Friday 02/12/2011/2011 Issue 14309

 14309 الجمعة 07 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

سأبقى أبحث عن نفسي في شخوص الآخرين.. لأستكمل بها ذاتي حتى لا أسقط في نرجسية عشق الذات.. كذاك الفتى النرجسي الذي أمرضه عشق ذاته.. فسقط ميتاً يوم تراءت له صورة بهاء وجمال وجهه تراقص تموجات مياه غدير في ليلة عانق فيها القمر دفء السماء.. فانحنى ضياؤه يداعب طيف ذلك الوجه الوسيم.

متى...ولماذا...وأين... أقول أنا {وأعوذ بالله من كلمة أنا}؟.. فهذا الضمير دون غيره من الضمائر يمنح الزهو ويوقظ الكوامن كأنه ينبش رغبة الاستعلاء والتكبر على الآخرين.. ورغم إعجابي الشديد به وبطريقة نطقه.. وانبهاري بتكوينات حروفه المبتدأة بألف والمنتهية بألف ممدودة.. وكأن ذلك إيحاء بالكبرياء وعظمة الشأن..إلا أنه يمثل لي في أحيان كثيرة الشخصية القيادية. لكن ومهما يكن يبقى ضميراً متعالياً!!!!

الأنا {ضمير المتكلم}... الذي تعرفنا عليه من كتب القواعد والنحو في مشوارنا التعليمي.. يبدو أنه لم يُحسِن توجيه البشر فضاع في متاهات التبديل وعجز في زحمة التغيرات من تقديم انحناءتٍ للذات عند كثير من البشر فسقط البعض في براثن نرجسيته.. وتنازعت هواجس العظمة والكبرياء البعض الآخر.. وأصبح موقع ضمير المتكلم {الأنا} على خارطة الوجود البشري بكل أبعادها الاجتماعية والإنسانية والسياسية..حتى الموروث التاريخي والشعر العربي..موقع الاستعلاء والهيمنة والسيادة..ونزعة القوة وحب التملك..والكبرياء والعظمة والتمحور حول الذات.

باتت الأنا هي الأنا...فقدت جمال الإيجابيات..وعنفوان الألق..ومحت نفسها من الجموع لتبقى نرجسية تدور في فلك الذات تهيمُ عشقاً بها..وتصدح على أوتارها بنرجسية الاستعلاء { هذا أنا}.

أنا ابنُ جلى وطلاعُ الثنايا

متى أضعُ العمامةَ تعرفوني

إيحاءاتُ نرجسيةِ الذات..وجنونُ عظمةِ الأنا استمرأت في قلوب البشر...ومَثلتْ نواةً دلالية للتعالي والتفاضل بينها وبين الآخر..هذا الأخير الذي يبقى أقل شأناً مهما أوتي من قوة...الأنـا التي تبطش وتستحوذ وتبقى سائدة ومهيمنة..كانت عند المتنبي ضميراً تصاعدياً يشير إلى قمة التباهي بعظمة الاستعلاء ونرجسية الذات والتفاخر بذلك.

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي

وأسمعتُ كلماتي من به صممُ

وعبر التاريخ..قرأنا في سيرةِ حياةِ عددٍ من الزعماء والقادة والسياسيين ممن أصابتهم لوثة العقلية المرضية القائمة على عقدة النرجسية..والشعور بعظمة الذات..وانتهت حياتهم بطلقة رصاص..أو شحنةٍ ناسفة..أو حملتهم أموالهم على أجنحتِها الدافئة إلى عواصم بعيدة. ولكن كل أولئك لم تكن نرجسيتهم بمثل ذاك التيه النرجسي الضارب في عمق الذات الذي كان عليه زعيم ليبيا الأسبق { القذافي }..!! هذا الرجل الذي لم يدع لقباً من الألقاب إلا وسمى نفسه به وكأنه بطلٌ من الأبطال وفارسٌ أوحد يَهزم ولا يُهْزَم.

وإذا كانت النرجسية.. هي الإحساس بالعظمة والاستعلاء وأهمية الذات.. وإذا كانت أيضاً هي الانشغال بأوهام النجاح غير المحدود والاستعراض لجلب الاهتمام والميل إلى الظهور والشهرة على حساب الآخرين..فإن جذور النرجسة الأولية التي تضرب في عمق الذات البشرية منذ بداية الوعي على الحياة.. هي مشرقة ندية قبل أن تتغذى وتمتص مرارة أطعمةٍ فاسدة ملوثة..هي نرجسيةٌ لا تخلو من قيمٍ إيجابيةٍ جميلة..لتبقى عند بعض البشر تمثِلُ نوعاً من التحدي في وجه العواصف وهذا النوع من البشر ينظر إلى نفسه بشيء من الاهتمام والثقة..والاعتداد بالنفس باعتدال وتوازن لا تتملكه أنفة الأنـا حتى لا يغرق وينتهي كذاك الفتى الإغريقي.. الذي أنهاه هيامُه وعشقُه بذاته.

قد لا أكون مبالغة عندما أرسمُ كماً هائلاً من علامات الاستفهام.. بعد سيلٍ من أسئلةٍ متدافعة... ربما يستعصي على العقل إفرازُ إجاباتٍ مقنعة لها في ظلِ حالاتٍ سلوكية متأججة..على مستوى الأفراد والجماعات في وقتٍ انقرضت فيه كثيرٌ من العوامل المشتركة...وتآكلت فيه كثيرٌ من نقاطِ الالتقاء على خلفية التشرنق في شرنقة الذات...والانغماس في نرجسية الأنا ولكن..ومهما يكن.. فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه..لم يكن في يومٍ من الأيام كاملاً.. ولن يكون{فالكمال لوجه الله تعالى} لذا فجوانب نقصِ إنسانيته متباينة ارتفاعاً وانخفاضاً.. وتتمثل في أوجه مختلفة... فيتلمس أقرب الطرق بحثاً عن التوافق والتكامل بعيداً عن كلِ ما عُرِف في هذا الزمن {المصالح الشخصية}.. فقد يجد ضالته من خلال التصاقه بمن لم تنغمس أقدامهم في وحلِ نرجسية التغطرس والكبرياء...ولم تتنازعهم هواجس الأثرة والأنانية... ولم تنحنِ هاماتُهم نحو مسالك أحادية تتعارض مع المصالح العامة من خلال استغلال المقدرات وتوظيفها لأهداف شخصية..قد تكون مجداً..أوشهرة..أو سيادة.

الطموح والحلم...النجاح والتألق...المكانة الاجتماعية والموقع السياسي...هي أمورٌ مشروعة..ولا خلاف في ذلك إن كانت محصورةً في دائرة المعقول والممكن... والبشرية وعبر تاريخها الطويل.. كانت المنافسةُ الشريفة بين أفرادها أحدَ أسبابِ نجاحها. المنافسة والتألق والنجاح..بعيداً عن ضمير المتكلم {أنا} والذي تربعت على قمة ألفه المدودة..نرجسية الذات عند بعض البشر..فطغى جنون العظمة عليهم وربما من أول سطوع لنجمهم.

يبقى كثير من الناجحين والمرموقين..عظماء بأعمالهم وأفعالهم وإنجازاتهم..يذكرهم التاريخ ليس بالمال..والجاه..والمركز بل بعظمة ضمير المتكلم {الأنا} التي تبوأت على هامة ألفه..كل ماصنعوه من نجاحات كانت ولازالت في خدمة البشرية.

 

عود على بدء
مابين العقل والجنون.. تسأل الأنا!! من أنــا؟
زكية إبراهيم الحجي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة