Friday 18/11/2011/2011 Issue 14295

 14295 الجمعة 22 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

النهر
طلعت سقيرق

رجوع

 

كل شيء في البيت باهت.. طوى الثياب وأغطية الفراش شارداً، رتب الأشياء كيفما اتفق، بعدها أغلق الأبواب والشبابيك بإحكام.. تثاءب.. وقف للحظات أمام الباب الرئيسي.. امتدّ نظره إلى الأعلى.. الفتاة التي تقطن في الطابق الثاني كانت تطوي آخر الدرجات صعوداً.. هكذا دون مقدمات وضع إصبعه على زر الجرس، سمع الرنين الحاد يملأ المساحة المتروكة والفضاء حوله.. أراد أن يضحك، لكن دمعة انفلتت من العين وسقطت على وجنة باردة وهو يغادر المكان للمرة الأخيرة!!..

لم يكن الشارع الذي اختار السير فيه صغيراً.. نظر، وأطال النظر، فما وجد له نهاية.. كانت خطواته تخترق العتمة والغبش والصمت بملل.. وضع يده في جيب بنطاله، وأخرج ورقة قديمة عرف من ملمسها أنها تعود لسنوات طويلة مضت، دون أن ينظر إليها مزقها ورماها لتأخذها الرياح قطعاً إلى البعيد.. وحده كان في الشارع الطويل، ووحدها كانت تطوي آخر الدرجات..

زوجته بشرى كانت مليئة بالحيوية والنبض والنزق الذي لا يرحم.. أرهقته بكل شيء؛ طلباتها، آمالها، تطلعاتها ورغباتها، صباح مساء: (إلى متى يا أمجد ستبقى نائما.. يا أمجد أحضر الخبز.. يا أمجد قم بتنظيف الغرفة.. يا أمجد.. يا أمجد !!) طواها الموت.. غيبها وغيب صوتها.. لا يذكر إن كان وقتها قد بكى أم ضحك فرحاً في داخله!! كان يحس بمشاعر متناقضة متضاربة.. وحدها الفتاة في الطابق الثاني كانت تفك أزرار وحدته، وكانت - دون أن يعرف لماذا- تنظر إليه وتغرق في الضحك!!

في المعمل -حدث هذا في يوم ما- دارت الآلة بصورة غير معقولة، انكسرت المسننات، تطايرت القطع هنا وهناك.. جن جنون صاحب المعمل، ورماه مثل فأرة كريهة في الشارع.. صرخ.. صاح.. رفع صوته في كل مكان.. لكن دون جدوى.. الآلة الملعونة أهم من ألف أمجد!! الآلة عادت إلى الدوران وما عاد هو إلى العمل.. أخبروه أن صاحب المعمل أقسم أن يقسمه إلى قطع صغيرة إذا رآه!! وخشي أن يفعلها ذلك الرجل السمين المكتظ مثل كيس.. ومن يستطيع أن يمنع رجلاً مثل معلمه أن يفعل ما يريد وما يشاء على هواه؟؟..

مثل تفاحة حمراء طازجة طرية كانت، قربها من شفتيه.. تقف في المنتصف تماماً.. لا تبقي شيئاً مستوراً.. شاخ الجسد وجف الريق ويبست العروق.. صار على يقين أن النهاية صارت قريبة.. الفتاة على الدرج تطويه صعوداً.

خطواته في الشارع الطويل مستمرة.. رذاذ من مطر خفيف يملأ المكان.. غبش وشيء من حلم يطرق جفنيه.. تمنى أن يضع رأسه وينام.. ضحكت الفتاة الواقفة على الدرج.. امتد الشارع واستطال أكثر.. وبقيت عيناه معلقتين في الفراغ مثل إشارتي استفهام !!..

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة