Friday 11/11/2011/2011 Issue 14288

 14288 الجمعة 15 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

الشرق غرباً...
إبراهيم عبدالله المزيني

رجوع

 

الشرق غرباً

أدخل يدي في جيبي.. أبحث عن ورقة نزيهة لأدس فيها قلبي..

لا أجد شيئاً.. فأشرع أكتب في راسي..

تبا ً لقد تحول رأسي لكشكول..

شيء ما داخلي يضحك الآن..

أتسكع ليلاً وأستمع لسورة الإنسان وأنا اشاهد البشر يسيرون على البسيطة..

قال ربي (إن هؤلاء يحبون العاجلة).. كنت أنظر في عيونهم.. أبحث عن آيات الله فيهم..أعلم بأني معطوب بطريقة ما.. أعلم بأني نتيجة ماض ورغبة مستقبل..

أعلم بأن علي التخلص من زخرفة الزيف لأعبر من خلال ثقوب المشهد لأصل للمعاني المخبأة..

حين كنت أحاول قياس كمية الخيبة داخلي شاهدت متسول يحاول اشعال سيجارته مسنداً ظهره على شاهد قبر.. كنت أتساءل لو أستطاع صاحب القبر التحدث للمتسول..

أن تكون حياً يعني أن تكون ممتطياً نقطة "الآن".. أن تشق فراغ الموت راسماً خط الزمن.. المشهد كان مؤلماً حد الخد.. لذا كان عقلي يسخر محاولا ً إدعاء اللامبالاة.. البراءة..

متخيلاً رغبة الأثنان بتبادل أدوارهم..

هاأنا أقيس الارض بقدمي مرة ثانية.. أسير متخيلاً رغبة الأموات بسرقة دقيقة من عمري.. أنظر للأشياء وهي تقتحم عيني لترسم أشكالها في عقلي.. أخبرني بأني أستكع في نقطة " الآن".. وبأني حين أصدق الأشياء الزائلة سأكون مجرد متسول آخر آمن بالزوال وجحد الأبد..

..

أدخل يدي في جيبي..

أبحث عن لاشيء..

جيبي مليء باللاشيء..

شيء ما داخلي يضحك من جديد..

النور والنار

الآن مدركاً الورطة.. بأننا نتجاهل الموت لأنه الشيء الوحيد الذي لا نشك به.. وبأن عليّ ألاّ أرغب بالشيء الذي لابد من حدوثه.. هكذا يسير الأمر دائماً معي.. نحو الوحشة.. حيث أثق..

أفكر بالأشياء التي أصدقها.. حقدي الدفين على الأشياء التي نسيتها.. صوت الذبابة التي تحوم حول أذني.. رائحة العطر التي تلون حواسي.. طعم القهوة الذي يستفز صحوتي.. دخان السيجارة الصاعد في السماء كخطوط حبر بجرة ماء.. الرسوم المخبأة في السحب.. احتفال مشاعري مع الموسيقى.. النعاس وهو يرخي جفني.. اللحظة الرمادية التي تسبق الابتسامة.. والكآبة التي تحثني على تخليد اللحظات الجليلة بالكتابة..

أفقد التحكم هنا.. أفقد القدرة على تصديق الناس.. على الرغبة بإخبارهم.. اليأس الحكيم من وجهة نظر طفولية للناس والحياة يفقدني كمية المبالاة المتبقية لي.. لذا أكتب.. لتجمع مشيئة الله حرفي بوعيك.. أحبك هنا.. تماماً حيث أفقد التحكم فأكتب.. لأختزل كل هذه الأحاسيس المعجزة.. أنتقي أصدق ظني لأعبّد الدرب للحقيقة.. كم تضحكني رغبتي بتصديق اللحظات السعيدة.. كم أشعر بالرشد حين لا أتوقع أي شيء.. كم أشعر بالحكمة حين أرى الخط الفاصل الرفيع بين عبث اللحظة وجدّية القدر.. كم أشعر بالضعف كلما شعرت بالحكمة.. كم أشعر بالغباء كلما انتقلت من ساحة الحق التي يتسكع داخلها الكون كله لساحة النفس التي لا تتسع حتى لبصيرتي..

عبث عقلاني..

أحياناً تصحو روحي من النوم قبل جسدي لتجره حتى المطبخ حيث يفيق مع إبريق شاي متطرف.. أشعل سيجارة وأفتح الباب لكينونتي.. ثم أبحث عن قلم لأكتب رسالة للكون.. ثم أدرك بعد أن أجده بأنه كان علي البحث عن ورقة..

فنجان الشاي العتيق كان يقول أني أحتاج السلام لأهدئ.. فأبحث عنه بعدوانية.. الأقلام وعلب الكبريت المندسة بكل مكان كانت تثرثر بأني أشعر برغبة عارمة للهرب..أن أركض حتى أختفي.. أن أذهب جداً حتى لا أعود أبداً.. أن أنسى حد الغيبوبة.. كنت أقول لنفسي بصوت مرتفع محاولاً أقناعهم بأني لست مختلاً لأتحدث مع فنجان وقلم مختبئ أني أريد فقط أن أخرق جدار اللحظة.. أن أخرج من الزمن الوجودي الذي تتشاركه الشمس والعصافير وسيارات الأجرة.. أن أصل للزمن الموضوعي.. هناك حيث تصبح اللحظة عمر والعمر لحظة..

في سيارة الأجرة حيث المذياع يتكلم عن هراء ما لايهمني كانت الكائنات المخفية تتحلق بفضول حولي هامسة بأن الغضب طقس للشياطين.. أن منطقاً جديداً يبدأ بالتسلل إلى عقلك بأن الخدعة تكمن دائماً فيما تعرفه.. بأنك ستتلقى الضربات بأكثر المناطق بلادة ورغبة بالحقيقة فيك..

لعل هناك شيء ما عميق معطوب داخلي ليدع كل هؤلاء يثرثرون معي.. شيء ما كالصداع الذي يخبرك أن جسدك يشتكي خطباً ما.. أشبه بأن تحلم بأنك مجنون لتصحو مخبراً نفسك بأنك عدت عاقلاً.. هذا التبدل بين الأزمنة والكينونات داخل العوالم هو ما يبعثرني.. أشعر حينها بعمق وجودي في هذا الكون.. حين تشعر بهذه الحيرة الموازية لعظمة الحياة التي وهبها الله لك بالعالم الوجودي حيث تخرج الشمس يعني أن تحاول إدخال سيارة الأجرة والعصافير وبقية الرفاق من ثقب الإبرة..

الآن أفيق على معمعة العالم الذي أتشارك اللحظة به مع سائق الأجرة الغاضب الذي أنظر لوجهه ببلادة.. كنت سأسأله عن سبب غضبه إلا أني سألت نفسي قبله إن كنت حقاً أريد أن أعرف.. ؟

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة