Sunday 27/11/2011/2011 Issue 14304

 14304 الأحد 02 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تسبب حريق مدرسة (براعم الوطن الأهلية) للبنات بحي الصفا في جدة قبل أيام قلائل؛ في وفاة معلمة وطالبة، وإصابة قرابة الأربعين منهن، كان البعض منهن يرمي بنفسه إلى الشارع من الأدوار العليا، بعد أن حاصرت النيران والدخان؛ كافة منافذ ومخارج المبنى المدرسي. هذا

إذا لم يكن بعض هذه المنافذ والمخارج مسدوداً بقضبان الحديد والزنك.

هذا الحادث الأليم، لم يكن الأول الذي نعرفه، سواء على مستوى المباني المدرسية، أو حتى المباني السكنية. وهو لن يكون الأخير؛ إذا لم نغير من ثقافة الحديد والشنكو التي تتلبسنا في كافة مدننا وقرانا.

قبل عدة أعوام؛ شب حريق في مدرسة في مكة، وأكلت النار طالبات كن في عمر الزهور، وكان الحديد والشنكو والأقفال حاضرة، وفي الطائف؛ وقع حريق قبل هذا في فيلا، فأتى على أهله الذين لم يتمكنوا من تجاوز الحواجز الحديدية، ولم يتمكن أحد من إنقاذهم، لأن أبواب الفيلا من حديد، ونوافذها مشبكة بالحديد، وسواترها مسيجة بالشنكو..!

ولو أننا تتبعنا الحوادث المشابهة لهذه، لخرجنا بإحصائية كبيرة، لا يملكها أفضل من أجهزة الدفاع المدني، التي لو سئلت لأجابت، ولعبّرت عن الصعوبات التي تواجهها إذا ما هرعت إلى محل حريق في مبنى، فاصطدمت بأبواب ونوافذ وسواتر حديدية صلبة، تحتاج إلى معالجات خاصة، وتتطلب وقتاً أطول من أجل إسعاف وإنقاذ بشر يختنقون داخل الغرف، والنيران تحاصرهم من كل جانب، وجلودهم تكوى وتشوى، والبعض الآخر يموت خوفاً وهلعاً قبل وصول فرق الدفاع المدني.

- كثيرة هي المدارس المستأجرة؛ وحتى بعض الحكومية، وخاصة مدارس البنات، تتعرض مبانيها لتعديلات وتشويهات غير منطقية وغير مفهومة، مرة بحجة حمايتها من أن تسرق، ومرة بحجة الستر ودفع أعين المتطفلين، حتى أن النوافذ تغلق بالكامل بصفائح الحديد، والأسوار ترفع بالشنكو عدة مترات.. إلى غير ذلك مما ينسحب كذلك على المساكن الخاصة، فلم تنجُ منه حتى الجوامع والمساجد، فكم من فيلا أو دار استنزفت مئات آلاف الريالات، وشيدت وزينت بالغالي من مواد البناء، وأصبحت داخل حديقة غناء، لكنها ما تلبث أن تُحجب بالشنكو الذي يعلو أسوارها، وبصفائح حديد تغطي نوافذها، فتحجب عنها شمس النهار والهواء النقي، وتذهب بجمالها ورونقها، ثم قد تذهب بأرواح ساكنيها إذا ما تعرضت لا سمح الله؛ إلى حادث حريق مثل الذي وقع للمدارس والمنازل المنكوبة وغيرها.

ما هذا الهوس الذي أصبح معه الحديد مكوناً ثقافياً في طريقة التعمير والبناء، وفي الحياة الاجتماعية اليومية..؟

لا أعرف أن الأنظمة البلدية تجيز مثل هذه التجاوزات في عمران المدن، لكني لا أعرف أن الأجهزة البلدية في أي مكان في المملكة، اعترضت يوماً ما على تجاوزات كهذه، فاستدعت مالك العقار، وكلفته بالإزالة أو تغريمه، ولو هي فعلت ذلك، فهذا حقها وحق المجتمع كله في الحفاظ على جماليات العمران، وفي حماية أرواح الناس وسلامتهم؛ من أن تزهق وتذهب داخل قلاع من إسمنت وحديد تسمى مباني مدرسية وسكنية وتسويقية، وهي أقرب إلى السجون.

تلفتوا وانظروا حولكم.. في مدنكم وفي أحيائكم.. انظروا إلى المباني المدرسية التي يدرس فيها أبناؤكم وبناتكم، ما شكل وكمية الحديد التي تحيط بها، وكم باب حديد لها، وهل فيها شباك واحد غير مشبك أو مقفل بالكامل بصفيح حديد..؟!

دورنا ومساكننا أصبحت مسكونة بالحديد بشكل غير منطقي. لو اقتصر الحال على الأبواب الخارجية لهان الأمر، لكن الحديد يوصد الأبواب والنوافذ، ويشوه المنظر العام، ونستخدمه وسيلة للتعبير عن خوفنا مما حولنا، وعن خوفنا ربما من أنفسنا.

وحتى لا نضيع وقتنا في البحث عن المتسبب في كوارثنا التي يجر بعضها بعضاً، ونفقد المزيد من الأرواح داخل غرف محمية بالحديد، ومسيجة بالحديد، ينبغي أن نوجه جهدنا إلى الحديد ذاته، فنحاكم الحديد، ونعطي الجهات المختصة عن تنظيم العمران في المملكة - وهي فروع وزارة البلديات - صلاحية فرض مواصفة عمرانية إلزامية، تقنن استخدام الحديد كمكون عمراني، بحيث لا يحجب الرؤية، ولا يقفل شباكاً، ولا يشوه المنظر العام للمباني، الذي هو حق عام، قبل أن يكون حقاً خاصاً بصاحب المنشأة.

حاكموا الحديد بأثر رجعي، وحاكموا المتساهلين والمستهترين بأرواح الناس، بحيث يسعى الكل إلى تصحيح الوضع العمراني لكافة المباني، من أجل توفير قدر أكبر من الأمن والسلامة والصحة والجمال كذلك.

assahm@maktoob.com
 

حاكموا (الحديد)..؟!
حمّاد بن حامد السالمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة