Thursday 08/12/2011/2011 Issue 14315

 14315 الخميس 13 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كم يأخذنا الحنينُ إلى السفر في هواجس الوطن، والارتحال في مرابعِ الحبِّ والربيع والجمال، والترددِ عبر المشاعر الروحانية التي تُمتِّع الوجدانَ وتُرهف النفوسَ المرهقة وتُخففُ المعاناة، وتهتفُ لها الذاكرة والقلبُ

من الأعماق - كما قال الشاعرُ المكي طاهر زمخشري ذاتَ مساءٍ مسكون بالإلف والمحبةِ والحنان:

أهيمُ بروحي على الرابيهْ

وعندَ المطاف، وفي المروتينْ

وأهفو إلى ذِكر غاليهُ

لدى البيتِ والخيف، والأخشبينْ

وأهدرُ دمعي بآماقيَهْ

ويجري لظاها على الوجنتينْ

بين مكة المكرمة والمدينة المنورة وشائجُ وثيقةٌ، ومشاعرُ، ومواقفُ، وهواجس، ولكلٍّ منهما ذاكرةٌ وذكرى، وحضورٌ أثيرٌ مؤثر، ولكل منهما مكانة في النفس، والزمان والمكان، وفي التاريخ المعاصر تحتفي وتحتفل كلٌّ من مكة والمدينة المنورة بمشروعات ضخمة من العمران والتوسعة والطرق الحضارية الحديثة من أهمها:

1 - إنشاء وقف الملك عبدالعزيز على مساحة ضخمة قريبة من الحرم المكي الشريف.

2 - توسعة المسعى وتطويره لاستيعاب أعدادٍ أكثر من الحجاج والمعتمرين والزائرين والتيسير عليهم.

3 - مشروع تعبئة (مياه زمزم) لتوفير المياه.

4 - مشروع توسعة الجمرات وتطويره للتيسير على الحجاج.

5 - مشروع قطار الحرمين والمشاعر الذي يربط بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويخدم المشاعر المقدسة والحجاج والمعتمرين والزوار.

6 - التوسعة الحديثة للحرمين الشريفين من قبل خادم الحرمين الملك عبدالله التي تعد أكبر وأضخم توسعة في التاريخ.

- تحفُّ رحلتنا ابتهالاتٌ بالدعاء لهذه الأيادي الكريمة، والأهداف السامية على تحقيق الأحلام، والآمال والتطلعات.

وفي قافلة ارتباط مكة المكرمة بالمدينة المنورة تهتف لنا الذاكرة التاريخية عن اختيار المؤتمر الإسلامي الثالث لوزراء الثقافة لمكة المكرمة (عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2003م) كما ينبغي أن يدرك كل إنسان مسلم أن مكة المكرمة عاصمة دائمة للثقافة الإسلامية ويمتثله في التعامل مع موحيات هذه المدينة المقدسة، وأخيراً جاء اختيار (المدينة المنورة) لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية للعام الهجري 1434هـ الموافق 2013م، وتنطلق الاستعدادات للاحتفاء بهذا المهرجان الثقافي المهم لما لهذه المدينة العزيزة من دورٍ ريادي من عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، منذ أن هاجر إليها في العام الأول من الهجرة، ولا زالت الذاكرة تحتفظ بمباهج استقبال أطفال بني النجار له - صلى الله عليه وسلم - بهتافهم الذي يقول:

طلع البدْرُ علينا

من ثنياتِ الوداع

وجب الشكرُ علينا

ما دعى لله داعْ

أيها المبعوثُ فينا

جئتَ بالأمرِ المطاع

جئتَ شرفت المدينةْ

مرحباً يا خير داع

ما أجملَ الرحلة إلى المدينة المنورة على ساكنها نبينا محمد أفضل الصلاة والسلام.

هناك حيث المشاعر الطاهرة، والروحانية المتجلية، والمشاعر المستفيضة، والسكينة والطمأنينة في الحرم النبوي الشريف وما حوله.

- هناك في المدينة المنورة حيث المواقف المعبرة عن الأحداث والمعارك، والبطولات، غزوة بدر الكبرى، غزوة أحد، أين ما تذهب في المدينة المنورة تستقبلك المواقعُ والمشاهد، والمساجد، مسجد قُبا، ومسجدُ القبلتين، ومساجد ومواقف أخرى أثيرة معبرة.

- الأستاذ الدكتور عاصم حمدان أستاذ الأدب بجامعة الملك عبدالعزيز يتحدث عن المدينة المنورة فيقول:

«عرفت المدينة في العصر الجاهلي قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها: مدينة الشعر والأدب، فقد ذكر ابن سلام الجُمحي، وهو من أقدم نُقاد الأدب في تاريخ العربية بأن بيئة المدينة كانت الأوفر حظاً من الشاعرين بين البيئات الأخرى في الجزيرة العربية، وهذا ما يكشف عنه قول الشاعر الجاهلي المعروف: النابغة الذبياني عندما قدم إلى المدينة المنورة، ونبهه الأنصار إلى عيبٍ شعري في بعض قصائده، فقال قولة مشهورة: (جئت إلى المدينة أو يثرب، وفي شعري هِنةٌ، وخرجْتُ منها وأنا أشعرُ الناس)».

وبعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها مثّلت المدينة منطلقاً لمفاهيم الدين الإسلامي الحنيف، وخاطب منها الرسول صلى الله عليه وسلم أباطرة وأكاسرة العالم، يدعوهم في تسامح ولينٍ إلى اعتناق الدين الإسلامي الجديد، ومن المدينة انطلقت السرايا لنشرِ عقيدةِ التوحيد والإيمان.

هذه ورقة يسيرة من سجرة تاريخ المدينة المنورة - المكتظة بالأحداث والأمجاد والذكريات والشجون، والمواقف التي تبقى في الذاكرة والوجدان.

وما دمنا في رحلةِ التجليات في آفاق المدينة ورحابها وأندائها الشذيات.. نصغي عبر الذاكرة والذكرى إلى صوت الشاعر الأستاذ حسن بن عبدالله القرشي، وهو يهتف بالحنين الشجي إلى الروحانية المستحوذة على مشاعره:

صفّقَ الوَجْدُ في الفؤادِ وغنّى

وتجلى الحنينُ في النفس لحنا

إيه يا ذكرياتُ من أينَ ضاءتْ

صورٌ منك تتركُ الروحَ مُضنى

تبعث الماضي المجيد ليعيى

صفحاتٍ تُشعُّ نوراً وحُسنا

هو ماضٍ من البطولات قد صيغَ

وشيدتْ به المكارم حُصْنا

هو ماضٍ يفوحُ عطراً ويسمو

نغماً أطربَ المسامع فنَّا

غمر الكون بالجمالِ، وبالبشرِ

وبالحق مستفيضاً أغنّا

يا لَدُنيا تموجُ فيه، ومعنىً

خلّدتُه الأجيالُ قرناً فقرنا

وفي كلِّ المواسم تشتعلُ الهواجسُ، وتشتغل تياراتها، لكنها عندما تحضرُ تجليات المدينة المنورة تأبى إلا أن تُصغي إلى تلك التجليات المشرقة. كما يحلو لنا أن نصغي إلى ما أوحتْ به هواجس المدينة إلى أحد أصواتها الشعرية، ونقرأ الشاعر ضياء الدين رجب الذي ينشد في تجليات المدينة وروحانياتها فيقول:

جادكِ الغيثُ أمانا وسلاما

ورضى سمحاً، ويُمنا، وابتساما

يا دياراً حَلُمَ الغيثُ بها

يتحرّاها سحابا، وغماما

فإذا ما انطلقت أضواؤه

ذاب حُبّا في مغانيها، وهاما

شامَها بارقة ممطورةً

شمَّها جبريلُ من قبلُ وشاما

الشذى يألقُ من لألائها

والسنا ينضحُ عطراً وخُزامى

والدُّنى تعبر في أفلاكها

تعبُر النور الذي ينسى الظلاما

أيها الأضواء في دار الهدى

بهرته.. فرأى البرقَ جهاما

وقبل ثلاث سنوات شُرفتُ بزيارة إلى المدينة المنورة أنستُ فيها بالسكنى قرب الحرم النبوي الشريف للتمكن من الصلاة فيه واستشعار السكينة والطمأنينة التي لم أشهد مثلها في أي بقعة زرتها من أنحاء العالم سائلا المولى العلي القدير أن يمنحني رضاه، ويجعل لي في هذه المدينة الأثيرة قراراً، في أجوائها الروحانية المكتنزة بالإشراق والقدسية والإيمان والشفافية يكاد المرء أن ينسى نفسه وأهله، ويحاول استقراء الذاكرة والتاريخ فتستقطبه أضواء من الحرم الشريف وما حوله ليعيش المتعة والحضور والتجليات الإيمانية المستحوذة عن المشاعر فتنهمر بفيض الإنابة والخشوع والدعاء.

هذه إيحاءات المدينة المنورة وحضورها البهي في المشاعر والنفوس وفي تقاسيم الحياة، وفي أثناء زيارتي للمدينة المنورة سعدت بزيارة صديق العمر الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة الذي أضاف استقباله وترحيبه سمة مضيئة من سمات هذه المدينة الحبيبة إلى القلب، قلب كل مسلم يبهجه كل ما تحظى بها من مكانة وقدسية وعناية ورعاية فسألني عن انطباعاتي عن المدينة المنورة، فقلت له: إن الإنسان يكاد ينسى نفسه في رحاب هذه المدينة الحبيبة إلى القلوب فيتعلم حتى في التعبير عن مشاعره نحوها، ولعلها فرصة سانحة أن أبوح بشيء من مشاعري وجزء من أصداء انطباعاتي مما يحرض على المطالبة بشمولية الاهتمام باحتضان فعاليات مهرجان المدينة المنورة في أثناء اختيارها (عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2013) لذلك وقبل موعد الاحتفال أسجل اقتراحاتي التالية بين الاستعدادات التي بدأت لهذه المناسبة وهي:

أولاً: إنشاء مركز ثقافي بالمدينة المنورة يحتوي على مركز معلومات تاريخية وجغرافية وأدبية ومكتبة عامة تضم المصادر والمراجع المهمة التي تفيد الباحثين والمؤلفين والرحالة.

ثانياً: استقطاب نخبة من المؤرخين والجغرافيين والأدباء من داخل المملكة وخارجها للاشتراك بأوراقهم عن المدينة المنورة وتقديمها في الاحتفال المعد بهذه المناسبة.

ثالثاً: دعوة نخبة من الشعراء المعبرين للاشتراك بقصائد فصيحة في هذه المناسبة تحت اشراف الأندية الأدبية.

رابعاً: تنظيم (معرض للكتاب) في خيمة المهرجان، واستقطاب دور النشر للمشاركة فيه.

خامساً: إنشاء (قناة إعلامية مفتوحة) باسم (المدينة المنورة) تستفيد من إمكانات المحطة الإذاعية المتكاملة الموجودة في الحرم النبوي الشريفن ومن خدمات الخبرات والتجارب الإعلامية السابقة، وتبث البرامج الثقافية ذات العلاقة بالحرمين الشريفين، وما يتصل بهما من إشراق وحضور.

سادساً: تكريم المفكرين المبدعين من أدباء المدينة وشعرائها أمثال الشاعر ضياء الدين رجب، والشاعر حسين الصيرفي - رحمهما الله - والشاعر د. محمد العيد الخطراوي الذي بذل ونسج وقدّم نماذج من إبداعه عن المدينة المنورة فاستحق ورفقة دربه من مجايليه وغيرهم الوفاء والتقدير والتكريم.

وفي الذاكرة الشعرية للأستاذ الدكتور محمد العيد الخطراوي تخطر قصيدة (أنا في طيبة) التي تقول أبيات منها:

جادكِ الغيثُ أماناً وسلاما

ورضى سمحاً، ويُمنا، وابتساما

يا دياراً حَلُمَ الغيث بها

يتحرّاها سحابا، وغماما

أنا في طيبة أتيه على الدهر

وأمشي على رؤوس الليالي

حاملا مشعل الفخار، أغني

بشموخ، في كوكب الآمالِ

هامتي في العلى تباهي الثريا

ويدي تستبيح دنيا المحالِ

عن يميني الشموس تمضي نشاوى

والبدور الوضاء حدو شمالي

أنا في طيبة، وزهوي مزيج

من طموح، ومحملٌ للأماني

* * *

آمل أن تلقى هذه المقترحات صدى لدى القائمين على شأن تنظيم فعاليات الاحتفاء بالمدينة المنورة (عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 1434هـ - 2013م). والله الموفق.

a.s.alhumied@hotmail.com
http://www.alhumied.com
 

هواجس من الصحراء عن المدينة المنورة
رحلة في ذاكرة الوطن، ووجدانه (2-2)
عبد الله بن سالم الحميد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة