Tuesday 06/12/2011/2011 Issue 14313

 14313 الثلاثاء 11 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

دوليات

 

لغة الاحتجاجات الدولية
جان - ورنر مولر برنستون

رجوع

 

إن الحركات الاحتجاجية التي عمت الغرب من تشيلي إلى ألمانيا ما تزال تفتقر إلى التعريف والتحليل فالبعض ينظر إليها على أنها أعظم تعبئة دولية منذ سنة 1968 - عندما اجتمع الغاضبون في بلاد مختلفة تماما على مخاوف متشابهة. لكن البعض الآخر يصرون أنه لا شيء جديد هنا.

لقد ادعى خبير العلوم السياسية البلغاري إيان كراستيف على سبيل المثال بأن ما نشهده في واقع الأمر هو عكس ما حصل في سنة 1968 وقال: «الطلاب في شوارع أوروبا أعلنوا رغبتهم بالعيش في عالم مختلف عن عالم آبائهم والآن الطلاب يتظاهرون في الشوارع للإعلان عن رغبتهم في العيش في عالم آبائهم».

لم يتم ربط تلك الحركات باسم معين كما لا يوجد تفسير واضح لها. لكن كيف تصف نفسها وكيف يتم وصفها من قبل المحللين سوف يشكل فرقا مهما فيما يتعلق بالتوجه الذي قد تتبناه تلك الحركات. إن مثل هذا الفهم الذاتي يجب أن يؤثر أيضا على الطريقة التي يتوجب على المواطنين بشكل عام تبنيها في التعامل مع تلك الحركات.

إن سنة 1968 كانت مشهورة بالتركيز على النظريات فالقادة الطلابيون كما يتذكرهم معظم الناس كانوا دوما يأتون بأطروحات معقدة والتي هي مزيج من الماركسية والتحليل النفسي والنظريات عن الصراعات من أجل تحرير العالم الثالث. إن ما يتم نسيانه بسهولة أنه حتى القادة الأكثر تعطشا للنظريات في ذلك الوقت كانوا يدركون أنه في نهاية المطاف فإن حركات المعارضة التي أضفت بطابعها على سنة 1968 لم تأت من مناقشات في قاعات الندوات.

لقد أصر الزعيم الطلابي الألماني رودي دشكي على سبيل المثال على أن الحركة كان دافعها «كره وجودي» وغضب ناتج عن حرب فيتنام على وجه الخصوص. إن العديد من «المنظرين» المفترضين أعلنوا أن على الغاضبين أن يتخلوا عن المراجع الثورية وأن يقوموا بالتشكيك بشكل عملي بالإستراتيجيات الراديكالية الموروثة أي بمعنى آخر أنه كان عليهم أن يقوموا باستكشاف ما يريدون فعله.

إن احتجاجات سنة 1968 واحتجاجات اليوم ضمن هذا المعنى ليست مختلفة بالقدر الذي يدعيه بعض المراقبين. لا توجد قواعد للعبة السياسية ولكن هناك أحداثاً وكتباً ألهمت هذا الشعور بالغضب مثل كتاب فرانستز فانون «بؤس الأرض» في الستينات وهذه الأيام الكتاب الذي أصبح من الكتب الأكثر مبيعا بشكل غير متوقع «كنت ساخطا» والذي كتبه مقاتل المقاومة الفرنسية السابق ستيفان هاسل الذي يبلغ من العمر 93 عاما.

لقد سخر النقاد من كتيب هاسل لأنه يجعل المرء يشعر أحيانا بأنه دعوة لأن يمتلك الإنسان رغبة تلقائية بالشعور بالغضب من شيء ما - أي شيء طالما أنه يمكن تبريره طبقا لمعايير العدالة الموضوعية عند شخص ما. إن قيام هاسل باستحضار جان بول سارتر والوجودية وسيل التاريخ العظيم - لم يكن من العوامل المساعدة حيث انعكس ذلك على الشعارات المرفوعة في مظاهرة وال ستريت مثل «تحمس واعمل شيئا». إن حقيقة أن هذا الشعار محاط بملصقات للفيلسوف الفوضوي اليساري ناعوم شومسكي والسياسي التحرري اليميني رون بول ينم عن الشيء الكثير.

بالرغم من الضعف النظري لأبحاث هاسل فإن «السخط» قد أصبح كلمة السر للحركات في فرنسا وإسبانيا وغيرها من البلدان واللغة مهمة هنا فالسخط يعني أن بعض اللاعبين الاجتماعيين -الحكومة أو النخب بشكل عام- قد انتهكوا القواعد المشتركة أو التفاهمات الأخلاقية. إن هذا يعتبر حرفيا التفسير «الرجعي» لتلك الحركات: فتلك الحركات أصبحت مفعمة بالحيوية بسبب ذلك الشعور بأن العقد الاجتماعي قد تم نقضه وأن على النخب العودة إلى الوضع الراهن والذي كان موجوداً قبل السياسات التي أدت في نهاية المطاف إلى الأزمة المالية. إذا كان هذا الطرح صحيحاً فإن الناس في الميادين في مدريد وأثينا ونيويورك لا يتظاهرون في واقع الأمر باستثناء بعض الفوضويين ضد أولئك الموجودين في السلطة بل إنهم يتظاهرون من أجل أن يظهروا لأولئك الموجودين في السلطة أن عليهم أن يشعروا بالخجل بسبب قيامهم بنكث الالتزامات المشتركة المفترضة.

إن السخط مختلف عن الغضب - أي الشعور بالغضب الأعمى وهو ليس بالضرورة مرتبطا بأي افتراض بأن هناك اشتراك في الالتزامات مع الناس الذين هم السبب في هذا الشعور بالغضب وهذا إلى حد ما حصل في سنة 1968: إن الشعور بالاشمئزاز المبرر أخلاقياً أدى إلى الغضب ولكن عندما تم التعبير عن هذا الغضب من خلال نظريات ثورية غير واقعية تماما تحول هذا الشعور إلى شعور بالصلاح الذاتي مما أدى في نهاية المطاف إلى تبريرات واضحة للعنف الجسدي من قبل الفصائل الراديكالية.

طبقا لهذا السيناريو فإن هناك أقليات تشعر بالتمكين الذاتي تتحدث عن أغلبية من صنع خيالها - أي نوع من أنواع الشعوبية ومثل كل أنواع الشعوبية يكون الدافع وراءها هو العواطف أكثر من المبادئ ناهيك عن المنطق وفي نهاية المطاف تصبح أعمال شغب.

ربما يبدو أن هذا الفرق بين السخط والغضب ينطوي على تفاصيل زائدة عن الحد ولكن الدروس التي تتعلمها النخب - وهم بالطبع يريدون أن يجعلوا الاحتجاجات تصب في مصلحتهم الانتخابية - سوف تعتمد بشكل جزئي كيف يتم وصف تلك الحركات وكيف تصور تلك الحركات نفسها وبالنسبة لهذه النقطة فإن المظاهرات ما تزال لغاية الآن صامتة فهي لم تعلن عن مطالبات أوسع أو نوعية المجتمع المختلف أو «الديمقراطية الحقيقة - العبارة المستخدمة دائما ضمن الحركة الإسبانية- التي يصبون لتحقيقها.

لو كانت الحركات الاحتجاجية مبنية على أساس السخط المبرر أخلاقيا فإن عدم وجود مطالب ملموسة لا يعتبر مشكلة: إن المبادئ المشتركة ( والسياسات المنبثقة عنها) يمكن أن يتم افتراضها بشكل عام ولكن لو كانت تلك الحركات تحركها مشاعر الغضب الشديد فإن عدم وجود أهداف واضحة قد يؤدي إلى المزيد من الغضب والإحباط وهي مشاعر قد تتحول بدورها إلى عنف جسدي وإلى العدمية السياسية.

إن هذا يعني أيضا أن على النخب السياسية أن تحاول أن تفهم رسالة السخط وتتعامل معها - وليس فقط محاولة إظهارها من أجل تحقيق مكاسب انتخابية. إن من السخافة بل من عدم المسؤولية على سبيل المثال أن يشعر مفكر حزب العمال البريطاني موريس جلاسمان بأنه مضطر لأن يكشف الجانب الخفي من شخصية قائد حزب العمال إد ميلابند وهو الجانب المتعلق بالتمرد الغاضب.

إن النخب -وهم يشتركون مع المحتجين بالمواطنة- يتوجب عليها الاستجابة المنطقية والإبداعية للسخط الأخلاقي واستيعاب أن هذا السخط في نهاية المطاف هو تأكيد على الليبرالية الديمقراطية ولا يتعلق بثورة شاملة ناهيك عن عدمية سياسية كما يجب عليهم أيضا أن يسعوا إلى تهدئة الغضب ووقف الغضب الذي يمكن أن يشكل تهديدا قويا لليبرالية الديمقراطية.

خاص (الجزيرة)

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة