Saturday 19/11/2011/2011 Issue 14296

 14296 السبت 23 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

غلبني السجع وانأ أفكر في عنوان هذه المقالة، فالراسبون هم من مدارس الأولاد والراسبات لدي البنات ولكن هؤلاء المساكين من فئة الطلاب والطالبات يتشابهون في صفات كثيرة ليس أقلها أنهم من المتعثرين دراسياً وهم في الغالب من أولئك الطلاب والطالبات الذين يجلسون في الصفوف الخلفية للفصول الدراسية ولا يتمكنون من التعلم لأسباب عديدة قد يكون أوضحها في بعض الحالات

شيء بسيط من الإعاقات أو قد يكون أحد صعوبات التعلم أو أنهم يكرهون الحفظ فلا يحققون نتائج ملموسة في نظام تعليمي تعتمد مواده على الحفظ والاستظهار أو أنهم لا يتعلمون بالوسائط التقليدية ولا يمتلكون معايير الذكاء العقلي التقليدي فهم من أولئك المسخوطين الذين ابتلاهم الله بما يسمى بالذكاءات المتعددة فهم قد يتميزون بالذكاء الاجتماعي أو العاطفي أو الموسيقي وأيضاً في نظام تعليمي يعتبر فيه هذا النوع من الذكاءات عثرة وليس تميزاً.

لا شك أننا رأيناهم جميعاً حين كنا طلاباً كما لا زالوا يتواجدون بشكل متقطع ضمن فصول المراحل المختلفة لكنهم أيضا كانوا ينقطعون عن فصولنا لسبب أو لآخر ولم يكن أحد يُعنى بأمرهم في كل حال، فهم كسالى متعثرون كثيروا الغياب وربما يأتون من أسر أقل من المتوسطة أو لديها مشاكل عائلية وهم في النهاية ينقطعون إما بالتسرب أو الغياب المستمر وقطع المرحلة، وبالنسبة للبنات كان الزواج المبكر أحسن الحلول التي وافقت عليها كافة مؤسسات المجتمع أسرة ومدرسة ومؤسسات عامة.

لماذا نستحضر ذكرى تعيسي الحظ هؤلاء؟ لأننا ويا للدهشة لم نُعنَ بأمرهم يوماً ما. النظام التعليمي قائم على فكرة التعامل مع الطالب العادي أو الشاطر والحفيظ.. الطالب الذي يلتهم ويخزن بجدارة ما يُلقى له من أفواه المعلمين.. الطالب الذي يتمكن من العناية بنفسه فيلتزم بقوانين المدرسة.. الطالب القادر على تلبية توقعات المدرسة والمعلمين في التلقي والحفظ والتكرار ثم النجاح.. أما الطلاب ذوو الصعوبات المختلفة كفرط النشاط أو صعوبات قرائية أو رياضية أو صعوبات في التواصل الاجتماعي وغيره من المشكلات التي تظهر عند الناس في كل مجتمع فلا يتلقفها النظام المعني بالمجاميع والفصول العامة وليس من مهمة المعلم (إلا القلة بدافع إنساني أو ديني) أن يوجه مساعدة إضافية لطالب لا يجيد القراءة أو لا يتمكن من الجلوس على كرسيه لحركته أو سريع الكلام أو المتلعثم أو ضعيف البصر أو قصير القامة أو البدين الخ من الفروقات الفردية الهائلة التي إذا لم يتمكن الطفل نفسه من تحملها ومعايشتها وتمرير اليوم الدراسي على خير فهو راسب لا محالة ربما في المادة ثم من الفصل ثم من المدرسة وتاليا من النظام الاجتماعي.

ولأن متابعة المدارس لهؤلاء الراسبين ليس أحد مهماتها المجتمعية فنحن لا نعرف على وجه التحديد ماذا حصل لكل واحد فيهم فعليه أو على عائلته تدبير أمرهم بطرقهم الخاصة دون إقحام مؤسسات التعليم التي يئن نظامها تحت وطأة الأعداد المتزايدة للطلبة العاديين، دع عنك هؤلاء المتعثرين، لكن نظرة إلى بعض الدراسات التي أصدرتها مؤسسات مجتمعية أخرى توضح حجم الثمن الاجتماعي الباهض الذي ندفعه جميعاً من خلال إهمالنا لهذه الفئة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد أوضحت ندوة التوعية الأمنية في مناهج التعليم والتي عقدت في كلية الملك فهد الأمنية في 26 ديسمبر 2010 خطورة تسرب الطلاب والطالبات، مؤكدة في بعض الدراسات التي عرضت أن 78% ممن لهم أفكار إرهابية وقضايا أمنية تسربوا من مقاعد الدراسة في وقت مبكر، كما كشفت دراسة أجرتها اختصاصية إدمان على 540 فرداً من المرضى المراجعين من مختلف مناطق المملكة لمستشفى الأمل بالرياض ونشرت في جريدة الوطن ديسمبر 2009 أن هناك علاقة وطيدة بين الإدمان والتسرب من المدارس، وأكدت الدراسة على أن نسبة التسرب من المرحلة المتوسطة بين عينة الدراسة بلغت 36% في حين بلغت نسبة ترك الدراسة في المرحلة الثانوية 24% هذا عن الحالات المتبقية التي قد لا تصل إلى ظواهر مرضية كهذه ولكنها تقع بقية حياتها إما أسيرة لمشكلات تكيف اجتماعية ثم زواجية أو تعتقل في دائرة الفقر بسبب محدودية التعليم وضعف دخل الوظائف التي تلتحق بها أو تظل عبئاً على كيان عائلاتها فتقلق مسيرة العائلة وتضعف تواؤمها وتقلق حياة أفرادها، كما نرى بين كثير من الأقارب والأصدقاء من حولنا.

هناك قنابل موقوتة بيننا وبخاصة بين الذكور وعلينا كما فعلت مجتمعات أخرى التقاطها ومساعدتها على إعادة التكيف بدل إهمالها لتتورم كسرطان ثم تظهر لنا ترويعاً أمنياً أو اجتماعياً أو شخصياً.

قد يكون لدى وزارة التربية والعليم بعض البرامج المتفرقة التي تطرحها بين الحين والآخر بقصد التوعية لطلابها ومنسوبيها حول بعض المشكلات السلوكية وغيرها، كما أن هناك برامج قائمة لصعوبات التعلم تحاول إدارات التعليم في المناطق المختلفة تدريب المعلمين عليها لكن هذه البرامج لا زالت محدودة في نسبة قليلة من الطلاب والمدارس، كما أنها تشمل أولئك الذين تظهر عليهم العوارض بشكل صارخ لكن تلك الحالات الكثيرة المتوسطة والتي تعاني عبر النظام ثم تتساقط لا تجد العون الكافي الذي يحميها من التحول إلى عقبة كأداء في قلب الأسرة أو النظام الاجتماعي وهي التي تستحق أن ننتبه لها بأن نتبنى (وبخاصة المعلمون والمعلمات) فلسفة وبرنامجاً تطبيقياً قائماً على فكرة أن كل الأطفال يستحقون فرصاً موازية في التعلم بغض النظر عن قدراتهم أو مستواهم الاجتماعي أو قدرات الطفل العقلية ومهارات التواصل لديه أي ببساطة نتبنى الفكرة الإنسانية داخل الفلسفة التي تبناها الرئيس الأمريكي بوش منذ بداية العام 2000 لإصلاح النظام التعليمي والقائلة بأنه: (نو تشيلد بيهايند) أي لا يترك طفل ليتخلف عن المسيرة والفلسفة، إننا سنوفر العناية بكل طفل بغض النظر عن إمكاناته حتى لا يتساقط أحد من النظام التعليمي وهذا أجبر الحكومة الفيدرالية على تقديم معونات كبيرة خصصت للمدارس في المناطق الفقيرة أو المحرومة ثقافياً أو اجتماعياً وتقديم العون لمتابعة الصغار في تعلمهم ونموهم الشخصي والاجتماعي حتى تتأكد المدارس أنهم أتموا فترة التعليم الإجباري إلى الثانوية (12 سنة) ثم التحقوا بنوع من التعليم أو التدريب الذي يضمن لهم حياة كريمة بعيداً عن الجريمة والمخدرات.

قد لا نحلم ببرامج شاملة بنفس الدرجة ولكن يمكن التفكير بإنسانية (من قبل المعلمين والإدارات المدرسية كل على إطاره الإداري وحسب طبيعة عمله) بكل هؤلاء الطلاب الذين لا يحققون التوقعات الاعتيادية من الطالب العادي ونبدأ في النظر إليهم بإنسانية وأنهم يستحقون حياة كريمة مثل أولادنا وأقاربنا حتى لو كانوا كسالى أو أنهم سيرسبون ويعيدون السنة الدراسية لمشكلة تعليمية أو شخصية.

 

الراسبون والراسبات في مدارس البنات
د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة