Thursday 24/11/2011/2011 Issue 14301

 14301 الخميس 28 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

رحم الله فقيد الدعوة
د. عبدالله بن محمد بن حميِّد

رجوع

 

لله تعالى ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء بأجل مسمَّى، وصدق الله العظيم إذ يقول: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، وكما أن الموت حق، ومصير كل حيّ، إلاَّ أن موت العلماء والدعاة إلى الله مصيبة كبرى، وثلمة لا تُسد إلى يوم القيامة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من قلوب الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء»، وكما فسَّر بعض السلف رحمهم الله قول الله سبحانه: أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا بأن النقص المراد في الآية الكريمة هو موت العلماء.

وفي هذه الأيام فقدت منطقة عسير أحد علمائها الرَّبانيين ودعاتها المعروفين، ألا وهو الداعية إلى الله على بصيرة فضيلة الشيخ مداوي بن علي بن جابر العلكمي، المدير العام السابق لفرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة عسير، الذي انتقل إلى رحمة الله فجر يوم السبت

16-12-1432هـ في مدينة الرياض عن عمر ناهز السبعين عاماً إثر مرض ألمَّ به لم يمهله طويلاً.

أسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يلهم آله وذويه وجميع طلابه ومحبيه وعارفي فضله الصبر والسلوان.

ويحضرني هنا قول الشاعر:

إذا ما مات ذو علم وتقوى

فقد ثلمت من الإسلام ثلمهْ

وموت الصالح الرضي

نقصوفي مرآه للإسلام نسمهْ

والشيخ - رحمه الله - أحسبه ولا أزكي على الله أحداً من أهل التقوى والصلاح والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والغيرة على حرمات الدين منذ أن كان طالباً نجيباً في مطلع شبابه بالحلقات العلمية لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية السابق - رحمه الله - في مدينة الرياض، وحلقة الشيخ الزاهد والعالم الجليل عبدالله بن يوسف الوابل - رحمه الله - في مدينة أبها إلى أن تسنَّم المناصب الإدارية في مجال الدعوة إلى الله فكان أول من أسس مكتب الدعوة والإرشاد بمدينة أبها في حدود عام 1384هـ، وقام هو ونخبة من زملائه الدعاة إلى الله بجولات دعوية وتوعوية في المناطق النائية بسراة عسير وتهامتها إلى حدود مناطق جازان ونجران؛ ما كان له أبلغ الآثار الإيجابية في تثقيف المواطنين في تلك الجهات وتعليمهم أمور دينهم على الوجه الصحيح، بما نسأل الله تعالى أن يجعل تلك الجهود في موازين حسناته وحسنات زملائه الأحياء منهم والأموات من أمثال الشيخ عبدالرحمن الحماد رحمه الله والشيخ صالح بن نعمه شفاه الله والشيخ ابن حوبة رحمه الله والشيخ مشبب الأحمري رحمه الله والشيخ علي بن فردان حفظه الله والشيخ ناصر بن مداوي وفقه الله والدكتور عبدالله بن علي أبو عشي وفقه الله وغيرهم رحم الله من مات منهم وأسكنه فسيح جناته ووفق من كان حياً وأدام عليه لباس الصحة والعافية.

وبعد أن تم إنشاء وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في عهد أول وزير لها، وهو معالي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي حالياً، عُيّن فقيدنا الراحل الشيخ مداوي رحمه الله أول مدير عام لفرع الوزارة بمنطقة عسير؛ فقام بعمله خير قيام،

وحظيت الدعوة إلى الله في عهده بنشاط ملحوظ، وكنت واحداً من الذين شرفوا بالعمل تحت إدارته في مجال الدعوة إلى الله عندما باشرت العمل إماماً وخطيباً لجامع الملك فهد بأبها منذ عام 1411هـ حتى الآن ولله الحمد والمنّة، وكان رحمه الله يخصُّني بكثير من المحبة والتقدير والتشجيع بالمشاركة في كثير من المناسبات الرسمية التي يقيمها فرع الوزارة بمنطقة عسير في إعداد كلمات وقصائد شعرية، كما أنه رحمه الله رفع باسمي إلى الوزارة مرشحاً لإدارة فرع الوزارة بمنطقة عسير؛ فجزاه الله عني خير الجزاء.

ولا أريد أن أستطرد في الحديث عن مناقب الفقيد رحمه الله؛ فهي كثيرة وجميلة، وتحتاج إلى مقالات عديدة من الكرم وسماحة النفس والتواضع وطيب المعشر والحرص على طلب العلم ومحبة العلماء.. ولعل غيري ممن عرف الشيخ يسهم في الحديث عن تلك المناقب والشمائل الرائعة.

ومما يعزينا في فَقْد الشيخ رحمه الله أنه قد ترك وراءه ذرية طيبة مباركة وأبناء بررة من طلبة العلم والدعاة إلى الله الذين يسهمون في خدمة هذا الوطن؛ فمنهم القاضي وخطيب الجامع والمعلم والمحامي ورجل الأعمال الذين ربَّاهم والدهم رحمه الله على حفظ القرآن وطلب العلم وحب الصلاة وحسن الأخلاق والفعال ممِّن يفتخر بهم في مجتمعنا السعودي، ولعلهم يفكرون تفكيراً جاداً في توثيق السيرة العاطرة لوالدهم الراحل ومسيرته العلمية والدعوية وينشرون كتاباته الصحفية وخطبه المنبرية بعد أن تزول عنهم آثار الحزن والألم بفقدان والدهم فقيد الدعوة والدعاة بمنطقة عسير، ولا أظن أن مثل هذا الاقتراح يفوت عليهم وهم الذين نشؤوا في مدرسته ونهلوا من علمه وفضله.

وأختم هذه الكلمة ببعض الأبيات الشعرية في رثاء الشيخ مداوي رحمه الله، وأقول:-

تعزَّ بالصبر عند الحادث الجلل

وكل رضيَّاً بما قد خُطَّ في الأزلِ

والجأ إلى الله واقرع باب رحمته

مستمسكاً بالهدى من صالح العملِ

وقد رزئنا بفقد مداوي الشيخ داعيةً

بحكمة وبيان واضح.. جزلِ

وبسمة عذبة كالشمس ساطعة

ومنطق سلسلٍ أحلى من العسلِ

يا رب فاغفر له وارفع مكانته

في جنة الخلد مسروراً مع الرسلِ

واجبر مصاب بنيه وآل عترته

بالصبر سلوى النهج والسُّبُلِ

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة