Friday 25/11/2011/2011 Issue 14302

 14302 الجمعة 29 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

الربيع العربي أو الثورات العربية، أو الانتفاضة العربية، أو كيفما تحلو تسميتها، أضحت مميزة لهذا العام الذي يوشك على الانقراض، ولم أعرف قط أن عاماً من الأعوام التي سلفت قد حاز ما حاز هذا العام من تقلبات عجيبة وغير متوقعة. تغيرت قيادات ووجوه في ثلاث دول، وهناك دولتان تحتضران، والله وحده العالم بما ستنتهي إليه الأمور.

لقد اعتاد عالمنا العربي أن يكون التغيير نابعاً من انقلاب يقوده الجيش أو الداخلية، لكنه في ثوراته الحالية اتكأ على الشعب، ولهذا فقد كانت نكهته خاصة، ولا أقول مميزة تميزاً سلبياً أو إيجابياً، فهي نكهة ما زال عبقها يغطي مساحة كبيرة من عالمنا العربي، مع أن الناس في هذا الجزء من العالم لم يتمكنوا بعد من الحكم على كنه هذا العبق الذي قد يكون منعشاً أو موحشاً، وقد يكون جاذباً أو طارداً.

الشعوب العربية في تلك البلدان شكت من حكامها، فجربت الثورة الجماعية فتم لها إسقاط الأنظمة، كما جرب فيما مضى عدد لا يتعدى أصابع اليد من مواطني تلك البلدان التغيير، فتغيرت وجوه وجاءت وجوه أخرى، لم تر شعوبها تلك الدول في ذلك التغيير ما يشفي الغليل.

انطلقت الشعوب صادقة في مطالبها مخلصة في غاياتها سوى تلك المندسة أو المستغلة، فكان ما كان، لكن ما غاب عن بعضها هو الإدراك بأن التغيير في حد ذاته سواء كان جماعياً أو فردياً لن يكون ذا جدوى إذا لم تصاحبه رؤية واضحة، ونية صادقة، ويد فاعلة، وكل ما يخشاه الكثير أن اجتماع هذه المكونات الثلاث لن يكون يسيراً في كثير من الدول، كما أن فقدان أحدها سيسبب خسارة كبيرة، ولن يؤتي أكله ولو بعد حين.

ربما يكون ما تم من تغيير مع فداحة الخسائر الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية المصاحبة له كبير جداً، إلا أن العواقب قد تكون حميدة إذا غير الإنسان ما بنفسه، وإلا سيبقى الإنسان طليقاً في شهواته الاجتماعية والمادية، يمارس منها ما يشاء على أولئك الذين قاد معهم تلك الثورة العارمة الداعية للتغيير، وبهذا فكأنه يطلب تغييراً للوجود فقط دون تغيير يذكر فيما يخص الذات البشرية التي يحسن بها أن تخضع للتغيير مجبرة لأنها قوية في نزعتها الذاتية للاستمتاع دون النظر إلى الضوابط التي تحتم عليها الارتداع عن المضي في الهوى.

إن تقلد منصب ما يعطي للفرد خياراً بين الانسياق خلف أهوائه في الإدارة أو إجبار ذاته على المسلك القويم، مع ما يصاحب ذلك من عصف عاطفي وصراع داخلي بين الانزلاق مع المتطلبات الاجتماعية غير المبررة أو ثني النفس عن ضعفها والتخلص من بعض الموروثات الاجتماعية التي قد تكون عائقاً لأي تقدم إداري، لا سيما أن عالمنا العربي يحفل ببعض تلك الموروثات الخاطئة التي مازلنا نمارسها في إدارتنا حتى في زمن التسابق العلمي والإنتاجي العالمي الذي نعيشه اليوم.

عندما ينتهي عام الثورة أو أعوامها سيجد الكثير من أبناء المجتمع سواء في القيادة أو في غيرها أنفسهم أمام سؤال واحد، ماذا جنينا؟ وأين الثمرة؟ فإن كان الجني غزيراً والثمر طيباً وفيراً، فسيكون ذلك دلالة النجاح، وسيتلاحق النجاح تلو النجاح، لأن للنجاح طعماً قل نظيره. وهذا ما حدث في دول مثل الصين وماليزيا وقبلها كوريا، وسنغافورة، ومظاهر النجاح لابد أن تكون في العدل، والحرية، والتقدم الاقتصادي، والاجتماعي، واللحاق بالعالم في مسيرته العلمية والعملية، فإن ظهر ذلك وبات في تلك الدول، فهنيئاً لتلك الثورات والثوار بتلك الثمار، وإن كان غير ذلك فلا فرق بين الماضي والحاضر، وستظل تلك الشعوب تبحث عن تغيير غير مجد، وهي لا تعلم أن التغيير الفاعل والناجح أقرب لها من حبل الوريد ويكمن في تغيير ذاتها وكثير من ممارستها الإدارية التي اعتادت عليها من خلال المزج الغريب العجيب بين العمل والعاطفة، وفي ذلك المزج يكمن الداء، وفي اجتنابه يكون الدواء.

إن ما قامت به بعض الشعوب العربية عمل غير مسبوق، ونحن والعالم أجمع في انتظار ما يسفر عنه بعد أعوام قليلة، ومن خلال ذلك يمكن الحكم على مقدار الحكمة أو المجانبة لها.

 

نوازع
ماذا بعد الثورات..؟
د.محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة