Saturday 10/12/2011/2011 Issue 14317

 14317 السبت 15 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كانت معاناتي على أشدها في دراسة التاريخ.. كان علينا أن نحفظ أحداثا وتواريخ متفرقة وأحيانا دون أن تتضح الصلة بينها. حقا كان يمر علينا بعض المعلمات ممن يتكرمن باستخدام أسلوب القصة في سرد حدث ذلك الدرس بحيث يبقي في الذهن لفترة لكنها تلك المفاجآت السارة التي لا تتكرر إلا في المناسبات الصعبة!

المواضيع المقررة لم تكن تغطي بشكل كاف تاريخ العالم وأحداثه باعتبارنا جزء منه بل هي ركزت كما ظلت تفعل حتى الآن على التاريخ الإسلامي والتاريخ السعودي فقط رغم أننا محظوظين بكوننا الجيل الذي تعرف على بعض الأحداث الهامة في التاريخ الإنساني مثل مفهوم الثورة الصناعية والحربين العالميتين الأولي والثانية والتعرف على دور الانتداب البريطاني في صنع دولة إسرائيل داخل الجسد العربي.

معضلة مادة التاريخ صارت أسوء مع أطفالي الذين جاءوا خلال فترة الصحوة وسيطرة رجالاتها على النظام التعليمي. تم تجريد كتب التاريخ من أية أحداث عالمية وتم الاقتصار في التعليم العام على تدريس التاريخين الإسلامي والسعودي في الغالب واللذين رغم أهميتهما في فهم التاريخ الحاضر وربط المواطن السعودي بأرضه وتاريخه وعقيدته لا تعطي فهما لما يحدث حولنا من أحداث هي ثمرة تاريخ بشري طويل تم ابتساره أو إغفاله في معظم الأوقات ولذا فإن الأجيال الجديدة في الجامعة الآن وعلى سبيل المثال لا تعرف ما هي الحرب العالمية الأولي أو الثانية أو مفهوم الحرب الباردة أو كيف اختراق الجسد العربي بواسطة إسرائيل وما هو دور أوروبا واحتلالها لبقاع عديدة في العالم وخلاف ذلك من الأحداث التاريخية التي شكلت ملامح عالم اليوم.

ولم يقتصر الأمر على هذا الابتسار المخل لمفهوم دراسة التاريخ بل ظلت حفلات التعذيب مستمرة في حصص التاريخ المقدمة إلى أطفالنا كما كانت معنا من خلال أسلوب تدريس عقيم ومتهالك ليس للأسئلة التاريخية الرئيسية التي يطرحها دارس التاريخ على نفسه في العادة وفي أنحاء العالم المختلفة ليتعرف من خلالها على القوانين الكونية التي تحكم المراحل التاريخية المختلفة للتاريخ الإنساني بل لأسماء وتواريخ مفتتة دون روابط واضحة توضح العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي أدت إلى ظهورها أو الآثار التي أحدثتها في ما تلاها من قرارات وحوادث وماهو دور الناس والمجتمعات والتشكلات البشرية في كل ذلك وهل نملك القدرة على فهم التاريخ ولماذا حدث ما حدث حتى نتمكن كأفراد وجماعات من التأثير فيها لصالح البشرية وحمايتها من دورات التاريخ والمجازر الإنسانية ربما عبر نشاط الأفراد ومؤسسات المجتمع المدنية وحتى الرسمية.

اطلعت قبل فترة قصة مشوقة تحت عنوان: اطرح الأسئلة والتي تدور حول الدكتور أبراهم رحمان الباكستاني الأصل والذي تم تعيينه في جامعة هارفرد الأمريكية بعد تخرجه منها وبعد حصوله على أهم جائزة يقدمها معهد كيندي للدراسات الحكومية التابع لهارفرد علما أن السيد رحمان هو ثاني شخص من أصول أآسيوية يحصل على هذه الجائزة في تاريخها وقد طلب منه في هذه المناسبة أن يقدم محاضرة فكان ما قدمه هو الأسئلة التاريخية التي نبحث عن الإجابة عليها من خلال سعينا في هذه الحياة ومما قاله في خطابه الآتي:

كوني حفيد الرجل الذي أوجد أوسع الجرائد انتشارا في باكستان لا أزال أتذكر وأنا في السنة الثانية الابتدائي سؤالي لجدي عن السبب لإرسالي إلى مدرسة أمريكية وكان ذلك غريبا جدا وربما غير مقبول آنذاك في الباكستان؟؟

نظر إلى جدي بابتسامة خفيفة وقال: وضعتك في مدرسة أمريكية لأنهم سيعلمونك أهم مهارة ستحتاجها أكثر من أي شيء آخر في حياتك: كيف تسأل سؤالا.

وكيف تفكر في السؤال.. ما تبقي في الحقيقة يعتمد عليك وعلى مقدار جهدك الذاتي.

بدراستي للتاريخ الأمريكي في تلك المدرسة دهشت من قدرتكم على طرح الأسئلة والبحث عن إجابات تحسن أساليب الحياة لكل البشر الذين يقبلون أن يطرحوا نفس الأسئلة. أسئلتكم مكنتكم من أن تحققوا ما لم يتمكن العالم كله من تحقيقه.

سألتم أولا: هل يحق لملك أن يطالب بدفع ضرائب دون مشاركة شعبية؟ وقاد هذا السؤال إلى كتابة الدستور الأمريكي وإلى مسودة الحقوق في النظام القانوني الأمريكي.

أفكار وأفكار عديدة أدت إلى خلق هذا البلد المتميز.. حينما قامت مواطنتكم السمراء روزا بارك عام 1955 بالسؤال: لماذا لا يحق لها أن تجلس في مقدمة الباص مثل بقية المواطنين الأمريكيين البيض أدى ذلك إلى نشوء حركة حقوق الإنسان وإلى ظهور قادة عظام في التاريخ الإنساني مثل مارتن لوثر كنج بل ادي ذلك في النهاية إلى انتخاب أول رئيس أمريكي من أصول إفريقية تعيشون عصره الآن وذلك لإظهار مقدار التسامح والقبول لدى هذا الشعب للأقليات ولقبول التغيير من خلال الأسئلة التي يطرحها على نفسه في كل حدث تاريخي.

حينما سألتم أنفسكم لماذا لا يتمكن كل شخص من تحقيق سعادته من خلال خصائصه الذاتية وعمله الجاد تمكنتم من إيجاد هذا الوطن الذي يمنح الفرص لكل مجتهد من خلال أهم ما يملك: أفكاره وليس عبر خلفيته العرقية أو الدينية أو الأسرية فتمـكنتم مـن جمع أعظم القدرات في العالم.).

الآن أسألكم لماذا توقفتم عن طرح الأسئلة الصعبة ومن هو المسئول عن جعل الشعب الأمريكي أكثر شعوب العالم جهلا بما يدور خارج أمريكا؟؟

حديث رحمان يعيدنا بشكل أو آخر إلى مراجعة الطريقة التي نتناول بها الموضوعات التاريخية في فصولنا حتى نتمكن من التركيز عند دراسته على السلوك الإنساني ودوافعه وتعزيز العوامل الأخلاقية التي أدت إلى صناعة إحداثه بدل دراسة هذه الأحداث مجردة وحفظها ثم أعادة تكراراها في الامتحان وكما يقول أ.د حسن شحاته في ورقته بعنوان معا نحن قادرون على التغيير والتي قدمها للمؤتمر القومي السنوي الخامس عشر للتربية في القاهرة: من خلال دراسة التاريخ يجب أن يكون المعلم قادرا على تحقيق عملية تقصي تاريخية للأحداث وفهم عميق للمفاهيم وربطها بالتفسير التاريخي وذلك لطرح الأسئلة ألكبري في أذهان الطلاب حول من أنا وكيف أري نفسي والآخرون؟ إلى من أنتمي وعمن أنا مسئول؟ لماذا كانت الحروب وما العوامل التي ساهمت في خلق خيارات الحروب ألكبري عبر التاريخ إنساني وكيف لي أن أتجنبها أو أعمل على التأثير من حولي لتجنبها؟ من هو المسئول وهل هناك أناس يستحقون اللوم أكثر من آخرين.

من خلال دراسة التاريخ يجب أن أكون قادرا على فهم معنى الخيارات الفردية والمسئولية الفردية والجماعية ودور المواطن في دول العالم الحديث وتأثير كون المواطن يهتم بما يحدث لشعبه والشعوب الأخرى.

تخيلوا معي... فقط تخيلوا لو فعلا قابلنا في حياتنا المدرسية ولو معلما أو معلمة درسونا بهذه الطريقة... كيف كان يمكن أن يكون دورنا اليوم في حياة العالم؟؟؟

 

لماذا يكره السعوديون مادة التاريخ؟
د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة