Sunday 13/11/2011/2011 Issue 14290

 14290 الأحد 17 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

هي مسجّاة على فراش المرض منذ أمد، لا صبحها مملح بالضوء، ولا مساؤها له قنديل، وليس عندها بخور، ولا ماء ورد، أربعة وسبعون عاما والهم يكسر ظهرها، يلغي الفرح من أعماقها، عندها من الأوجاع ما يدهش، غصنها يبس، ولا بلبل لديها يغني فوق شجرتها العتيقة، ضوؤها يخبو، وعينيها موشكتان على الجفاف، مرتبكة هي بفعل الخسارة العاطفية، هي لا تحتاج خبزا ولا ماء ولا لحاف ولا فراش وثير، هي تحتاج من يزيل عتمة المكان وقسوة الجفاف ورهبة الصد، هي لا تخاف الموت، وإن كانت كل يوم تموت، هي مثل صخرة ضد الريح، تحاول أن تتغافل عن فجيعتها المهلكة، لكن مقدرتها لا تتوفر، تغطيها رمال اللااكتراث التدريجي بفعل خمول المشاعر وتبلدها، هي سيدة ملكومة ومثكولة بفعل اللطمات المرعبة، لديها تعبير ربكة دلالية داخلية، لكنها لا تستطيع البوح بفعل انعقاد اللسان، لديها نكوص طفولي لم تعد تخفيه، كل شيء صار معد للانكشاف الفاضح، وبعد أن كانت تحيا شامخة كنخلة، صارت منخذلة بعد عدم فهم الآخرين لها، حزينة هي مثل قطرة ماء منحدرة من غدير الخسران، تتوسل الآخرين بأن يعينوها على امتلاك طاقات تعينها على مواجهه المرض الكبير وامتلاك العافية، هي تنوء كاهله بفعل ضغط مشاعر التقصير الملتهبة الحارقة، حتى إن شَرَك الاكتئاب والمزاج السوداوي قد لفها واحتواها، لقد فقدت التمتع بالأشياء والموجودات، وتمددت بانكسار منطوية على ذاتها في محطة الحياة الأخيرة، لقد أصابها اليأس القاتم الخانق الذي يجعل الفرد يعيد مراجعة حسابات قلقه وهواجس مخاوفه التي كانت قبلا ترعبه وتقض مضجعة، فما الذي يعين الإنسان حينما يشعر أنه جثة مسجاة؟ لقد تعاون عليها زلزلة المرض وصدمة الواقع مع ضغوط الألم وحرائق العواطف وجفاف البعد التي صارت مثل ورق هش، أو كلعبة مسمومة، أيتها السيدة المهزومة، يا نصوص القصيدة، يا عطا الينابيع، يا البيدر والتنور والخبز وحدائق الياسمين، يا شجرة السدر، يا هامة النخل، يا عمود البيت، يا نمو المشاعر، يا دفق البهجة واللون والوابل الأزلي، يا قنديل البيت، يا برزخ الحديقة، يا إستبرق المكان، يا كوثر المكان، سأكون معك كولدك، وسأكون كالناعورة لن اكف عن الدوران حولك، وسأكون كعينك التي لا تنام، وستكون ابنتك الوفية الرحيمة الجليلة المدثرة بالوقار ووشاح العفاف والتي تشبه النيزك وبذرة الأرض والثبات وبؤرة الأبعاد وشمول المكان والقمح والحنطة، تساندك وتوقظ فيك خيارات الحية ومداد الأمل، وسنكون لك كالضوء والظل، وعريش العنب، وسأتقرب وإياها إلى الله على حد سواء بأن يمنحك كوز العافية ولذة الحراك، فلا تجزعي، ولا تتوجعي، انتثري كالبياض حين يجيء السواد، سنصلي لله كثيرا، ونقرأ دعاءً وفيرا، مستجيرين برب السماء أن يلبسك ثوب الصحة والعافية مبلول بماء زمزم، فلا تحزني ستخرجين من بطن السقم ثانية، لأن الذي مثلك كانت تركع بوجل كل يوم على سجادة الصلاة بلا دسائس ولا بهتان ولا عطن، سيسورك الله إن شاء الله بين شعبتين من نور وصبر يعقبها عافية، وسيخرجك من ذاك الفج بملابس من حرير وسندس ويغمرك بالذهب، وسيجهض الله المرض حتى تصبحين مطرزة بالشذر، فلا تحزني وكوني حاسبة.

ramadanalanezi@hotmail.com
 

معذرة أيتها السيدة المهزومة!
رمضان جريدي العنزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة