Saturday 19/11/2011/2011 Issue 14296

 14296 السبت 23 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

إن تصاريف القدر العجيبة، ولا نقول: الصدف، لأنه لا مكان للصدف في كَوْنٍ يسيِّره العليمُ الخبير، نعم إن تصاريف القدر العجيبة فقد شكى إلي صاحبي شكوى موجعةٍ أليمة، أفقدته موعد عملٍ مهمٍ ووليمة، وكنت قد انتهيت قبل هذا اللقاء بصاحبي من قراءة مقال وصلني على بريدي الشبكي عنوانه (ثقافة الاعتذار في اليابان).

والعجيب في الأمر أن شكوى صاحبي، والمقال المشار إليها يمثلان موقفين متناقضين أشعرني تناقضهما بألم شديد وغيرةٍ أشد على وضع النظام وتنفيذه، والخدمات والقيام بها في بلادنا.

ولا بأس أن تشاركوني (الألم والغيرة) بتفاصيل الحالتين.

صاحبي قال: ذهبت إلى المطار بحجزً مؤكدٍ التأكيد كله، ومعي بطاقة الصعود إلى الطائرة، لأن موعدي الذي كنت ذاهباً إليه في جدة كان مهما جداً، فهو موعد مهم في مجال عملي التجاري مع شخص سيسافر بعد لقائه بي بساعتين، واللقاء محدد بدقة وفيه توقيع عقد بين الطرفين وهو مهم أيضاً لأن وليمةً أصر على إقامتها صديق لي في جدة دعا إليها عددا من الأقارب والأصدقاء.

ذهبت إلى المطار وأنا مطمئن بالبطاقة الموجودة في يدي، وجلست في صالة الانتظار وانشغلت بمتابعة الأخبار، وكانت عن الوضع الدامي في سوريا، ولم يرعني إلا صوت قاريء الإعلانات الأجش، وهو يعلن عن تأخر موعد إقلاع الطائرة للرحلة رقم (...) وذكر رقم رحلتي إلى وقت غير مسمى، وقمت من مكاني مذعوراً، وبدأت جولتي مع موظفي الخطوط (المباركة) ومسؤوليها، ويالها من جولةٍ مؤلمة يندى لها الجبين، ويا لها من معاناةٍ ما كنت أتوقعها، لأنها معاناة مضاعفة أضعافاً كثيرة، فهي معاناة شعوري بضياع موعدي المهم من جانب، والدخول في دوامة تحديد موعد آخر مع رجل سيكون خارج المملكة من جانب آخر، ومعاناة التعامل الذي لا ينتمي إلى أيسر أساليب التعامل الإسلامي الأمثل من جانب ثالث، لا إصغاء، ولا اهتمام ولا جواب، ولا كلمة مواساة، ولا لفتة تقدير ولا نظرة شعور بالمعاناة ومع أن أحد الموظفين رآني ألوبُ في صالة المطار ذهاباً وجيئة قد أعطاني أملاً في الرحلة التي بعدها، إلا أنه أمل أجهض تماماً باختفاء ذلك الموظف وعدم رؤيته مرة أخرى.

فاتت مواعيدي، وأوجعني قلبي، وعدتُ أجرُّ أذيال الأسف دون أن أسمع كلمة واحدة جميلة مواسية من موظفي مطارنا الدولي الكبير أما صاحب المقال، ثقافة الاعتذار في اليابان فقال: كنت مع صديق ياباني في رحلة عملٍ بين العاصمة الكبيرة الحديثة طوكيو والعاصمة القديمة ككيوتو. وقد اخترت القطار السريع الذي يطلقون عليه (قطار الطلقة ووقفنا على رصيف الانتظار ولدينا تذاكر على الدرجة الخضراء) وهي الممتازة ودلني صاحبي الياباني على الموقف المحدد الذي ينتظر فيه ركاب هذه الدرجة قائلاً ستكون البوابة الخاصة بهذه الدرجة أمامنا مباشرة، وجاء القطار في موعده، وكانت البوابة كما قال صاحبي أمامنا مباشرة إلا أنني لاحظت أنها متقدمة إلى الأمام بمقدار سنتمترات، وفتح الباب، وقلت للياباني ممازحاً: انظر إلى البوابة لقد تقدمت قليلا عن المربع الأخضر الخاصر بها، ففجأني بتأثره الشديد، واعتذاره اللطيف، ولم يجد معه تأكيدي أنني أمزح، قال: فما زلنا في رحلتنا نتلقى من عبارات الاعتذار من الموظفين في القطار ما لا يكاد يصدق، لأن صاحبي الياباني أخبرهم بما حدث وحينما نزلنا في المحطة الأخرى فوجئت بمسؤول المحطة يقدم لي الاعتذار، ويؤكد أن هذا الخلل سيعالج مباشرة، قال: وظللت في ذهول، وما زلت في ذهول.

هاتان الحالتان، وليس أمامنا إلا أن أقول: الله المستعان ثم أقول للمسؤولين في الخطوط: لماذا لا تكون لدى الموظفين ثقافة التعامل الإسلامي الأرقى، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه أحد في حاجة لا يعود إلا بحاجته، أو بـ (ميسور القول) إذا لم يتمكن من قضاء حاجته.

إشارة:

نعم إنه (مَيْسُور القول) هذا الأسلوب النبوي الكريم ليتكم تدربون عليه الموظفين في جميع القطاعات الخاصة والعامة.

 

دفق قلم
طول الانتظار في صالة المطار
د. عبد الرحمن بن صالح العشماوي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة