Tuesday 22/11/2011/2011 Issue 14299

 14299 الثلاثاء 26 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تدق السـاعـة الرابعة صباحاً ومع صوتها تستيقظ عائلة مدينة الحليفـة والمدن والقرى المجاورة لها لتوقظ هذه العائلة الحـالمـة المتطلعـة للغد بعين التفاؤل والرجاء ابنتها التي أنهت المرحلة الثانوية وعقدت العزم على مواصلة الدراسة الجامعية، نعم لقد آلت هذه الفتاة على نفسها أن تتحدى الظروف وتقهر الصعاب علها أن تظفر بالدرجة العلمية التي تؤهلها لخدمة الوطن وتلبية متطلبات الحياة لها ولأهلها ولمن حولها ممن تحب.. صوت السيارة تقف عند باب البيت وفتاة الجامعة أمل المستقبل لم تجهز بعد، تلم شعث نفسها على عجل وهي تولول وتسابق الثواني حتى لا تتأخر عن الركب الراحل يومياً في سبيل العلم ومن أجل التعلم سواء في الطب أو الهندسة أو التربية أو الآداب والفنون أو..!!، تتحرك السيارة من أطراف المدينة القابعة جنوب حائل التي تبعد عنها أكثر من 200 كم قبل كل الخيوط التي يمكن أن تنسجها آفاق الصبح الصادق منه والكاذب، وقبيل بزوغ الشمس بساعة أو يزيد يكون الركب قد قطع نصف المسافة بعد أن سار أكثر من ساعة ونصف، هنا يتوقف السائق وهو ينفض التعب عن جسده المنهك يومياً بالذهاب والإياب المرهق ليصلي الجميع صلاة الفجر ويعيد نشاطه من أجل أن يتجدد لبقية الطريق، تشرق الشمس والركب ما زال يسير والطريق عليه شاق، عند أطراف المدينة وفي الوقت الذي تلملم الفتيات ما تناثر من حاجيات الطريق تحين ساعة الوداع من هذه الدنيا، حادث مروع ضحيته اثنتا عشرة فتاة في ريعان الشباب وزهو العمر وتطلع المستقبل وانبعاث الأمل.. إضافة إلى السائقين اللذين رحلا وخلفهما ذرية ضعاف لا حول لهم ولا قوة.

إنها حكاية حزن وقصة ألم وفاجعة وطن وقعت لطالبات جامعة حائل وهن في طريقهن للجامعة بعد أن قطعن ما يقارب الـ180 كم من مقار إقامتهن وذلك صباح يوم الأحد الماضي 24-12-1432هـ.. لقد خيم الحزن على مجتمع المنطقة بأسره بعد أن شاع الخبر وتناقله الناس مشافهة وبالرسائل ووسائل التواصل المختلفة خاصة المجتمع القريب من الفقيدات سواء قبيلة بني رشيد خاصة أهالي الحليفة أو المجتمع الأكاديمي.. وتوافد الناس كل الناس لمسجد برزان ومن ثم مقبرة صديان حيث القبور الثلاثة عشر تسقبل جثمان الفقداء في مشهد حزين وموقف لا يمكن أن يرحل من ذاكرة إنسان الوطن ويودع سجل تاريخ المنطقة.

نعم.. إنه موت الفجاءة الذي يهز الوجدان ويبعث الأحزان، قدر من أقدار الله المؤلمة التي تجري على بني آدم في هذه الدنيا، إنه ساعة الرحيل الموت الذي قضاه الله على جميع خلقه بلا استثناء وكل منا له أجل مكتوب {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}.

هي الأيام لا تبقي عزيزاً

وساعات السرور بها قليلة

إذا نشر الضياء عليك نجم

وأشرق فارتقب يوماً أفوله

نعم.. إنها مصيبة وليس للمسلم في مثل هذه الحال إلا الصبر والرضا والاحتساب فكلنا في هذه الحياة مجرد عرايا مستردة {ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}.. {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}.

ما قد قضى يا نفس فاصطبري له

ولك الأمان من الذي لم يقدري

ثم اعلمي أن المقدر كائن

حتماً عليك صبرتي أم لم تصبري

ولي أمر الطالبة المكلوم، أساتذتها وزميلاتها وصديقاتها وأقاربها وذوي أرحامها ومن تعزى فيه..

إني معزيك لا إني على ثقة

من الحياة ولكن سنة الدين

فلا المعزى بباق بعد ميتة

ولا المعزي ولو عاش إلى حيني

رحمكن الله ونور عليكن في قبوركن وأسكنكن فسيح جناته.. (إنا لله وإنا إليه راجعون).. اللهم اجبرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها وارزق أهلهن وذويهن الصبر والسلوان.. اللهم آمين، ويبقى للراحلات علينا حقوق وواجبات: ذكر محاسنهن والترحم عليهن والدعاء لهن والوفاء بحقهن، ولعل من باب الوفاء أن تبادر وزارة التعليم العالي في افتتاح فرع للجامعة بين أهلهن ويكون لهن في هذا الصرح العلمي الواعد لوحة شرف تخلد رحلة طلب العلم اليومية التي لها في صدور زميلاتهن ألف حكاية وحكاية. ولهن وقد رحلن عن دنيا الناس قصص ومآسٍ ستظل في طي النسيان، ومن الحلول العاجلة وجود سكن قريب من الجامعة لسكن من يبعد مقر إقامتها أكثر من 100 كيلو.

دمتم بخير ووقانا الله وإياكم موت الفجاءة وإلى اللقاء والسلام.

 

الحبر الأخضر
رحم الله الطالبات.."والعزاء للقبيلة والجامعة والوطن"
د.عثمان بن صالح العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة