Monday 21/11/2011/2011 Issue 14298

 14298 الأثنين 25 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كاتب هذه السطور ينتمي إلى جيل مرت به، في مرحلة شبابه، نفحة من التفاؤل بالنسبة لقضية أمته العربية المسلمة.

وقد بدأت تلك النفحة بانطلاقة الثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي عام 1954م، وهي التي كان انطلاقها بعث أمل في النفوس، ونجاحة نفوس الفلسطينيين.

كاتب هذه السطور ينتمي إلى جيل مرت به، في مرحلة شبابه، نفحة من التفاؤل بالنسبة لقضية أمته العربية المسلمة.

وقد بدأت تلك النفحة بانطلاقة الثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي عام 1954م، وهي التي كان انطلاقها بعث أمل في النفوس، ونجاحة نفوس الفلسطينيين.

ذلك أنه لم تمض شهور على ذلك الانطلاق المجيد حتى انطلقت طلائع الفدائيين من أبناء فلسطين من قطاع غزة ضد الاحتلال الصهيوني لوطنهم.

ثم كان صمود مصر، قيادة وشعباً، أمام العدوان الثلاثي، عام 1956م، مدعوماً بموقف المخلصين من العرب، قادة وشعوباً، ترسيخاً لما انبعث من أمل، وازداد رسوخ الأمل في النفوس بقيام الوحدة بين سورية ومصر عام 1958م، غير أن عاصفة من عواصف اليأس ثارت بسيطرة الشيوعيين على السلطة في العراق، وممارستهم ما مارسوه من أفعال شنيعة، ثم بانفصال سورية عن مصر، عام 1961م، واشتدت تلك العاصفة من اليأس هبوباً نتيجة هزيمة 1967م، التي احتل من جرائها، الصهاينة البقية الباقية من فلسطين، بما فيها القدس ومسجدها الأقصى.

وكانت هزيمة 1967م الكارثية بعد ست سنوات من انفصال الوحدة بين مصر وسورية، وقد هزت وجدان الكثيرين، فلسطين وغيرهم من إخوتهم العرب، فقامت حركات مقاومة للاحتلال الصهيوني، وحرب استنزاف على الجبهة المصرية مع الصهاينة، على أن تلك الحرب الاستنزافية ما لبثت أن توقفت نتيجة مبادرة روجرز المشهورة، وانطلقت أصوات تفلسف ذلك التوقف، وبعد ست سنوات من الهزيمة الكارثية المشار إليها خاصة المخلصون من أفراد الجيش المصري بالذات ذرعاً بالصمت، وكان مما كتبه أحدهم من الجبهة في رسالة إلى أمة قوله:

ولم تعد فلسفات الصمت تخدعني

وإن تصغهن أهرام وأخبار

تعاقب السنوات الست أوضح لي

ضلال من جنحوا للسلم واختاروا

وأن تحرير أرضي لا تحققه

إلا دماء سقتها الأرض أحرار

وكانت معركة 1973م، أو معركة رمضان المجيدة، بعد تلك السنوات الست مما جعل ذلك المقاتل المصري البطل على الجبهة يكتب إلى أمه مبشّراً إياها بالانتصار على العدو الصهيوني، ومشيراً إلى البطولة العربية التي تجلت على الجبهتين المصرية والسورية، قائلاً:

الآن يا أمي أعيد كرامتي

أقضي على ذلّي قضاء مبرما

وغداً ربوع القدس تصبح حرة

والمسجد الأقصى عزيزاً مُكرَما

وما كان ذلك المقاتل يعلم ما كان يجري من وراء ظهره من مواقف الساسة، ولهذا صدم بالأوامر تأتيه بأن يتوقف عن القتال، وكان ذلك مما جعله يكاد يحجم عن كتابة رسالته الأخيرة إلى أمة، ويقول لها:

أمَّاه إن كنت لم أكتب فمعذرة

يد الأسى حطمت في كفي القَلما

ماذا أقول؟ دخان الحزن يخنقني

يغتال في شفتي النطق والكلما

ويخاطبها مذكراً إياها بما سبق أن وعدها به من مواصلة القتال:

حتى يعيد إلى الأقصى هويته

ويسقي الذل نذلاً دنس الحرما

ويقول بحزن عميق:

توقفت طلقات النار.. عاد إلى

مجاهل الصمت صوت ضج واحتدما

والقدس مازال محتل يدنِّسها

وغاصب في حماها يرفع العلما

ويشارك ذلك المقاتل أخ له في الدرب، ورفيق سلاح، في موقفه الحزين على ما جرى، فيعبر عما حدث قائلاً:

وأخيراً ذكروا لي

أنني امضى إلى حرب شريفة

تكفل العزة للأجيال والنصر المؤزَّر

وتعيد الأرض والحق إلى شعبي المشرَّد

فتقدَّمت أقاتل

وتحوَّلت إلى نار تدمِّر

غير أنّي

بعد ما سطرت في التاريخ أنباء صمودي

وبدت في غرة الكون تباشير انتصارى

أوقفوني

غرسوا في الظهر خنجر

وأتوني بمشاريع كيسنجر

بدأوا يحكون عن سلم وعن حلٍّ وسط

حقي الواضح بالزّيف اختلط

أمس قالوا:

لا سلام

مع أعداء العروبة

وأنا اليوم أغنّي وأزمِّر

لاقتراحات السلام

ولعلَّ ما عبّرت به عن موقف طابعه الحزن تجاه القضية الفلسطينية العربية هو ما جعل الدكتور غازي القصيبي، رحمه الله، يشير إلى أمسية اشتركت فيها معه ومع البروفيسور عبدالله الطيب في رحاب جامعة الملك سعود، وذلك في مقالة نشرها في المجلة العربية، سنة 1416هـ بعنوان «العثيمين وشيء من الشعر الحزين»، قائلاً: استطاع العثيمين أن يتنبأ بالمصير الذي ستنتهي إليه تلك القضية من قضايا أمتنا.

ومضت الأيام تترى. ومن وحي مرورها الثقيل كتبت قصيدة بعنوان «لا تسلني»، ومطلعها:

هكذا دارت دواليب الفلك

واختفى النور بأستار الحلك

والمنى الخضر التي رفَّت على

شفة الأمس بها الدهر فتك

لا تسلني عن خفايا ألمي

إنما آلمني ما آلمك

والأحاسيس التي تغتالني

جُرّدت أسيافها كي تقتلك

وكان ختامها:

لا تسلني أين أخطو؟ آن لي

في متاهات السرى أن أسالك

إن تكن تبصر ومضاً خافقاً

في جبين الأفق فاحملني معك

وكان عام 2009م عاماً بلغ فيه ذلّ أمتنا مبلغاً عظيماً، فكتبت عنه قصيدة عنوانها «عام من الذل»، ونشرت في صحيفة الرياض في 7-1-2010م، ومما ورد فيها:

يا عاماً مرَّ وطابعه

ذلٌّ في المظهر والمخبرْ

داست صهيون كرامتنا

وبقينا بالشكوى نجأر

أوما في الأفق سنا أملٍ

بربيع مخضل أخضر؟

وأباة سيف عزائمهم

يجلو أدران من استكبر؟

سيف للأمة مسلول

يستأصل شانئها الأبتر؟

وبعد عام من نشر تلك القصيدة حدث ما أصبح يسمّى بالربيع العربي.

جعل الله عاقبة هذا الربيع خيراً لأمتنا.

 

حيرة النفس بين التفاؤل واليأس
د.عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة