Saturday 10/12/2011/2011 Issue 14317

 14317 السبت 15 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

* يقاس على الشيء شبيهُه ؛ فحين تكون مسؤولاً ويغلب على المسؤولين الإثراءُ غير المشروع، فأنت ثري بدون حق، وإذْ قدرك الكتابة وينطبع الكُتّاب بالأهواء المشخصنة فأنت انتفاعيٌّ ذو هوى، وحين تكون مرؤوسًا فإنك لم تحظ بتعامل طيبٍ إلاّ لتزلفك، وحتى حين تلوذ بالفرجة فأنت طيبٌ يفرُّ الحظ من بين يديك ومن خلفك.

* كذا تُلجئنا المقارنات الوهمية المبنيةُ على الصور الذهنية لمفارقاتٍ قَصِيّة ؛ فليس الجميع لصوصًا وليسوا كلُّهم شرفاء، ومجترحو النفاق والارتزاق كثرٌ غير أنّ في الناس أنقياء أتقياء، ولا يعني القياس على النفس أو الناس أكثر من حكم انطباعيٍّ قابلٍ للصحة والخطأ.

* لعل هذا الخلط أحد مبررات اعتزال المتميزين في حقولهم التخصصية ؛ حيث نصادف قادة إداريين وأكاديميين وباحثين ومبدعين رغبوا عن الجو العام فارتضوا الاكتفاءَ بما قدموه والانكفاءَ على ما تيقنوه واعتزالَ الأوساط الرسمية والجماهيريةِ هربًا بذواتهم من وَحل المقارنة وسَوءة المسايرة.

* تتكثف أحاسيس عدم الجدوى لدى كثيرٍ من ذوي الرؤية والرويّة فلا يأبهون بحضورٍ معنوي أو مظهري، وفي مقابل المتهافتين على الفتات تجيء قلةٌ تملك الحظوة الشخصية والمجتمعية فتنأى عن الوسط العام اقتناعًا منها بجدوى لغة السكون والسكوت.

* من يقتنع بالاعتزال فقد اتخذ قراره ولن يلتفت لأصوات المنادين بعودته، وربما وجد في خلوته مع نفسه وأصفيائه ما لم يجده أيام الركض والانتشار، والسؤال المشروع أمام من لا يطمح ولا يطمع: لماذا يعود أو لماذا يستمر ؟ والإجابة - بمنأى عن المزاج الأنوي الخاص -: لأنّ الرسالةَ منفصلةٌ عن المرسل، والباحث ليس فنانًا أو لاعبًا له عمر افتراضي يحق له الاعتزال مادام محتفظًا بصفائه الذهني ومقدرته الجسدية، ولا يُلتمس عذرٌ لمن لوّحوا بوداعٍ لم يئنْ حينُه.

* قبل وفاته كتب محمد جلال كشك مقالاً أشبه بالوصية طلب فيه دفن ثلاثة من كتبه معه ؛ ومنها كتابه: (ودخلت الخيل الأزهر)، ولم يبتدع؛ فقد سبقه شعبة بن الحجاج وبشر الحافي ؛ حيث أوصيا بدفنِ كتبهما معهما، ويبالغ المؤرّخون في ذكر ثمانية عشر صندوقًا ضمها قبر الحافي، ولا يُفهم تبرير هذا السلوك بغير نزوةٍ من خاطرٍ جامحٍ قاس السماء بقياسات الأرض، ومثلهم من أحرقوا كتبهم أو دفنوها أو مزّقوها (داود الطائي وأبو عمرو بن العلاء وأبو حيان والسيرافي وسفيان الثوري وآخرون)، وكلا النمطين ظالمٌ لنفسه.

* ليتنا نتوازن حين نحكم على ذواتنا وسوانا؛ فالبارانويا التي توهم المرء بتفوقه هي ذاتها التي تقنعه بابتعاده.

* العزلةُ وهمٌ وهمّ.

ibrturkia@gmail.com
t :@abohtoon
 

قبل الاعتزال
د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة