Tuesday 29/11/2011/2011 Issue 14306

 14306 الثلاثاء 04 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

إعادة الكلام عن أهمية التعليم العام تبدو وكأنما هي مضيعة للوقت، لأنه ولعقود متعاقبة لم ينفك المواطنون، وأولياء أمور الطلاب يناشدون بتحديث وتحسين المناهج وتخليصها من الحشو الممل الذي لا يفيد الطلاب لا في حاضرهم ولا مستقبلهم، ولكن بدون طائل.

وفي كل عام تصرف الدولة مليارات الدولارات، بإلحاح من مسئولي وزارة التربية والتعليم لتحسين التعليم، وللصرف على تحديث المناهج والمقررات، ولكن ويؤسف لذلك تتوالى السنون وتضيع الأموال لتخرج لنا المناهج ذاتها بتغييرات سطحية، وأحياناً بشكل أسوأ من ذي قبل. والمؤسف في الموضوع هو أنه يتوفر في المملكة قدرات بشرية ومادية قد لا تتوفر لغيرها في هذا المجال، إلا أن لجان تطوير المناهج تخطئ طريقهم لتدخل المحسوبيات، والمظاهر، والأيدلوجيات لننتهي من حيث بدأنا أو قبله قليلاً. فمعظم مناهج التعليم العام مصممة بشكل سيء ممل، ولا يتناسب مع قدرات الطالب وحاجاته.

الأسئلة البدهية الذي تطرح عادة عند تصميم مناهج التعليم هي: أولاً، ما الهدف من العملية التعليمية؟ ثانياً، ما المهارات الذهنية والسلوكية التي يحتاجها الطالب ليكون مواطناً صالحاً ومنتجًا في عالم اليوم و الغد لا عالم الأمس؟ ثالثاً، كيف نعد الطالب لمراحل التعليم اللاحقة؟ ولا يغيب عن ذهن الجميع أن التعليم الجامعي لدينا ينقسم لقسمين: قسم شرعي، وقسم غير شرعي. ولكن البعض يخلط بين «الشرعي» و»المشروع» وينظر لغير العلوم الشرعية في قرارة نفسه على أنها علوم غير مشروعة؛ وقد لا يصرح بذلك ولكنه يتصرف كذلك.

فلنأخذ على سبيل المثال مادة الفقه (فقه 1) في السنة الأولى الثانوية (البرنامج المشترك)، وهو أحد البرامج المطورة المعممة مؤخرا، حيث يتبع نظام التعليم المعدل التراكمي لسنوات الثانوية الثلاث. يتكون الكتاب من 280 صفحة حتى لا يعتقد البعض أن هناك خطأ في كتابة الرقم، وهي من القطع الكبير. ومقدمة مؤلفي الكتاب التي تغني عن كثير من التعليق، تذكر مايلي: «كتاب يقرب لك (أي الطالب) الأحكام الشرعية لأحكام الجنايات والحدود في الشرعية الإسلامية، وفقه الأسرة، وأحكام المعاملات الشرعية مع مقدمة في معنى الفقه وأهميته والمواقف من خلاف العلماء رحمهم الله تعالى».

وتستطرد المقدمة: «وبقدر علمك وعملك بالأحكام التي تدرسها ودعوتك إليها وتعليمها للآخرين تكون بلإذن الله تعالى ممن أراد الله بهم الخير وسعادة الدارين حيث أخبرنا الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم:»نظر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه». هذه هي أهداف المنهج بالنسبة لمن ألفوه وهي ألا يعي الطالب مبادئ الفقه التي يحتاجها لفهم دينه وتيسير حياته فحسب، وإنما أن يكون الطالب فقيهاً يفقه غيره. «حامل فقه لمن لا فقه له. فلننظر إلى محتويات هذا السفر الضخم بما أحتوى من أدلة وخلافات بين الفقهاء.

الباب الأول: تعريف الفقه، نشأة علم الفقه، مدارس الفقه، ظهور المذاهب المتبوعة، أسباب خلافات العلماء، الفتوى والاستفتاء. الباب الثاني: النكاح: عقد النكاح، المحرمات من النساء، الشروط في النكاح، الأنكحة المحرمة، معايير اختيار الزوجة، الخطبة، الصداق، وليمة العرس، تحديد النسل وتنظيمه والإجهاض. الباب الثالث: الطلاق: حكم الطلاق، الخلع، الإيلاء، العدة، النفقات، الرضاع، الحضانة. الباب الرابع: البيع: تعريفه، أقسام البيع، شروط البيع، وقت البيع ومكانه، قبض المبيع، الخيار في البيع، أنواع الخيار، البيع بشرط البراءة، الشروط في البيع، أنواع الشروط. الباب الخامس، البيوع المحرمة، أسباب الكسب المحرم، الظلم، الربا، عقد الصرف، بيع العينة، التورق، الغرر، صور من معاملات الجاهلية القائمة على الغرر، تطبيقات الغرر في المعاملات المعاصرة، التأمين. الباب السادس: بيع التقسيط، تعريف بيع التقسيط، بيع المرابحة للواعد بالشراء، البطاقات المصرفية، خصم الأوراق التجارية، الصناديق الاستثمارية.., الباب السابع: الوكالة: تعريف الوكالة، العارية، عقد الإجارة. الباب الثامن: الشركات: تعرف عقد الشركة، انواع الشركات، شركات الأشخاص، شركات الأموال. الباب التاسع: المسابقات: تعريف المسابقات، شروط جواز المسابقات، دفع جوائز المسابقات، اللقطة، تعريفها، أحكام اللقيط. الباب العاشر: الجنايات: تعريف الجناية، أنواع الجناية، 1. الجناية على النفس، القتل العمد، قتل الإنسان نفسه، 2. القتل شبه العمد، القتل الخطأ، 3. الجناية على ما دون النفس، حوادث السيارات. الباب الأحد عشر: الحدود: تعريف الحدود، حد الزنا، جريمة اللواط، حد القذف، حد المسكر، حد السرقة، حد الحرابة، حد البغي، حد الردة، التعزير.

هذا هو المنهج كما هو. وعند سؤال أحد الزملاء المهتمين بالفقه والشريعة قال إن هذا كل ما يدرسه طالب البكالوريوس في الشريعة، أجمل في كتاب واحد. أما أحد مشرفي المدارس فقد أسر لي بأنه وزملائه الذين استشارتهم الوزارة قبل إقرار الكتاب، عارضوا المنهج لصعوبته وطوله وعدم ملاءمته لمرحلة الطلاب، إلا أن لجنة الوزارة لم تأخذ بملاحظاتهم. فمنهج مثل هذا يصلح أن يكون منهج لإعداد القضاة لا طلاب السنة الأولى الثانوية، لأن الطالب يكون في أول سن المراهقة، وفي مرحلة إعداد يدرس فيها سبع مواد أخرى. وعادة ما يسقط في يد الطلاب فيعمدون لحفظ المادة حفظا عن ظهر قلب، ولا يفهمونها فهم فيه تبصر، لأنهم ببساطة لم يصلوا لمرحلة النكاح، والجماع، والبيوع، والجنايات وغيرها. كما أن المدارس، الخاصة منها تحديدا، تتجاوز هذا المنهج بمنح الطلاب الدرجة كاملة بدون دراسة كاملة للمنهج، أما في المدارس الحكومية، وإذا وافق هذا المنهج المُترس بالمواضيع الفقهية العويصة مدرس متحمس ينظر للعلوم الأخرى على أنها علوم أقل أهمية، ويحاول تحقيق ما ورد في مقدمته من جعل الطالب داعية، فإن هذا المنهج يستحوذ على معظم وقت المقررات الأخرى، وعندها فلنقرأ على معدل الطالب التراكمي السلام، ومستقبله كطالب حتى ولو كان طالباً عبقريا سيكون محل تساؤل. والبعض يعتقد أن هذه المواد هي التي تدفع الطلاب وأولياء أمورهم لصرف مبالغ طائلة بنقل أبنائهم للمدارس الخاصة.

والسؤال الأهم، أين وزارة التربية، المناط بها تحديث التعليم من كتاب مثل هذا؟ أما أنها لم تطّلع عليه، كما لم تطلع على كتاب الحديث الذي يكرّه ويحرم الابتعاث. والمؤسف حقاً، و الأمر الذي يتسبب في كثير من الأخطاء على مستوى الأجهزة الحكومية، هي اتكال المسئولين على آخرين يحملونهم المسئولية، ولا يكلف المسئول نفسه حتى مجرد الاطلاع على ما يدخل ضمن مسؤوليته، وهذا لا يجوز شرعاً. وسنفيد طلابنا أكثر لو ضمنا كتب الفقه في هذه المرحلة أن تحمل المسئولية من الإسلام، لعله يخرج لنا جيل من شبابنا يعي المسئولية ويقدرها حق تقديرها. فإغراق الطلاب، وإرهاقهم في مسائل فقهية وإيديولوجية، لا تتناسب مع أعمارهم، واهتماماتهم، ولا تمت بحياتهم المعاشة في هذا العمر بصلة، يأتي دائماً بنتائج عكسية، ويغرّبهم عن دينهم، كما يغرّبهم عن دنياهم.

لن يصلح التعليم لدينا، حتى ولو أنفقنا ميزانية الدولة عليه كاملة، ما لم نخلصه من الصراعات الإيديولوجية الخفية. فمن يكتب المناهج بهذا الشكل يعتقد أنه في جهاد خفي ضد توجه آخر موهوم. فلنبدأ من جديد ولنوكل أمور إصلاح المناهج لتربويين ناضجين، ينظرون للمستقبل، ويقدرون الشاب ومرحلته التعليمية، فما هكذا تورد الإبل.

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif
 

التعليم المعمم
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة