Saturday 17/12/2011/2011 Issue 14324

 14324 السبت 22 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

القلق الذي أبدته طالباتي كان كبيرا جدا حيال المقطع الذي تم تداوله حول طالبة إحدى الجامعات الكبيرة في الرياض حيث تم التصوير من داخل الجامعة دون علم الطالبات وكان التهديد فيما يبدو قويا بمزيد من هذه المقاطع (قررت عدم مشاهدته حتى لا أشارك في انتشار محتواه) (ذكر في بعض المواقع الإلكترونية

أن السلطات تمكنت من ضبط الطالبة التي قامت بالتصوير وتم سحبها من الجامعة وهو المتوقع). إحدى طالباتي تقول بأنها ومنذ التحقت بالجامعة تفكر بإمكانية أن يحدث لها ذلك وهذا القلق يمنعها من ممارسة الكثير من الأنشطة في الجامعة أو حضور محاضرات عامة أو الجلوس في الكافيتيريا خوفا من أن يتم تصويرها بأحد هذه الجوالات دون علمها!

في الأعراس إما أن يقوموا بتفتيشك لأخذ جوالات الكاميرا أو أن تغامر أنت وحظك في أن تتقي الموجودات الله فيك وفي غيرك من النساء فلا يتم تصويرنا عنوة.

إنه عالم مرعب يسقط كافة الأقنعة الاجتماعية ويهدد مناطق العزل الثقافية ويسحب الجميع إلى حيث المناطق المكشوفه. إنه عالم يتحدى الأقنعة التقليدية والثقافية التي مارسناها لعشرات السنين ويضعنا أمام الأسئلة الحارقة من مثل: وماذا بعد؟؟

لن أناقش هنا البعد الاجتماعي والثقافي لأحداث كهذه أو لأمثالها مما يجب أن نتوقعه مستقبلا لكنني هنا أطرح البعد الأخلاقي والقيمي المرتبط باستخدام التقنية وهو أمر تعاني منه كافة المجتمعات وحتى تلك التي لا توجد فيها أساور عالية بين الرجال والنساء لكنها تعاني من اختراقات تهدد الأمن الاقتصادي أو القومي أو حتى الحريات الشخصية للأفراد وهو الأمر الذي دعى دولة كبريطانيا الشهر الماضي لعقد اجتماع دولي تناقش فيه الأمن المعلوماتي والأمن الإلكتروني المرتبط باستخدام التقنية إضافة إلى مبادرة الكثير من الدول ومنها المملكة بوضع قوانين تجرم الاستخدام غير القانوني للتقنية أو اقتحام حسابات الغير أفرادا أو شخصيات اعتبارية، كما سمعنا عن عدد من القضايا التي تم أخذ أحكام عامة فيها لإيقاع عقوبات محددة على الأشخاص لاقتحامهم حسابات شخصية أو خلافه.

ووجود قوانين ضابطة هام جدا لتشيكل مفهوم الردع عند وجود العقوبة (من أمن العقوبة أساء الأدب) لكنني شخصيا أعتقد أن الفيصل في كل ذلك هو نجاح المؤسسات الأسرية والتعليمية والدينية والحكومية في خلق مفاهيم قيمية وأخلاقية شخصية لدى الأفراد في مستوياتهم الشخصية تؤمن بحتمية الالتزام بمبادئ أخلاقية عامة تحفظ حق الجميع في مجتمعات آمنة غير مهددة كما يحصل مع طالبتي التي منعها القلق من أن تعيش حياة جامعية حقيقية. الفكرة التي أرى أنها تستحق الاستثمار هو خلق القواعد الذاتية الأخلاقية كمرجعية قيمية يعود لها الفرد عند استخدامه للنت وتنبع من داخله عن طريق ربطها بمنظومة القيم الدينية والاجتماعية التي يؤمن بها مجتمعه وذلك بواسطة تدريسها بشكل مباشر في المدارس والجامعات كمواد ثابتة ضمن برامج الإعداد للحياة.. مشكلة النت هي الرؤية له على أنه هذا الفضاء المفتوح دون قيود ودون أن يعرفك أحد وهو ما يجعل السعوديين أكثر سكان العالم العربي تواجدا في النت حين عجزوا عن التواجد الفعلي في حياة مجتمعاتهم بسبب كثرة المحظورات الاجتماعية والسياسية والثقافية فآثروا النت يعيث البعض فيها لعبا ولهوا ولذا لم يكن مستغربا أن تجد باحثة أردنية في رسالتها في الماجستير قبل سنة حول استخدامات النت في العالم العربي أن السعوديين هم أكثر الشعوب العربية بحثا عن مواقع الجنس على جوجل واليوتيوب!

هنا نطرح بعض الأسئلة: من يعرف ماذا يفعل ابناؤه على الإنترنت وأية مواقع يدخلون وهم يجلسون بالساعات؟

هل تتضمن أي من برامج التعليم في أية مرحلة من مراحل التعليم العام أو في الجامعة أية مواد أو مناقشات أو مشاريع حول أساليب السلوك الآمن داخل العالم السيبرني (سيبر ان) أو كيف هي أخلاقيات هذا الفضاء والمخاطر الشخصية والمهنية والتجارية المرتبطة باستخدامه وكيف يمكن للأفراد التعامل مع الاعتداءات أو التجاوزات داخله.

وبالطبع ولأن مجتمعنا ذو خصوصية خاصة جدا فإن القلق يأتي من قضايا محددة لكن المراهقين والفتيات والكثير من الشباب يتعرضون للكثير من عمليات الإغراء أو الابتزاز أو التنمر أو الاستغلال... إلخ، من مظاهر الاعتداءات البشرية التي كانت تمارس بوسائل تقليدية قديما واليوم تتم أمام أعيننا ومن (أو) في داخل بيوتنا دون أن نشعر بها!

إن أحد أهم الوسائل التي تستخدمها الشركات في أمريكا وأروبا الآن مثلا حين تقدم طلبا للتوظيف هي البحث في تاريخ المتقدم الإنترنتي ومراجعة ما كتبه وماقام بإرساله والمواقع التي زارها.. إلخ، حتى يتفهموا طبيعته واحتمالاته المستقبلية وهذه أحد المعايير المعتمدة للتوظيف الآن.

خطر الفضاء الإنترنتي أنه مدمر فعلا وأن تدميره لا يزول أبدا. هو أثر يقوم الشخص بطباعته على فضاء الإنترنت ولا يمكن مسحه أبدا وفي هذا الصدد أصدرت العام الماضي مؤلفة أمريكية كتابا جميلا تنبه فيه المراهقين إلى حقيقة مؤسفة يعيشها هذا الجيل ولم نعاني منها حينما كنا في أعمارهم: إن أخطاءهم لا يمكن مسحها أبدا لأنها مكتوبة: تقول المؤلفة إننا حين كنا في أعمارهم كان يمكن أن نمارس الكثير من الأخطاء والتجاوزات مثل كل المراهقين لكنها ولله الحمد ذهبت وولت وهانحن الآن قوم ناضجون ندير عائلات ومؤسسات دون أن نخشى قلق أن يجد أحد شيئا ما مكتوبا ضدنا يمكن استخدامه. للأسف وكما تقول المؤلفة: الجيل الحالي لا يملك هذا الترف. إنه مندفع بحكم إدمان التقنية على الكتابة والمشاركة والتعبير عن نفسه ليسجل كل شيء يمر في يومه من مشاعر وعلاقات وخصومات غير ناضجة: كلها تسجل بفعل هذه التقنية وتبقى؟؟ والآن ماهي النتيجة عشرات من الصفحات الإلكترونية المليئة بالمشاعر والعلاقات الشخصية غير الناضجة والتي لا تمحى أبدا، ولذا فهي في نهاية الكتاب تقدم نصيحتين عظيمتين للجميع: الأولى للمراهق وهي: لا تكتب شيئا لا تريد مستر بروان أن يراه أو يعرف عنه (مستر بروان هو مدير الثانوية وهذا رمز فإذا كنت تخجل من أن يعرف مديرك مدرستك هذا الشيء ما فلا تكتبه في الإنترنت) الثاني هو النصيحة للأهالي بأن يقتحموا عالم صغارهم فلا يتحصنون بدافع الخصوصية أو احترام الغير: قانون الأبوة يتيح لك اقتحام عالم صغارك حتى 18 سنة هذه هي السن القانونية ومن حق أبنائنا علينا أن نحميهم باقتحام خصوصيتهم : طبعا هذا أمر يخضع لجدل عال في الولايات المتحدة وحتى هنا أو هناك فإلى أي حد يمكن للوالدين بحكم أبوتهم وبدعوى حماية أبنائهم من اقتحام خصوصية أولادهم. أنا نفسي لا أعرف الإجابة!!

وهكذا نجد اليوم أننا أمام تحديات حقيقية تهدد البنى الاجتماعية التقليدية وتحتاج إلى طرق تماثلها للعلاج وهو ترشيد الاستهلاك لهذا العالم المتوحش الآخذ في التوسع كل يوم وتقنينه وتعليم الصغار في مدارسهم وتدريبهم على المسؤولية الذاتية وحجم ما يترتب على أفعالهم من تبعات قانونية أو شخصية (قد يؤثر على الفتاة كفرصة زواج أو موقع وظيفي أو دراسة... إلخ). إنها فعلا من المهمات المستجدة المعقدة في عصر يحفل كل شيء فيه بالتعقيد.

 

الفوضى الإلكترونية.. تقتحم عالم النساء.. ما العمل؟؟
د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة