية.. بأنه ميدان (التحرير)، بعد أن حظي بذات الاسم أول مرة.. في أعقاب الجلاء البريطاني عن مصر عام 1954م، ومغادرة بلوكات نظامه ميدان إسماعيل أو الإسماعيلية.. كما كان اسمه من قبل، ليسمى آنذاك تخليداً ليوم الجلاء بـ»ميدان التحرير».. والذي لم يكن على عظمته وما بُذل في سبيل إنجازه من جهود بأقل من يوم تحرير مصر وإرادتها من (مبارك) وبطانته.. يوم أن انطلقت منه في الخامس والعشرين من يناير شرارة التحرير والتغيير، فلم تمض سوى سبعة عشر يوماً إلا وكان مبارك ونظامه وحزبه ومجلساه وداخليته قد أصبحوا خبراً بعد عين، وقد تغير وتبدل كل شيء.. ليصبح (الميدان) وكأنه المركز الرئيسي لـ «إدارة الثورة»، فهوالذي يرشح الدكتور عصام شرف لرئاسة أول وزارات الثورة، وهو الذي يمنح المجلس العسكري الأعلى.. قوة استمراره خلفاً لرئاسة مبارك الدستورية إزاء مواقفه الوطنية من الثورة وحمايته لها، وهو الذي يدفع باتجاه محاكمة رموز النظام وأركانه.. ممن أطلقوا النار على المتظاهرين المسالمين حقيقة، فأودوا بحياة المئات.. وأصابوا ما يزيد على الألف منهم، وهو الذي يتعجل محاسبة من أفسدوا مصر سياسياً ونهبوا ثرواتها اقتصادياببيع ما يزيد عن ثمانمائة شركة من شركات القطاع العام.. بحجة أن القطاع الخاص هو الأقدر على إدارة تلك الشركات وتحقيق أعظم الفوائد والنفع الاقتصادي منها لمصر وأبناء شعبها.. ثم ظهر بعد ثلاثين عاماً بأن النفع الاقتصادي قد تحقق!! ولكن لأولئك الذين اشتروا تلك الشركات (بتراب الفلوس) كما يقول أشقاؤنا المصريون، فبنوا الشاليهات والمنتجعات واقتسموا الأراضي الزراعية والسكنية ليبنوا عليها العمارات، وشقق (الدوبليكس) ثم أجروها على القادرين من المواطنين فكدسوا تلك الأموال التي لم يكن يصدقها عقل عند اكتشافها.. أما جموع أبناء الشعب المصري من المتوسطين والغلابة والفقراء غير القادرين فقد كان لهم الله وهذه الثورة التي تجمع شبابها فجأة في ميدان التحريرثم تحولوا عبر لجانهم واعتصاماتهم إلى قنابل من العيار الثقيل دكت حصون الماضي حتى أزالته، لتضع الثورة على طريق تحقيق أهدافها في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. يوماً بعد يوم.

لقد وصلت الثورة إلى كثير من أهدافها.. وكان من بين أبرز تلك الأهداف - بعد الإطاحة بالنظام ورئيسه - اللحاق بمن فتحوا الأبواب لسرقة مصر وثرواتها، وإعادتهم لتقديمهم لمحكمة الجنايات.. حتى امتلأ سجن (ليمان طرة) بكل رؤساء الوزارات والوزراء السابقين واللاحقين الذين أسهموا في ذلك، إلى جانب رؤساء مجلسي الشعب والشورى وأركان الحزب الوطني.. الذين أعانوا على ذلك وشرعوه بالصمت حيناً أو الاقتسام دائماً، ومع ذلك.. ظهر «التململ» بين شباب الثورة مع نهاية الشهر الخامس لها.. من خلال اتهامهم لـ «المجلس العسكري» الأعلى بـ «تبريد» الثورة، ومجاملة أركان النظام السابق الذين كان معظمهم ساعتذاك خلف القضبان، ولـ «مجلس الوزراء» بالبطء والتعديل وإعادة التعديل والتردد إجمالاً في اتخاذ القرارات.. وهو ما عبر عنه أحد رسامي الكاريكاتير في صورة ذلك الأب الذي أخذ يقول لابنه وقد جاءه يستأذنه في السفر: (يا بني مستعجل ليه على السفر.. ما تحضر معانا كام تغيير وزاري)!! ورفع من درجة حدته ساخر مصر الأكبر - الآن - الأستاذ أحمد رجب في (نص كلمة).. عندما قال: (إن الدكتور شرف يجب أن يكمل جميله ويختار لنا رئيساً للوزراء)!! بينما كان تململ الثوار.. في غير محله من وجهة نظري.. فقد كان أقرب ما يكون تعبيراً عن ضجر الشباب، وضيق صدورهم ورغبتهم في أن يتم كل شيء بين عشية وضحاها، أو أنهم كانوا كذلك الذي ملك أرضاً.. ويريد تسويتها وبناء عمارة فوقها من ثلاثين دوراً.. في شهر واحد!!

***

ولكن مع توقفي بـ «القاهرة» في رحلة إيابي.. وبعد شهر بالتمام، كان «تململ» شباب الثورة.. قد تحول إلى «لغط سياسي» ضخم تشارك فيه كل الأصوات والأطياف الصادقة والمزيفة ومعها ضجيج الفضائيات وسعارها المحموم في السبق بالأخبار وتزييفها أو حتى تأليفها.. وإلى الحد الذي جعل أحد رسامي الكاريكاتير (الأستاذ مصطفى سالم) يعبر عنه بلوحة كاريكاتورية تحت عنوان: (هوجة الأحزاب والائتلافات والفصائل السياسية).. وقد ظهر في قلبها فيل ضخم، يحمل في (زلومته)..لوحة كُتب عليها: (مرحباً بكم في السيرك السياسي)..!!

لكن بواعث ذلك اللغط السياسي الذي شهدته أيام شهر يوليه.. سواء أكانت تطوراً (لتململ) الثوار أم منفصلة عنه.. كانت للحق موضوعية مفصلية وإلى أبعد الحدود، وقد بدأت بـ «تجاذبات» واتهامات متبادلة بين (الثوار) والمجلس العسكري الأعلى في أعقاب (مظاهرة ميدان العباسية) - أو موقعة الجمل الثانية.. كما أسمتها الصحافة المصرية - التي أراد المتظاهرون فيها التحرك نحو مقر (المجلس العسكري الأعلى) بالعباسية.. للتذكير بـ «مطالب» الثورة والثوار والتعجيل بتنفيذها بينما تصدت لمنعهم هم ومسانديهم الذين توجهوا إليهم من ميدان التحرير قوات حفظ النظام.. فوقع الصدام وسقط القتلى والجرحى!! حيث تورط بعض أعضاء المجلس العسكري في اتهام الجميع.. بـ «التخوين» والعمالة و(البلطجة) فرد عليهم الثوار بأنهم ليسوا خونة ولا عملاء ولا «بلطجية» ولكنهم ثوار غيروا ويغيرون خريطة مصر، ليرد عليهم بعض أعضاء المجلس العسكري والمنتصرون له بأن (المجلس العسكري الأعلى أو الجيش ليس.. خط أحمر.. بل هو كل الخطوط الحمراء) فهو الحامي لـ (الثورة) و(تحقيق أهدافها)، فترتفع مطالب الثوار في المقابل.. إلى حد المطالبة بتغييره، لينزلق اللغط والاتهامات.. إلى أمريكا وإسرائيل وإحدى الدول الخليجية بـ (اتهامهم) بمحاولة «الوقيعة» بين المجلس الأعلى والثوار أو بين الجيش والشعب إجمالاً.. للقضاء على الثورة والخلاص منها، حيث عبر أحد رسامي الكاريكاتير أيضاً بلوحة تحت عنوان (الجيش والشعب مش إيد واحدة) وقد ظهر في اللوحة أمريكي وإسرائيلي وأوروبي وكأنهم يرقصون فرحاً بينما كان ينضم إليهم خليجي، وهو يقول (والله.. ما قصرتم)!! لينزلق اللغط بعد ذلك وعلى لسان صحيفة الأحرار إلى اتهام ثوار التحرير بأنهم قد تحولوا إلى (ديكتاتورية) جديدة.. فـ (اليوم نرى كثيراً من الثوار المصريين يلبسون ثوب الديكتاتورية)، ثم يمتد (إلى تطهير الإعلام القومي.. خاصة من هؤلاء الذين كانوا يهتفون لمبارك ونظامه طوال حياتهم، ثم أصبحوا في غمضة عين من مؤيدي الثورة)!!

ثم لا يتوقف ذلك اللغط السياسي الضخم الذي عشت بعضه وقرأت أكثره عند «المعونات الأمريكية» والخليجية من أجل الديمقراطية في مصر، و(البغاشة) و(الكنتاكي) والذي منه، الذي كان يوزعه أنصارها على المصريين.. رفضاً لها واشمئزازاً منها (لأن هؤلاء يريدون أن ينقضوا على الناس بفضائياتهم التافهة) وقد ظهر في ساحات الثوار في التحرير ولأول مرة من سموا أنفسهم بـ (سلفيي مصر)، ولكنه يتوقف وباستطالة شديدة.. عند محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه التي تحدد موعدها في الثالث من شهر أغسطس الماضي و(هل ستجرى في غرفته أو في سريره بمستشفى شرم الشيخ، أم في محكمة الطور القريبة منه، أم في أرض المعارض، أم في مدينة نصر بجوار قبر الجندي المجهول حيث جرى اغتيال الرئيس السلف ودفنه)؟ أم سيتم تأجيل المحكمة بسبب الحالة الصحية للرئيس المخلوع، والتي جرى حولها لغط آخر .. حسمه رفض الجراح الألماني (كوشر) - الذي أجرى له العملية الأولى في مستشفى جامعة هايدلبيرغ - الحضور إلى القاهرة عندما علم بأن المحامين الخاصين بالرئيس.. يريدون استخدامه للوصول بأن المريض غير قادر على المثول أمام المحكمة، فقد أبى عليه ضميره المهني بأن يفعل ذلك.. ليضلل العدالة.

ثم توقف كل ذلك اللغط.. مع ظهور (مبارك) محمولاً على سريره الطبي في قفص الاتهام في محكمة جنايات القاهرة، وقد انتقلت لعقد جلساتها في أكاديمية الشرطة التي كانت تسمى بـ (أكاديمية مبارك للشرطة)، لتشخص أبصار المصريين والعالم في قاراته الست إلى شاشات التلفزيون.. لترى أول محاكمة في التاريخ لرئيس عربي وأنجاله وأعمدة نظامه، حيث دوى صوت المستشار أحمد رفعت رئيس المحكمة منادياً على المتهمين واحداً واحداً للتأكد من حضورهم.. وإلى أن جاء إلى اسم الرئيس: (المتهم محمد حسني سيد مبارك)، فرد مبارك: (أفندم.. أنا موجود)، لتبدأ المحكمة أعمالها.. وينتهي ذلك اللغط الطويل تماماً، والذي سيستأنف حتماً.. مع الانتخابات التشريعية القادمة في أواخر نوفمبر القادم.

لقد كان رد مبارك على رئيس محكمة الجنايات وبصوته المتهدج وبـ»مفرداته» العسكرية التي تربى عليها عظيما, دون شك.. رغم نقد الناقدين له. فقد قال من خلاله دون شرح أو إيضاح.. بأنه: (مواطن مصري يحترم القانون والقضاء.. في بلده مصر).

فمن يقرأ التاريخ.. ومن يعي درسه؟

dar.almarsaa@hotmail.com
 

حدث في مصر 2-3
«مبارك» في المحكمة: «أفندم.. أنا موجود»..!!
عبدالله مناع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة