Wednesday 30/11/2011/2011 Issue 14307

 14307 الاربعاء 05 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

(ماضٍ دثرته السنون)
روابي الخميس

رجوع

 

هي طفلة في مثل سني...

علاقتنا ملؤُها البراءة...

كنا نلعبُ دوماً... نتهافت.. شقاوتنا هي أساسٌ يرضي عقولنا وكأنها السبب الذي نحيا من أجله...

نبعثر أغراض عمتي على تسريحتها،،،

نلعب في حُليها...

نشتت مجلاتها,,,

وتلك ثلاجة جدتي نذهب لنتفقدها بحذر...

نبعثر محتوياتها لنُخرج (الحلوى)...

وذاك جدي نفر من حوله بمرح عندما يغضب من ضجيج أصواتنا...

نصرخ... نبكي... نضحك.. نتأمل...

وعندما لا نجد شيئاً يشغلنا نبدأ بشجار...

ذاك عمي يخرجنا بنزهات جميلة نرفع أصواتنا بمرح نُجلجلُ فرحاً...

وتلك مغامراتي مع صديقتي أثناء هروبنا من حصة التدبير...

تلك معلمتي (هيلة) دوماً ترسُم على أفواهنا البسمة والحماس أثناء حصة التاريخ...

نعيش دقائقنا.. ساعاتنا.. ويومنا فقط..

لا مستقبل يشغلنا...

نذهب إلى دورنا منهكين لا شيء يشغل تفكيرنا..

تلك هي ابنة خالتي تنام بجانبي نتحاور فيمن سيلعب غداً دور الأب فهي دوماً تريد أن تكون الشخصية القيادية..

لا شيء يكدر صفو حياتنا.. لا همّ ولا ألم ولا عجز يعرقل اندفاعنا

كان الماضي حلواً...

كان الماضي ذكرى تنعش تفكيري...

صورته عالقة في مخيلاتنا دوماً بلا شوائب أو علل...

صورة نحملها في ذاكرتنا حلوة زاهية صافية بريئة ومرحة..

قالت لي خالتي بالأمس:

ما أجمل ماضينا وقديم وقتنا.. بساطة.. قلوبنا قريبة من بعضها.. قلوب طاهرة لا تحمل الهموم ولا الحسد ولا الظلم يختلف ماضينا عن هذا الوقت كثيراً

وفي جلسةٍ عائلية بدأت كل واحدة منهن تحاول أن تسابق الأخرى في جمع الذكريات وسردها بشوقٍ ولهفة..

برواز جمع ذكرياتهم وكأنها حلمٌ جميلٌ يرجعون إليه كلما أثقلت الدُنيا همومهم

وجوههم أثناء الحوار تحمل ابتسامة بريئة تلك الابتسامة التي مثلتهم في ذلك البرواز القديم..

ذكريات برواز قد جمّلهُ الغُبار...

ابتسمت رغم فرق السنين بيني وبينهن

فقد كان أيضاً زماني رغم اختلاف الجيل جميلاً.. بسيطاً.. يشعرني بالأمان والراحة..

كان زماني أيضاً خفيفاً على قلبي... عميقاً في نفسي.. وحلواً في ذاكرتي

عند اجتماعنا على سفرة العشاء يبدأ أبي أيضاً بسرد مغامراته في زمانٍ جمع أحلامه ونثرها فيه

ثم تأخذه منا تنهيدة وبسمة شوق

كان يرثي حاضره بحنين وكأن الجمال لم يخلق إلا لذلك الزمان...

لم تكن العلة في الزمن يا أبي...

ولم تكن في الوقت..

بل نحن من تغير حالنا

تغيرت أعمارنا يا أبي، تغيرت أجسادنا... تغير تفكيرنا..

ليس الزمان حِملاً يا خالتي...

وليست صورة زمن قد قُتلت بلا إرث!

إنما هي ذكرى عالقة بين السحاب تمطرُ علينا لتروي عطش الماضي في قلوبنا..

هي صورة طفل وطفلة بريئة لا تحمل في قلبها سوى اللهو والمرح والضحك

لا تخطط لشيء...

لا يشغلها شاغل..

إلا كيف تدير ألعابها...

كيف تقنع والدها بالذهاب إلى البقالة..

تتشوق لقصة ما قبل النوم..

تحن لإنشاد والدتها حتى تغفو عيناها بسلام

هكذا كان تفكيرها..

أو ربما طفلة

تلبس فستانها الأصفر..

تمشي حافية القدمين إلى بيت جيرانها

وتختبئ في حجرةٍ صغيرة لتلعب مع خليلاتها

لا تكترث لمستقبلها فلم يحن الوقت بعد!

لا هموم تثقل كاهلها فتعجز..

هي طفله تقوم لصباحٍ يدعو قلبها للغناء

لصباحٍ يرسم على محياها البسمة

خالٍ من الأشغال والازدحام

قد كبرنا ولم يكبر زمننا..

قد كبرنا وكبرت همومنا..

قد كبرنا فليس العيب في جديد وقتنا

إنما هو حلو أعمارنا في ذلك الوقت

براءة أفكارنا..

قد رضينا بلعبةٍ صغيرة تملأ فراغ يومنا

قد رضينا باحتفالٍ تجمعنا فيه الضحكات وأصوات البالونات...

لا همّ يغلب نفوسنا...

لا تعب يهد أجسادنا...

لا كدر يعطل عالمنا...

لا عتب يتعب قلوبنا...

تلك الطفلة قد كانت تلعبُ بألعابي..

قلبها يدقُ فرحاً للهو..

كانت مرحة.. بشوشة..

أتذكر خصلات شعرها الفوضوية

تملأ المكان بشقاوتها..

فهي تجيد حقاً فن الكوميديا رغم صغر سنها

والآن توجس الهمّ في قلبها

تنتظر الفرج!

وتحلم بذلك اليوم الجميل...!

خالي يجمعنا صغاراً في سيارته الصغيرة

رغم الضيق لم تضق نفوسنا...!

ننظر من خلف الشبابيك متى ستتضاءل المسافة...!

ثم نصل وننتشر فرحين نجمع الحلوى من كل مكان.. ثم نعود أدراجنا مبتسمين..

من أجل حلوى هي كانت الرحلة..

منظر يوم مشمس كانت أصوات العصافير فيه قد بدت غانية بخلاف حاضرنا...

غروب الشمس.... ورائحة المساء..

بيتاً قد بدا كبيراً في مساحته

شاهقاً في علوه...

وبعدما مرت سنون نرى حجمه ضئيلاً بالنسبة لتلك الأيام...

ذلك المنظر هو من يجعلنا ننظر إلى الماضي بحنين وإعجاب..

تلك الذكريات الجميلة موجودة في قلوبنا ذكرى قديمة لم نقدّر قيمتها إلا بعدما غابت أو تلاشت مع ظروف حياتنا..

وفي وقت راحتنا نبدأ باسترجاعها وكأنها نوع من أنواع استجمامنا ثم نتبسم لهذه الذكرى الشامخة في عقولنا...

ذكرى كل طفل لم يعن له اليوم سوى بداية مغامرة جديدة..

قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}.

وعندما أيقنت معنى هذه الآية الكريمة وتعبيرها الموجز في الكلمات والعميق في التفسير

أدركت يا خالتي بأننا قد أخذنا من زمننا ما كان يستحق أن نخلق من أجله ذكرى مُبروزة تحمل معاني هذا الماضي الجميل

انتهى...

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة