Saturday 19/11/2011/2011 Issue 14296

 14296 السبت 23 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يتكرر استخدام مصطلح الفتنة في الفقه السياسي، وقد كان مفهومه في القرون الأولى يكاد ينحصر في الخروج على الإمام أو الجهر بالرأي المخالف، لكن بعض الفقهاء المعاصرين أجادوا استعماله أيضاً في قضايا المرأة، كونها مصدر رئيس لفتنة الرجل، وقد تناقلت وسائل الإعلام سعي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أحد المحافظات لفرض تغطية العيون التي تثير الفتنة، وستكون مهمتهم صعبة في مسألة حجب العينين، وذلك لصعوبة المشي في الطرقات، وقد يكون الحل الأفضل أن يُفرض على العيون المثيرة لبس النظارات الشمسية، وقد نواجه أزمة في فرضها وتوافرها، وحتماً ستواجه الهيئة متاعب في ذلك، والصعوبة أيضاً في مراقبة تحركات صاحبات العيون الجميلة في الأسواق، وقد نحتاج إلى مراقبتهن منذ الصغر، وربما نستفيد من تجربة متابعة هجرات الطيور التي يُزرع في جلدها جهاز صغير يعطي إشارات تحدد أماكنها وهجراتها.

***

تتعرض المرأة السعودية إلى حملة تجعل منها رمز الإثارة الأوحد، الذي تجب مراقبة عيونه في كل مكان، بينما يظهر في المجتمع صور متنافرة قد ترتقي بعضها إلى الإباحي، ومع ذلك لا تدخل في دائرة الإثارة، فالفتنة الجنسية الذي تغذيها القنوات الإعلامية أكبر بكثير من محاولات الهيئة لمنع مشاعر الفتنة في عيون المرأة السعودية المغلوب على أمرها، وما تبثه القنوات الإعلامية يحفل بصور ومشاهد مثيرة للفتنة بصورة غير مسبوقة، ومع ذلك لم نسمع خطاباً دينياً من الهيئة يدعو إلى فرض قيود على الممثلات والمطربات والمذيعات للحد من فتنتهن وجمالهن الصارخ.. باختصار تتعرض النساء السعوديات إلى رسائل إعلامية متنافرة تجعلهن في حقيقة الأمر في دوامة مثيرة للفتنة، فما يواجهنه من اضطهاد وافتتان مزدوج يضعهن في موقف لا يُحسدن عليه.

***

استطاع الرجل تجاوز كونه رمزاً آخر للفتنة الجنسية، فقد أصبح يتمتع بحرية في هيئته، ويخرج في كامل زينته إلى الأسواق، ويستخدم مختلف الأدوات التي تزيد من فتنته، وأصبح في منأى عن المطالبة في الحد من جماله ووسامته، وقد واجه الشباب قبل عقود مطاردة للحد من الافتتان بهم، وكان رجل الهيئة لديه الصلاحية في القبض على الشاب وحلق شعر رأسه، لكن بعض الأحداث المؤسفة التي قاوم من خلالها بعض الشباب تلك المعاملة أخرجتهم من دائرة المطاردة، وانتهى الأمر إلى منعهم فقط من دخول الأسواق العامة، لكن ذلك لا يعني أن الرجل قد خرج من دائرة الفتنة تماماً..

***

لاشك أننا نعاني من أزمة ثقة بين فئات المجتمع، بعد أن تم وضع الرجل في خانة الذئب الذي لا يمكن أن تثق فيه امرأة، بينما تدخل النساء في موقع الضحية السهلة الافتراس في المجتمع الذكوري المتسلط، ولكن السؤال: هل نعاني من أزمة أخلاق وسلوك؟، إذ كثيراً ما يلاحظ الغرباء شيئاً من ذلك، فمستوى احترام الإنسان وحريته لم يتغير برغم من ارتفاع مستوى التعليم، كذلك تختفي الدراسات الاجتماعية لدراسة ظاهرة العنف السلوكي بين أفراد المجتمع، ليس فقط بين الرجل والمرأة، ولكن في مختلف فئات المجتمع، وقد كان مشهد مقتل موظف ساهر دليل مروع على ذلك.

***

يقف خلف هذه الظاهرة عوامل كثيرة تزيد من عنفها وهيجانها، ومنها تناقض وتنافر الخطاب في المجتمع في كثير من المجالات؛ فالمطاردة تتجه نحو الكائنات الأضعف، في حين تستثني السلطة باختلاف مصادرها الكائنات الأقوى ما يجعل الأوساط مهيأة للتمرد أكثر من ذي قبل، والتحدي الحقيقي أن يتم وضع قوانين عامة لا تستثني أياً كان، وذلك لمنع أي فتنة مهما كان مصدرها، على أن يتم التعامل مع الفتنة ليس من خلال مطاردة عيون النساء السعوديات الجميلات، ولكن عبر تقوية حقوقهن وحقوقهم في المساواة والتعليم والعمل والاكتفاء المادي، وذلك لأن الفقر والجهل والبطالة والتناقض يشكلون الوقود لكل ما تعنيه كلمة فتنة في العصر الحديث.

 

بين الكلمات
عيون الفتنة
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة