Sunday 13/11/2011/2011 Issue 14290

 14290 الأحد 17 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

قبل أن ينطوي شهر يوليو الماضي بلغطه وضجيجه السياسي بين المؤتلفين والمختلفين من ثوار الخامس والعشرين من يناير، ومن لحق بهم في «ميدان التحرير» وخارجه، إن كانوا في (رمل) الإسكندرية.. أو (أربعين) السويس.. أو (الساعة) في طنطا، كان العَالِم والفقيه والمثقف المستنير الأستاذ الدكتور أحمد الطيب

شيخ الأزهر.. قد بادر إلى دعوة كوكبة من المثقفين المصريين على اختلاف انتماءاتهم الدينية والفكرية مع عدد من كبار وخيار العلماء والمفكرين في الأزهر الشريف لتدارس (مقتضيات اللحظة التاريخية الفارقة التي تمر بها مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وأهميتها في توجيه مستقبل مصر.. نحو غاياته النبيلة، وحقوق شعبها في الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية)..؟

وقد حرص المجتمعون من «هؤلاء» و «أولئك» على أن يستلهموا في مناقشاتهم (روح تراث أعلام الفكر والنهضة والتقدم والإصلاح في الأزهر الشريف.. ابتداءً من شيخ الإسلام الشيخ حسن العطار وتلميذه الشيخ رفاعة الطهطاوي إلى الإمام محمد عبده وتلاميذه)، وأن يستلهموا في الوقت نفسه (إنجازات كبار المثقفين المصريين ممن شاركوا في التطوير المعرفي والإنساني، وأسهموا في تشكيل العقل المصري والعربي الحديث في نهضته المتجددة من رجال الفلسفة والقانون، والأدب، والفنون، وغيرها من المعارف التي صاغت الفكر والوجدان والوعي العام).

كانت «مبادرة عظيمة» دون شك في أن يلتقي مشائخ الأزهر برؤوس الكنيسة القبطية أو (الكرازة المرقسية) من أنباواتها وقساوستها ورهبانها مع المثقفين اليساريين والعلمانيين والليبراليين، مع نفر من الجماعات الإسلامية والمذهبية المغايرة في توجهاتها من أجل (مصر) ومستقبلها، وفي صحن الأزهر.. ما كان لها أن تتحقق بالتأكيد حتى بعد قيام الثورة لو كان على رأس الأزهر أحد (فقهاء السلطان) كما يقولون أو إمّعة من الإمّعات، وليس على رأسه.. هذا الشيخ الفقيه، والعالم الجليل، والمثقف المستنير والكبير الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، الذي ربما فاجأ (مبارك) نفسه وهو في عزه - وقد عينه خلفاً للدكتور سيد طنطاوي في عام 2009م - في أول حديث مطول له بعد عام في صحيفة الأهرام (يوليه 2010م)... عندما قال بأن (الأزهر لا يحمل أجندة الحكومة، ولا يبارك كل خطواتها)!! كما فاجأ بالتأكيد المسلمين المتشددين في الدعوة إلى الإسلام.. عندما قال في ذات الحديث (أنا كمسلم مكلف بالتعارف والتواصل وتبادل المنافع مع الشعوب الأخرى)..! فكان طبيعياً لرجل هذا صدقه وإيمانه وشجاعته.. أن (يبارك) وهو يوقع مع المجتمعين على ما جاء في الفقرة (العاشرة) من بيانهم، الذي عرف فيما بعد بـ»وثيقة الأزهر».. بـ(تأييد مشروع استقلال مؤسسة الأزهر، وعودة هيئة كبار العلماء واختصاصها بترشيح واختيار شيخ الأزهر).. وإسناده إلى علماء الأزهر ومشائخه عبر آليات الترشيح والانتخابات الديمقراطية.. الأمر الذي دفعني ويدفعني للاعتقاد بأن الدكتور الطيب هو «الداعي» لهذه الفقرة و(المؤيد) لها، وليس (المبارك) لها فقط... رغم أنه جاء إلى مشيخة الأزهر بـ «التعيين» وليس بالترشيح و»الانتخابات»، لأن ذلك هو الأقرب إلى خُلُقه وإلى فهمه، وإلى إيمانه بـ»الإرادة الجماعية» في الإسلام..!!

نعم.. كانت دعوة تلك الأطياف الدينية والفكرية والثقافية والمذهبية المختلفة في زمن واحد ومكان واحد.. وبـ»استلهامات» حضورها الدينية والفكرية والثقافية - التي جرى الاتفاق عليها - عملاً عظيماً في مجمله، لم يكن ليقوى عليه إلا رجل في مكانة ودراية وثقافة الأستاذ الدكتور أحمد الطيب.. بل ولم يكن ليُقبل إلا من رجل مثله، فكانت نتائج لقاءاتهم ومناقشاتهم، وما انتهوا وأجمعوا عليه في بيانهم الختامي، الذي عُرف عند إذاعته وتداوله بـ «وثيقة الأزهر».. لا تقل عظمة وسداداً عن «الدعوة» نفسها، و»استلهاماتها» الدينية والثقافية.. إن لم تفقها، فكان طبيعياً أن تحظى بما يشبه الإجماع عليها بين المصريين جميعاً.. من المسلمين والمسيحيين بطوائفهم والمثقفين بأطيافهم، وقد رأوا فيها منهجاً وطريقاً.. وبوصلة لـ»مستقبل» مصر.

وحتى لا أطيل على القارئ.. فسأكتفي باستعراض الجزء الأخير من البيان أو (الوثيقة).. التي تضم (محاورها) الأحد عشر الختامية والتي استهلها عقلاء وحكماء مصر (كما سمّوا أنفسهم ولهم كل الحق في ذلك).. بـ»لغة» راقية منصفة هي الأليق بهم عندما قالوا: (من هنا نعلن توافقنا نحن المجتمعين على المبادئ التالية لتحديد طبيعة المرجعية الإسلامية النيرة، التي تتمثل أساساً في عدد من القضايا الكلية، المستخلصة من النصوص الشرعية القطعية الثبوت والدلالة، بوصفها المعبرة عن الفهم الصحيح للدين).. وهم يجملونها في المحاور التالية:

(أولاً: دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة، التي تعتمد على دستور ترتضيه الأمة، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة. ويحدد إطار الحكم، ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قدم المساواة، بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب بما يتوافق مع المفهوم الإسلامي الصحيح، حيث لم يعرف الإسلام لا في تشريعاته ولا حضارته ولا تاريخه ما يعرف في الثقافات الأخرى بالدولة الدينية الكهنوتية التي تسلطت على الناس، وعانت منها البشرية في بعض مراحل التاريخ، بل تُرك للناس إدارة مجتمعاتهم واختيار الآليات والمؤسسات المحققة لمصالحهم، شريطة أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الأساس للتشريع، وبما يضمن لاتباع الديانات السماوية الأخرى الاحتكام إلى شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية.

ثانياً: اعتماد النظام الديمقراطي القائم على الانتخاب الحر المباشر، الذي هو الصيغة العصرية لتحقيق مبادئ الشورى الإسلامية، بما يضمنه من تعددية ومن تداول سلمي للسلطة.

ثالثاً: الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي، واعتبار المواطنة مناط المسؤولية في المجتمع.

رابعاً: الاحترام التام لآداب الاختلاف وأخلاقيات الحوار، وضرورة اجتناب التكفير والتخوين واستغلال الدين واستخدامه لبعث الفرقة والتنابذ والعداء بين المواطنين.

خامساً: تأكيد الالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية، والتمسك بالمنجزات الحضارية في العلاقات الإنسانية المتوافقة مع التقاليد السمحة للثقافة الإسلامية والعربية، والمتسقة مع الخبرة الحضارية الطويلة للشعب المصري في عصوره المختلفة، وما قدمه من نماذج فائقة في التعايش السلمي ونشدان الخير للإنسانية كلها.

سادساً: الحرص التام على صيانة كرامة الأمة المصرية، والحفاظ على عزتها الوطنية، وضمان الممارسة الحرة لجميع الشعائر الدينية دون أية معوقات، وكذلك الحرص التام على صيانة حرية التعبير والإبداع الفني والأدبي.

سابعاً: اعتبار التعليم والبحث العلمي ودخول عصر المعرفة قاطرة التقدم الحضاري في مصر.

ثامناً: أعمال فقه الأولويات في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، ومواجهة الاستبداد ومكافحة الفساد، والقضاء على البطالة.. مع اعتبار الرعاية الصحية الحقيقية والجادة واجب الدولة تجاه كل المواطنين جميعاً.

تاسعاً: بناء علاقات مصر بأشقائها العرب ومحيطها الإسلامي ودائرتها الأفريقية والعالمية، ومناصرة الحق الفلسطيني، والحفاظ على استقلال الإرادة المصرية، واسترجاع الدور القيادي التاريخي على أساس التعاون على الخير المشترك.

حادي عشر: اعتبار الأزهر الشريف هو الجهة المختصة التي يرجع إليها في شؤون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة، مع عدم مصادرة حق الجميع في إبداء الرأي متى تحققت فيه الشروط العلمية اللازمة..).

لتُختتم هذه (المحاور) في (بيان الأزهر) أو (وثيقته).. بإهابة علماء الأزهر والمشاركين في إعداده بـ(كل الأحزاب والاتجاهات السياسية المصرية أن تلتزم بالعمل على تقدم مصر سياسياً واجتماعياً.. في إطار المحددات الأساسية التي وردت في هذا البيان)، وأحسب أن هذا هو ما يرجوه تيار الوطنية الراشد والغالب في مصر، والباحثون عن عودتها عفيَّة قوية.. لتعاود آداء دورها المفقود أو المغيبة عنه، وإذا كان هناك من عتب في هذا الشأن (وفي النفس.. شيء منه) فإنه يخص الإعلام المصري بقنواته وإذاعاته.. التي لم ألحظ أنها خدمت هذا البيان - أو هذه الوثيقة - بما يستحقه من اهتمام وعناية بـ «إعادة» نشره وتسليط الأضواء عليه، ومناقشته مع السياسيين ورؤساء الأحزاب القديمة والجديدة التي تشكلت من مجاميع ثوار الخامس والعشرين من يناير.. لـ «ترسيخ» الإيمان بما تضمنه، قبل الانتخابات القادمة وبعدها، لأنه يشكل بحق خريطة طريق لـ «مصر.. الجديدة».. مصر ما بعد الخامس والعشرين من يناير وأحلام ثوارها.

بعد أيام من عودتي من رحلة المصيف وتوقفيها ذهاباً وإياباً في (القاهرة).. كان يجمعني أحد صوالين جدة بعدد من الأصدقاء والزملاء.. حيث كان السؤال القلق والمطروح على ألسنة الحاضرين جميعاً: متى تستقر.. مصر..؟!

فكان أن تفضل أو تطفل أحدهم بالإجابة.. قائلاً: بعد خمس.. إلى عشر سنوات!! لأطلق ضحكة استنكار على ما قال.. فيلتفت إليّ بعضهم وكأنه يستنجد بحثاً عن إجابة أخرى.. للسؤال المطروح: متى..؟

لأقول: بعد انتخابات مجلسي الشعب والشورى.. فالمجلس التأسيسي - منهما - لصياغة دستور مصر الجديد.. فالانتخابات الرئاسية التي ستعقبها، ولن يزيد كل ذلك عن منتصف العام القادم إلى آخره على الأكثر. فهذه (مصر).. صاحبة أطول تجربة سياسية في المنطقة العربية، وليست (زائير) أو (جزر القمر)..!!

عندها لمعت في عين أحدهم علامة تعجب.. فلم أتراجع، بل ملت عليه قائلاً: لعلك نسيت بيان الأزهر.. أو وثيقته التي وقع عليها المشايخ والرهبان والمثقفون العلمانيون، والتي كانت بحق (رمَّانة الميزان) وسط كل ضجيج الصيف وأحداثه!!

dar.almarsaa@hotmail.com
 

حدث في مصر 3-3
وثيقة الأزهر.. أو «رمَّانة» الميزان..؟
عبدالله مناع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة