Saturday 26/11/2011/2011 Issue 14303

 14303 السبت 01 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تجتاح العالم العربي موجات من الحراك السياسي الذي يصل إلى العنف والاقتتال في الشوارع، ولم تسلم دول الخليج من ذلك المد، فالأحداث في البحرين وأيضاً الكويت لا تخلو من العنف و المظاهرات والحوار السياسي الحاد، وفي الأزمات الخانقة تظهر الحكمة السياسية، وأرى أن ملك البحرين حمد بن خليفة أظهر ذكاء سياسياً يستحق الإشادة، وذلك عندما سارع في تأسيس اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، والتي أُسست بقرار ملكي في نهاية حزيران يوليو الماضي، وتتكون من أعضاء شخصيات دولية، ويشرف خمسة أعضاء على عمل اللجنة جميعهم حقوقيون ومتخصصون في مجال حقوق الإنسان، ومعظمهم شارك سابقا في لجان تابعة للأمم المتحدة في مناطق نزاع مختلفة.

تقوم صلاحيات اللجنة على التحقيق في أحداث شهري فبراير/ شباط، ومارس/آذار 2011، وما تبعها من أحداث بعد خروج تظاهرات معارضة واسعة في البلاد طالبت بإصلاحات سياسية وبمزيد من الحقوق، وأدت مواجهة السلطات لتلك التظاهرات بعنف إلى مقتل أكثر من خمسة وعشرين شخصاً، وتنظر اللجنة أيضاً في اتهامات أخرى كتعذيب المساجين والفصل التعسفي لأسباب سياسية وتهديم أماكن دينية، ومن صلاحياتها إصدار توصيات بناء على تحقيقاتها من أجل تفادي تكرار أي انتهاكات لحقوق الإنسان في المستقبل.. كان من أهم نتائجها، أن السلطات الأمنية استعملت القوة المفرطة غير المبررة ضد المحتجين، كما تمت ممارسة التعذيب بشكل متعمد بحق معتقلين وتسببت بحالات وفاة. لكن ذلك تم خلافاً لأوامر الوزارة، وعلى رغم وجود تعليمات سارية، وانتهى التقرير إلى أن لا دليل على علاقة واضحة لإيران في الاحتجاجات أو على ضلوع القوات الخليجية التي أرسلت إلى البحرين في تجاوزات تمس حقوق الإنسان.

الأزمة في البحرين لها علاقة بمكونات العقل السياسي في تاريخ المسلمين، والذي يرفض التعددية السياسية ويحصرها في ثنائية الطاعة والولاء بين الإمام والناس عند السنة، وبين الفقيه والأتباع عند الشيعة، ونتيجة لذلك تنعدم الثقة بين السلطة والناس، ويزيد من أزمة البحرين موقعها الجغرافي وتكوينها الديموغرافي، ونستطيع القول إن خروج العقل السياسي الشيعي إلى الواقع بعد الثورة الدينية الإيرانية، بأطيافها ضيقة الأفق وعلاقتها بولاية الفقيه، زاد من مساحة عدم الثقة بين السلطة السنية وغالبية الشيعة من الشعب البحريني، وذلك بسبب هاجس علاقة الشيعة السياسية والدينية بفقيه يعيش خارج الوطن، وقد قبلت التجارب السياسية الحديثة في الغرب بالعقل السياسي المدني الذي يقبل بالتعددية ويحترم حقوق الناس بمختلف أطيافها تحت مظلة الحقوق المدنية ليكون البديل المثالي للأسلوب الأحادي في النظام الطائفي السياسي، ولم يعد أمام إيران أو غيرها إلا القبول بالمدنية كنظام بديل للأحادية المتطرفة، وذلك ليكون الضامن للوحدة الوطنية.

لم تغب تلك الرؤية الحديثة عن جلالة الملك، والذي فتح الباب على مصراعيه لدخول مرحلة جديدة عندما شكّل لجنة على أسس مدنية للحكم على الأحداث في البحرين، وكأني به يريد نقل العقل السياسي في البحرين من ضيق الأفق والتبعية إلى عقل يقبل ثقافة الحقوق والتعددية والتسامح والمساواة، ويرفض أن يكون عقلاً مؤجراً بالكامل لأفكار حادة التطرف وضيقة الأفق، ويشترك في ذلك كلا العقلين السياسي الشيعي والسني، والذين وصلوا عبر مراحل التاريخ إلى مراحل لا تقبل الاتفاق، ولذلك لا يخرج الحل عن ضرورة الانتقال إلى مركزية العقل السياسي المدني.

كانت مبادرة ملك البحرين في غاية الحكمة السياسية، فقد أبطلت تلك المبادرة شرارة الصراع السياسي الداخلي، وأظهرت اللجنة أن إيران والسعودية ليس لهما علاقة مباشرة بأحداث العنف البحريني، وبالتالي أعاد مبادرة إصلاح الوضع إلى الداخل، وأن الخلل قد يأتي من خلفيات ذلك الصراع الخفي والذي قد يتسلل إلى بعض الأجهزة الأمنية في تعاملها العنيف ضد المتظاهرين، وقد أستطيع القول بكل حياد إن الملك حمد بن عيسى أظهر حنكة سياسية بارعة في إدارة الخطر المحدق ببلاده، وإنه بالفعل أوصل دولته إلى مفرق سياسي حقيقي في تاريخ البلاد، وستكون المرحلة القادمة حاسمة في نقل مملكة البحرين من ضيق العقل السياسي الطائفي إلى الأفق الواسع للعقل السياسي المدني بكل ما تعنيه الكلمة.

 

بين الكلمات
تأملات في أحداث البحرين
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة