Friday 11/11/2011/2011 Issue 14288

 14288 الجمعة 15 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

« عبقرية التاريخ».. هذا هو الذي يحدث في الغرب، منذ أكثر من أربعمائة عام. قد يُعانون هناك الخواء، والقنوط، والجفاف العاطفي المُروّع، لكن العقل يعمل، بدون كلل، كما لوأننا أمام آلة رهيبة هائلة تعمل بانتظام، وبجنون، في الآن معا.

أجل ، إن العقل يعطي جنونه الآن.

لكن من ينكر فاعلية التكنولوجيا؟ لا أحد، بالطبع، وإن كان هنالك من يعتقد أن العصر الحجري كان يعطي فرصا أفضل لسعادة الإنسان.

هذا النوع من الحنين الهشّ اعتاد عليه الناس الذين لا بدّ من أن يسكنهم القديم، خصوصا إذا كان الجديد يأتي بمثل هذا النوع من الصدمات الحضارية.

كان الأوْلى بالعالم الثالث أن يقترح على التاريخ تأجيل مجيء القرن الحادي و العشرين، لمائة سنة .. مثلا، ليتمّ احتواء الاضطراب النفسي الذي يُحدثه، عادة، الانتقال من قرن إلى آخر.

في القرون المنصرمة كان الانتقال يتم في العالم الثالث، في حالات كثيرة، إلى.. « الوراء»، وفي حالات كثيرة أيضا كان الانتقال إلى.. « الأمام «. في هذا القرن لا مجال للانتقال إلاّ نحو.. « الفوق « أو.. «التحت».

والنتيجة أن التقدم يقفل كلّ أبوابه في وجه من يبحث عن باب مفتوح، عن أفق مفتوح، عن ثقب مفتوح، في ذلك التقدم.

المشكلة هي في كون التقدم، بذاته، حركة مُحايدة: يُمكنها أن تكون مفيدة أومُضرّة، لا حسب استخدامنا إياها وحسب، بل حسب معرفتنا لأصول استخدامها. وهذا هو الخطر الناجم عن التقدم.

إن تقدم المعارف والتقنيات المتنوعة يمنحان الإنسان قوة خارقة، لم يكن يملكها قبلا في التاريخ، هذه القوة قد يستخدمها الإنسان ضدّ الإنسان، وهذا خطرها الأول، لكنه ليس الأهم. الخطر الأعظم الناجم عن التقدم هو أن يفقد الإنسان السيطرة على التقدم، وهذا ما يحصل، يوميا، في المختبرات، ولاسيما إذا كانت التجارب تتناول المادة العضوية، المادة الحيّة : الإنسان.

لقد أخذ التقدم الآن، في تطوير الإنسان وتحويله، بالعمق، بمقدارما يُطوّرالإنسان التقدمَ ويُحوّله.

كلا الإثنين، الإنسان والتقدم يُؤثـّران أحدهما في الآخر، ويُبدّل الواحد الآخر في مغامرة شيـّقة رائعة، تعرف الإنسانية معالمها الماضية، أما مُستقبلاتها المُمكنة فإن علم التوقـّعات يُحاول أن يتكهّن بملامحها التقريبية، أما احتمالاتها بعيدة المدى، فمجالها مجال التخيـّل وحده، الذي يـَعـِدُ بمرتجيات خارقة، قد تجعل أكثر أحلام الإنسانية جسارة قابلا للتحقـّق ذات يوم.

إن تطوير الإنسان للتقدم، وتطويرالتقدم للإنسان يحصلان بسرعة وعمق، يُنبئان بأن التغيـّرذاته سوف يتغيـّر، أو أنه بالفعل قد تغيّر، وأن الإنسان كذلك سوف يتغيـّر، أو أنه بالفعل قد بدأ يتغيـّر.

Zuhdi.alfateh@gmail.com
 

في العصرالحجري السعيد
زهدي الفاتح

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة